جحا شخصية فكاهية منتشرة في ثقافات كثيرة بأسماء مختلفة، أشهرها نصر الدين خوجة الشخصية التركية، وأبو الغصن الفزاري العربي الذي عاش في العصر الأموي، وحول شخصية جحا اختلافات وفي قصصه_كذلك_ اختلاقات، لكنه في كل الصور المرسومة له، شخصية فكاهية تنتج الفكاهة بقصد السخرية من المجتمع أو لغباء فيها. مما ينسب له _سودانيا_ أن جماعة حضروا له وقالوا: إن جريمة ارتكبت اليوم _ وذكروا تلك الجريمة وكانت جريمة شرف_، فقال جحا: الحمد لله ليست ببلدتنا، فقالوا له: بل ببلدتكم، فقال: الحمد لله ليست بحيّنا، قالوا: بل بحيّكم، قال: الحمدلله ليست بشارعنا، قالوا بل بشارعكم، قال: الحمد لله ليست بمنزلنا، قالوا: بل بمنزلكم، قال: الحمد لله) دا ما أنا.) الدفاع عن الأخطاء والخطايا المعروفة والظاهرة، دفاعا متراجعا ومهزوما، لذلك ظل الناس في بلادنا يرمزون له بقصر اللسان ويكنون عنه بانكسار العين، وهي تعبيرات حسية ومعنوية تشير إلى (تباقص) صاحبها. من الصعب للغاية على من يحترم نفسه أن ينكر الواقع، والأصعب منه أن يبرر الأخطاء التي لا مبرر لها. هذا هو المفتاح السحري الذي يفسر لنا لماذا تحول كثير من أنصار نظامنا إلى صامتين أو محايدين أو ناصحين (متفلتين)، فلا أحد يحمل مبادئا وقيما، يستطيع أن يبيع دينه لدنيا غيره، ولا أن (يبلع الذمة). فالحال يُغني عن السؤال والواقع _لولا فسحة الأمل_ ينبئ بالوصول لنقطة) اللارجعة.) شعبنا شعب ذكي ومتابع ويعلم كل ما يدور بساحاتنا، أبسط شخص يمكن أن يحدثك عن تخبط السياسات الاقتصادية ويسوق لك الشاهد تلو الآخر وكأنه خبير اقتصادي ويحدثك عن الأخطاء السياسية فتحسبه سياسيا مخضرما، ويتناول أسرار الدولة فتظن أن له جهاز معلومات خاص، ويحدثك عن نفسك حتى تظن أنه لا عمل له سواك، وكل ذلك في انسيابية وبساطة وشجاعة، ولذلك لا شئ يصلح في التعامل مع هذا الشعب، مثل الوضوح والصدق والصراحة، الأمر الذي يحتم علينا بسط المزيد من الحريات الصحفية المسئولة، وافساح المجال للمزيد من المنابر وتشجيع المعارضة الوطنية الصادقة المبّصرة داخل وخارج حزبنا وحكومتنا. الإحساس بنظرية (لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد)، هذه نظرية استبدادية ستضرنا _ حكومة وحزبا_ قبل أن تضر الآخرين، فالرأي الآخر هدية قيّمة يقدمها لك الصديق والعدو على السواء فلماذا ترفضه؟. قلت _يا صديقي _: ما أخشاه أن نجلس فيحدثنا الناس عن (البلاوي) التي تحدث في ممارساتنا السياسية فنتبع التكتيك الدفاعي الانسحابي الذي اتخذه جحا حتى نصل: الحمد لله دا ما أنا. ضحك الرجل حتى بانت نواجذه ثم قال: والله جنس قوة عين، هو لا أسع إنتو ما وصلتو؟ تطير عيشتكم.