محمد أحمد بشيري مرات قليلة، تعدّ على أصابع اليد الواحدة، تلك التي تمكنت فيها ما يعرف بمنظمات المجتمع الدولي من تضييق الخناق على دولة الكيان الصهيوني، وإن لم تتمكن هذه المنظمات من الوصول إلى غايتها بلإدانة الكاملة لإسرائيل بفضل الفيتو الإمريكي؛ لكنها مَرَّت بأوقات عصيبة، وعزلة أخذت بمجامع الكيان عقب عدوانها السافر على قطاع غزة في العام 2010- ووحشيتها وبربريتها التي بثت وقائعها بصور عالية النقاء والجودة عبر الفضائيات. وبعد أن خرجت التقارير الدولية تدين العدوان، وتُحَمِّل إسرائيل مسئولية هذا العدوان، بل شرعت بعض الدول الأروبية المؤيدة لإسرائيل بمناسبة ودونها في إعداد قوائم حظر دخول لأراضيها لبعض القيادات والنافذين في حكومة الكيان الصهيوني، الأمر الذي أصابهم بالهلع والذعر. وكالعادة في مثل هذه المواقف فقد انبرى اللوبي الصهيوني، وعمل باستماتة ويأس حتى تم تحويل الإدانة بوقاحة يحسد عليها إلى دفاع عن النفس. ومع ذلك فقد ظلت لعنة الإعتداء على القطاع تلاحقهم بعد أن توترت العلاقات مع حليفتها القوية تركيا عقب مهاجمة قواتها البحرية أسطول الحرية مرمرة التي كانت محملة بالمساعدات الإنسانية، لكسر طوق الحصار على القطاع، ومقتل تسعة من المناصرين الأتراك وجرح آخرين؛ الأمر الذي أثار حفيظة الأتراك. وأوشك الأمر أن يتحول إلى مواجهة بين الدولتين الحليفتين. وبموجب هذه التطورات تم تعليق التعاون الإقتصادي والعسكري بين البلدين. وفي وقت وجيز، وعقب وصول الرئيس الإمريكي أوباما إلى تل أبيب مؤخراً، رفع رئيس الوزراء الصهيوني سماعة الهاتف مخاطباً أردوغان، مقدماً اعتذاره بعد أن تَمَنَّع ثلاثة سنوات حسوماً، مبدياً استعداد بلاده تقديم التعويضات لأسر ضحايا أسطول الحرية، طالباً فتح صفحة جديدة بين البلدين، وإلقاء كل الدعاوي المرفوعة ضد الجنود والقادة الإسرائيليين في المحاكم الدولية. وقد كان رأب الصداع بين إسرائيل وتركيا من نتاج الجولة الأخيرة للرئيس الامريكي بالمنطقة، ولم تكن الخطوة ضربة لاذب، أو بالسرعة التي يتخيلها البعض، فقد عملت مطابخ السياسة وكواليسها في الدول الثلاثة (أمريكا تركيا إسرائيل) بدأبٍِ طيلة سنوات الجفاء بين البلدين، ولا يخفى على المراقبين أهمية عودة العلاقات بين تركيا وإسرائيل لأمريكا، في محاولة منها لاستبعاد إيران عن مشاكل المنطقة. وهكذا، وكعادته دائماً، كسب العدو الصهيوني بالدولة العبرية ما بعده مكسب، أما الإخوة الفلسطينيون فلهم الله الواحد الأحد؛ فلم يحصدوا من هذه الجولة الأمريكية بالمنطقة إلا السراب والإكتئاب وخيبة الرجاء والأمل، بعد أن زَوَّد الرئيس الإمريكي الصهاينة بنصائح تقود إلى فَكّ العزلة المضروبة عليهم، وإنشاء دولتهم اليهودية، وهذا اعتراف ضمني بالدولة الصهيونية القادمة، وبالتالي حرمان الفلسطينين من حق العودة واسترداد حقوقهم السلبية. المطلوب ديمقراطية موديل ربيعي إلى يومنا هذا، وعلى الرغم من مرور قرابة العام، إلا أن بعض الجهات المصرية لا تريد الاعتراف بفوز الأخوان، وحصدهم أصوات الناخبين في الإنتخابات البرلمانية، والتي تم إلغاؤها في ظروف حربية، توضح بجلاء سافر أن هناك من يريد منع الإستقرار في المحروسة بأية وسيلة، وبسذاجة يرثى لها يطالب البعض بذهاب الرئيس المنتخب! ولايخفى على المراقبين وكل من له عينين في رأسه أن هؤلاء المشاغبين مثيري الفتن لن يتمكنوا، على الأقل في القريب العاجل، من منافسة الأخوان بالطرق الشرعية لهشاشة أحزابهم وتجمعاتهم، ولذلك يرفعون شعار اللآت بالكوم: لا للدستور لا لتعيين المدعي العام لا لحكومة الأخوان لا للرئيس المنتخب نفسه لا لإجراء انتخابات برلمانية جديدة وهكذا تقود بعض الفئات اليائسة أم الدنيا إلى مزالق الفوضى لا قدر الله ناسين أو متناسين ما حدث للجزائريين من ضراب ودماء ودمار عقب منع أصحاب الحق من إدارة دفة البلاد بموجب نتائج الاقتراع.