:: قبل ثلاث سنوات، عندما وزعت شركة الأقطان مبيدها الفاسد لمزارعي مشروع الجزيرة، وطالبت الصحف الحكومة بمحاكمة المفسدين، كتبت ما يلي بالنص: (عباس الترابي)، يرأس مجلس إدارة الشركة التي استجلبت هذا المبيد، ويرأس اتحاد المزارعين الذين تضرروا من هذا المبيد، وكذلك عضو نافذ في مجلس إدارة المشروع التي وزعت هذا المبيد، ثم عضو نافذ في مجلس تشريعي الولاية، التي تضرر زرّاعها من آثار هذا المبيد، وكذلك يشغل منصب أمين أمانة الزراعة بالحزب الحاكم، المنوط به محاسبة الجهاز التنفيذي على جريمة هذا المبيد. كل هذه المؤسسات - التشريعية والرقابية والتنفيذية والحزبية - مختزلة في شخص اسمه (عباس الترابي).. هكذا المؤسسية في بلادي، ولذلك نسأل الذين يطالبون الحكومة بمحاكمة المفسدين: (من يحاسب من؟)!!. :: واليوم - أي بعد ثلاث سنوات من قضية المبيد الفاسد - ينتج مشروع الجزيرة طامة أخرى، وهي المسماة بقضية (تقاوي القمح الفاسدة).. تقاوي القمح لم تنبت بمشروع الجزيرة، ولا يزال عباس الترابي - رجل المناصب التشريعية والرقابية والتنفيذية والحزبية - يتحدث من موقع القيادة الفاشلة بالنص: (نلتزم باستبدال التقاوي الفاسدة بأخرى صالحة)، هكذا يلتزم بعد أن كشفت الأرض ضعف النمو لسوء التقاوي، وبعد أن أهدرت سلطات البلد أموال الناس في تلك التقاوي.. (خلاص حصل خير، حنجيب غيرها)، لسان حال عباس الترابي.. قالها، وكأن الموسم ينتظر وعده أو كأن سيادته ليس بمسؤول - مع آخرين - عن أموال الناس المهدرة في جلب وزرع وسقي بذور لم تنبت زرعاً ولن تثمر (سنابل)!!. :: المهم، رحلة التقاوي الفاسدة.. في موسم 2005، وفي إطار اتفاق التعاون بين الوزارتيْن، قدمت وزارة الزراعة التركية للوزارة السودانية منحة قدرها (3000 طن تقاوي قمح محسنة).. وبعد اختبارها، أجازت البحوث الزراعية من أصناف المنحة التركية صنفين: (إمام و نبتة)، وتم زرعهما و(نجح الموسم).. ومنذ موسم 2005، توالى استيراد تقاوي الصنفين - إمام ونبتة - من هيئة إنتاج التقاوي التابعة لوزراة الزراعة التركية، وظلت تجتاز الاختبار، وتحقق النجاح المطلوب بالجزيرة وحلفا والشمالية والنيل الأبيض وغيرها.. وفي موسم 2012، كالعادة حدث العجز في تقاوي القمح، فتم استيراد ذات التقاوي التركية بواسطة البنك الزراعي (8.300 طن)، بقيمة قدرها (5.000.000 دولار)، ولكن بعد (فوات الآوان)!!. :: أي، كما تفاجأت وزارة الزراعة بموسم القمح، تلكأت وزارة المالية أيضاً في إجراءات سداد تلك القيمة، ولذلك حضرت التقاوي ولم تجد الموسم.. وقت الزرع لا ينتظر الكسالى و(العاجزين عن التخطيط).. وتم تخزين تلك التقاوي - بواسطة البنك الزراعي - بمخازن الجزيرة وحلفا وغيرها من المشاريع، لحين هذا الموسم (2013)، إذ صلاحيتها حتى موسم (2015).. ولكن في مايو الفائت، فاحت رائحة فساد تقاوي مخازن الجزيرة، وتم التأكد من فسادها بواسطة لجان فنية، والوزارة تعلم ذلك، وكذلك إدرة مشروع الجزيرة، ثم البنك الزراعي، و(عباس الترابي أيضاً).. ومع ذلك، بعلم وإشراف سلطات الوزارة والإدارة والبنك وعباس الترابي، تم توزيع التقاوي المؤكد فسادها للمزارعين بالجزيرة، وكان طبيعياً ألا تنبت الأرض هناك غير (العدم).. وبعد كل هذا القبح المسمى هنا بالتخطيط والتنفيذ، يخرج أحدهم مخاطباً الناس والبلد بمنتهى البساطة والبراءة: (حصل خير، ح نجيب غيرها)!!.