كثيرون يظنون أن النفاق هو تملق أصحاب المال والسلطان بمعسول القول وكثير الثناء، ودلق ماء الكرامة والكبرياء تحت أقدامهم. النفاق الأكبر أن تفعل عكس ذلك تماماً، بأن تشتم وتنتقد وتسيء، وتضخم السلبيات وتغض الطرف عن الإيجابيات، لا لشيء سوى ليقال إنك شجاع لا تخشى لومة لائم، هذا هو مقصدك ومبتغاك.. وعلى بابه ربح وفير وثناء عاطر! والنوع الثالث من النفاق، أن تصمت عن قول ما تراه حقاً، خوفاً من أن يساء فهمك أو يشتبه في نواياك، فتختار السلامة على نظرية حفظ اللسان والحصان، وقد تصبح في بعض المواقف متواطئاً بالصمت مع وضع مختل وحال أعوج. منذ فترة كنت أعزم على الكتابة عن رجلين مثيرين للجدل بعرض وجهة نظري التي بكل تأكيد تخالف رأي الكثيرين وتصطدم بعنف مع الصورة الذهنية التي رسمت لهما في أجهزة الإعلام، و الغريب أنهما أسهما في ترسيخها، عبر تصريحات وعبارات غير موفقة صدرت منهما، سأبدأ بالأول وسآتي للثاني غداً. صورة دكتور مأمون حميدة التي رسمتها الآلة الإعلامية، أنه وزير متعجرف بمزاج مثلج واسع الثراء تختلط مصالحه الخاصة بمهامه العامة، يتعامل مع آلام المرضى وأوجاعهم من باب الاستثمار، يفعل ذلك بقلب غليظ ووجدان متصحر وكبد جاف، يجري معالجاته للأوضاع في الحقل الصحي دون تدرج وبلا عقاقير، يمضي مسرع الخطى نحن إجراء العمليات الإدارية الجراحية دون تعقيم أو تخدير أو مسكنات للألم! قبل فترة شرعت في ترتيب إجراء حوار ساخن مع دكتور مأمون حميدة، كان خطي في الحوار ينطلق من فرضية صحة الصورة المرسومة عنه، وكان جهدي في الإعداد أن أبحث عن شواهد وإثباتات تؤكد صحة ما يقال. كان خياري السهل والمباشر أن أبحث عن الأدلة والإثباتات من أعدائه ومخالفيه، فأجريت اتصالات واسعة مع بعضهم. ولكن المفاجأة بالنسبة لي كانت أن حصيلتي من المعلومات لا توفر الحد الأدنى من الحجج المنطقية التي ترسخ الصورة المرسومة! بل العكس بعضهم نفى عدداً من الاتهامات السهلة التي تلقى على ظهر مأمون وفي مرات على وجهه! بعد بحث وتدقيق، خلصت لقناعة شخصية قابلة للمراجعة، وهي أن مأمون حميدة قد تكون فيه بعض تلك السلبيات ولكنه ليس كغيره من وزراء الصحة السابقين، لم يأتِ بباب الترضيات ولا على أكتاف القبائل، رجل شجاع وجريء في اتخاذ القرار ومتابعة التنفيذ، نعم، يخطئ ويصيب لأنه يعمل بجد ومثابرة. ليس كمثل بعض الوزراء العابرين على المناصب دون ذكر ولا عطر مميز، يعتبرون المنصب الوزاري فرصة لترتيب أوضاع ما بعض الخروج، يعملون بمبدأ السلامة وإغلاق باب الريح والنوم على (مخدات الطرب)، يتسابقون على الحوافز ونثريات السفر!! حميدة جاء للوزارة ممتلئ العينين واليدين، ليس في حاجة لمال إضافي، لا أقول إنه يعمل كملاك طاهر من أجل قيم السماء ولا وطنيٌّ غيور يبتغي رفع اللواء، هو ببساطة نموذج لرجل نجح في مجاله الخاص وحقق ما يريد من أرباح وهو الآن يبحث عن نجاح عام بتحقيق مجد شخصي. فكرة جيدة، أن يقوم وزير الصحة بالولاية بنقل الخدمات الطبية من وسط الخرطوم إلى الأطراف، وأن يتم علاج الملاريا والتهابات الأطفال والإسهالات في المراكز الصحية والمستشفيات الطرفية وتترك المستشفيات الكبرى لما هو مرجعي ومستعصٍ واستثنائي! قناعتي ، الرافضون إما متخوفون من فشل التجربة بضياع ما هو موجود وعدم نجاح ما هو مأمول وآخرون –من دونهم- تتضرر مصالحهم المباشرة، وهؤلاء بعض الاختصاصيين وتجار الطب الذين ينالون كثيرا من الفوائد من مجاورة عياداتهم ومستشفياتهم ومعاملهم الخاصة من المستشفيات الحكومية، متهالكة الخدمات، حيث يستبين الفرق ويحسم الاختيار! أما قولي في الرجل الثاني الذي أرى أن صورته في الإعلام تخالف حقيقته في الواقع فسأخبركم عنه غداً، الرجاء منكم الامتناع عن حمل العصي أو الاستعانة بالحجارة!!!