* تحدثنا من قبل كثيراً عن كيفية الخروج بالأغنية السودانية من نفق المحلية والتحليق في فضاءات الإقليمية والعالمية، وقللنا من قيمة الحديث المتكرر عن محاربة الإعلام العربي للغناء السوداني لأن الأمر لا يعدو سوى أن يكون مجرد أوهام انتفخت بالوناتها وكبرت مع مرور السنين حتى بات البعض منا يحسبها واقعاً ويتعامل على أساسها، فالفضائيات أضحت مشاريع تجارية استثمارية في المقام الأول وتلاشت فكرة الأجندات والإقصاء للغناء السوداني على حساب المصري والخليجي واللبناني.. القصة باتت تحركها الآن رؤوس أموال عينها على (الإعلان) وكثافة الرسائل القصيرة (sms) وتسابق الشباب للمشاركة في شريط (الشات) أسفل الشاشة وكل عمل يحقق مشاهدة عالية ويجذب المعلنين والشباب فإنهم لن يتوانوا لحظة في بثه بل وإنتاجه إذا لزم الأمر..!! * مشكلة محلية الأغنية السودانية تتلخص في محدودية سقف طموح الفنانين السودانيين الذين لاهم لهم سوى تحقيق الشهرة داخلياً، وانعدام الجرأة وتهيب الإقتحام وانتظار القنوات الفضائية حتى تأتي وفودها لتطرق أبواب منازل الفنانين، فالحديث عن تميز الفن السوداني وثرائنا الموسيقي وتراثنا المتنوع ومخزوننا النغمي الكبير تسبب في إصابتنا ب(تضخم زائد) وجعلنا نخلف رجلاًً على رجل وننتظر يوم الفتح العظيم الذي لم يأت ولن يأتي ما لم نسعَ جادِين لتقديم أنفسنا للعالم. * سؤال انهزامي جداًً يطرحه بسذاجة بعض فنانينا عن سر احتفاء صحافتنا بأصالة نصري وكاظم الساهر وإيهاب توفيق وشيرين وهاني شاكر ومحمد منير عندما يزورن الخرطوم بينما تتجاهل الصحافة العربية في كل الأقطار الفنانين السودانيين ولا تمنح زيارتهم أدنى مساحة اهتمام ( وكأنما تلك هي القضية)..!! * وعن سر احتفاء الصحافة الفنية بالسودان بنجوم الفن العربي إبان فترة زياراتهم للخرطوم التى طال انتظارها لهم في ظل تزمت غير مبرر، فإن الكل يعلم أننا نحتفي بنجوم (إقليميين) لا (قطريين) والفرق بين النجم الإقليمي والقُطري أن الأول له جمهوره في بيروت ودمشق والقاهرة ومراكش والخرطوم، بينما النجم القطري لا تتعدى معرفة الناس به وحفظها لأغنياته حدود بلده ..وكثير من الفنانين (المغاربة) لو زاروا السودان من (نجوم المغرب القطريين) لن تفرد لهم الصحافة مساحة اهتمام واسعة لأنها لا تعرفهم ولا تملك معلومات عنهم، ولكن عندما تزور سميرة سعيد الخرطوم أو غيرها من العواصم فإن الاحتفاء بها لا يتم بوصفها (مطربة مغربية) فقط بل لأنها (فنانة إقليمية)..!! * لا يمكن لأكثر الناس سذاجة مطالبة العواصم العربية بالاحتفاء بفنانين سودانيين لا تتعدى شهرتهم المحيط الداخلي، ولكن يمكن أن تحتفي تشاد أو نيجيريا أو حتى إثيوبيا في أحسن الأحوال أو غيرها من الدول الإفريقية بفنان سوداني لأنها تعرف اسمه ورصيده من الأعمال ووصلها صوته وسكنت نبراته طبلة أذنها، لذا فإن المهم حقاً أن نجتهد في تقديم فنانينا وأن يجتهد معنا أولئك الفنانون في تقديم أنفسهم وتعريف العالم العربي بهم ليتطور الأمر رويداً رويداً حتى يصبحوا نجوما إقليميين، وحينها ستتسابق إليهم وسائل الإعلام العربي ولن نحتاج استجداء عطف القنوات الفضائية حتى نحتفي بهم ونصنع لهم (ضجة وضجيجاً)..!! * عدم الاحتفاء والاهتمام بفنان عربي إقليمي يزور السودان يمثل إخفاقاً صحافياً تحاسب عليه ضوابط المهنة، وعليكم أن تعرفوا حقيقة أن الشباب السوداني ليس بمعزول عن الغناء العربي والغربي لذا فإنك تجده يهتم بكاظم الساهر وإيهاب توفيق وديانا حداد وشيرين وتامر حسني وجنات والجسمي وغيرهم من الفنانين العرب أكثر من اهتمامه بالفنانين السودانيين وذاك أمر مفروغ منه ولا يمكن أن تضرب سياجاً من العُزلة في عالم كبسولة، كما أن من حق الشباب السوداني الاستماع لنجوى كرم وهاني شاكر مثلما استمع الجيل السابق إلى أم كلثوم وفيروز ووديع الصافي وصباح فخري وعبد الحليم حافظ وذلك لأن لكل جيل أصواته الفنية العربية وحناجره التي تعبر عن آماله وآلامه وأفكاره والزمن الذي يعيشه لا الذي مضى منذ سنين طويلة، وإن كانت المقارنة معدومة بين (جيل الزمن الجميل) ونجوم الفن العربي الحاليين إلا أن سنة الحياة أن تتجدد الأعمال والآمال وتتواصل الأجيال..!! نفس أخير * ولنردد خلف لطيفة : الحقيقة ساعات بتجرح ..بس اريح... وانت لو ريحت قلبى بتستريح..!