البعض سخر مني حينما تحدثت قبل أيام عن وجود مؤشرات تفيد بأن الحكومة عازمة هذه المرة على التعامل بجدية وحسم مع ملف الفساد. وقدمت شواهد على ذلك منها قرارات رئاسية تشي بخطوات قادمات، وختمت مقالي بالقول: (ما هو مهم في الأمر، قد تصدق الأيام توقعاتي بأن في الأمر جديد في محاربة الفساد، أو ربما همست الأيام في أذني قائلة: (روق المنقة الحكاية ما قدر كدا)!! وتقليت اتصالات من بعض المطلعين على بواطن الأمور تعضد تلك التوقعات، تخبرني بأن خطوات عملية اتخذت في مراكز حساسة تدعم هذا الاتجاه، ربما لم يحن الوقت لذكرها الآن. قناعتي أن خوف الحكومة من أن تستغل قضايا الفساد من قبل معارضيها لتشويه سمعتها ولد لديها حساسية نفسية من كلمة (الفساد)،التي كلما ذكرت تحسست الحكومة علب البمبان! لذا كثيراً ما تميل الحكومة للمعالجات الداخلية الهامسة بدلاً عن المنصات القضائية. تلك الحالة التي شخصها المحامي الضليع أمين بناني بمقولة شهيرة سارت بها الركبان حين قال : (في قضايا الفساد أرادت الحكومة ممارسة فضيلة الستر فوقعت في رذيلة التستر). ظللت أكرر بأن الصحافة والأجهزة الأمنية والرقابية تمثل الجهاز المناعي لأي دولة، والفساد هو فيروس الأيدز الذي يتسبّب في تدمير أو تدهور وظائف خلايا الجهاز المناعي للدول. حيث يحدث نقص المناعة فيها بشكل تدريجي إلى أن يصبح الجهاز المناعي غير قادر على القيام بدوره في مكافحة العدوى وحماية الدولة من الأمراض ذات الطبيعة الانتهازية. كثير من القوانين التي تحكم جسد الكائنات الحية تجد مقابلها ومشابهها في تكوينات الدول والحكومات. ربما كذلك يصدق اتهام بعض الذين ينشطون في الحديث عن الفساد بأنهم يستخدمون مثل هذه القضايا كوسيلة فاعلة في الابتزاز والاغتيالات المعنوية! أغلب دول العالم أدركت خطورة هذا الفيروس الخطير، فسعت لاستحداث واستخدام مضادات حيوية بالغة الفاعلية! في الصين تم إعدام عدد من قيادات الحزب الحاكم، تورطوا في ملفات فساد،بل الحكومة الصينية أطلقت أقلام الصحفيين لمطاردة الفاسدين في الولايات والمركز، ولم تسمح لهم بالاختباء داخل غرف الحزب ولا التغطي بشعاراته! في إيران أجيز قانون إقرارات الذمة وفعل دور القضاء في محاربة الفساد، فطالت أيادي العدالة نجل الرئيس السابق رافسنجاني وشقيق صادق لاريجاني رئيس البرلمان ولهم شقيق ثالث يشغل منصب رئيس القضاء. وفي العراق تم تقديم وزير التجارة عبد الفتاح السوداني للتحقيق في قضية فساد أدين فيها شقيقه. وفي الأردن تم تقديم صهر الملك للمحكمة بتهم الفساد واستغلال النفوذ! ملف محاربة الفساد يصعب استخدامه تكتيكياً لمنح مصداقية للدولة أو لتجميل وجهها أمام الآخرين. قرائي الأعزاء: أعدكم بتقديم ملف فساد بالغ الخطورة خلال أيام ،بتفاصيل ومستندات يشيب لها رأس الفطيم، فساد في جهة ظلت مغلقة الأبواب والنوافذ، لا تخرج منها سوى الأخبار السارة الأنيقة المعطرة بأرقى الروائح، بينما تعتمل في داخلها تلك الرائحة المثيرة للغثيان والمحرضة على العطاس!!