محاسن أحمد عبد الله تعرفت عليه في أحد منحنيات الحياة الصعبة بعد أن ملطشته الدنيا وصفعته من كل الاتجاهات ولم يتبقَّ في وجهه مزعة لحم يخاف عليها من الصفع بعد أن مات إحساسه بالألم.. وقفت معه في إحدى المحطات المجحفة التي سرقت أجمل وأنضر سنوات عمره.. فوجدته شاردا وساهيا في محطات المغادرة بعد أن ترك حقائب الارتحال المليئة بالأمل والعشم بجانب بحر اليأس, والأمواج الهائجة والهادرة تلقي عليه تحية المساء حزنا وتحية الصباح وجعا.. أمسكت بيديه وترجيته أن ينظر إلى عينيَّ المتعبتين ويدي المتعلقة بيده, لكنه رفض وأزاح وجهه جانبا مواجها حائط ذكرياته المميتة.. جثوت على قدمي وأنا أترجاه أن يمنحني بعض الاهتمام وأمنحه كل الثقة للإصغاء إليه.. ابتسم ابتسامة ساخرة وعينه مليئة بالدموع وهو يقول لي (أدركي نفسك أنت.. أما أنا فقد طلقت الحياة بملايين الطلقات وسيدون اسمي منذ الآن في دفاتر ذكريات من أحبوني فقط).. مسح على رأسي بحنان غريب تمنيته أن يطول ويطول بأن تظل يداه على رأسي ماسحة عليه حتى أنام وأستريح من جور وغدر الأيام.. أفقت فجأة من خيالي فوجدته قد ذهب وترك رياح التساؤلات تتقاذفني ذات اليمين مرارة وذات الشمال أوجاعا وأشجانا.. الآن فقط دونت ذكرياته على دفتري لأنني ضمن قائمة من أحبوه، ولكن بوفاء لأنه ليس من الجبناء. كل شخص منا في هذه الدنيا يمر بمنحنيات عجيبة وغريبة تكاد تجعله يمقت ويلعن اليوم الذي أطلّ فيه للحياة وأمد الله في عمره سنوات ليذوق منها الويل والشقاء بكل المكاييل.. نفرح كثيرا عندما تفرج لنا الدنيا أساريرها وهذا لدي فرح (نص كم) فيه الكثير من الحذر, خوفاً من أن تصيبني عاصفة الغدر فتجتاح سويعات الفرح التي تكون قد زارتني (غلطة) أو بمقصد ربما.. تلك اللحظات الجميلة التي تزورني تجعل من يحبونني يتحلقون حولي وهم يمنحنونني باقات الورود الملونة بالكذب والتملق وأخرى محملة بالصدق وكل هذا لا يهمني بقدر ما يهمني اجتماع الإخوان والأصدقاء في لحظات الحزن وهي اللحظات الحاسمة والحقيقية التي تغيب عنها الباقات المحشوة بالورود المصطنعة لتأتي قائمة شرف تحمل توقيعات من الاعتذارات والانكسارات وأخرى تغيب تماما عن المشهد وتبدأ رحلة البحث عن (فضولي). عدد من المحن والكواراث مرت بحياتي تعايشت معها وتجاوزتها وأخرى ضعفت أمامها ففشلت وانكسرت ورغم كل المحن والانكسارات انتصرت على الأصدقاء الأعداء بعد أن كشفت خبث نواياهم وتمدد مصالحهم الشخصية وأهميتها في حياتي دون أن أحس بذلك, لأنني أتعامل بنقاء ومحنة، غيري هي محنتي دون شكر أو ثناء لأنني أعرف الواجب أكثر من هؤلاء ( الجبناء) أصحاب المصالح والنفخة الكذابة وهم يرتدون أقنعة الزيف والخداع أينما صادفت الرياح مصالحهم لأنهم أغبياء لا يدرون تقلبات الحياة التي ستسقيهم من علقمها يوما ما ووقتها لن يجدوا سوى ما قدموا من أعمال تشبه نواياهم (المتعفة) ولن يجدوا من يطبل لهم غير الأوجاع التي ستقرع فوق رؤوسهم وتقصم قصورهم كما قصموا أحاسيس أنقياء منحوهم شرف الكلمة و(بياض النية).. ورغما عن ذلك لن أطلق الدنيا كما فعل صديقي. خارج النص.. رغم (العوارض) والنوايا السوداء سأجتاز محنتي وبعدها يبدأ الحديث المر بعد أن أكتب قائمة طويلة عريضة بأسماء من أسقطتهم من حياتي دون سترة وقائمة شرف أخرى بأسماء أصحاب (النوايا البيضاء) الذين تحزموا معي في محنتي دون رياء أو نفاق. بدون قيد: عزيزي.. عند المصالح تأتيك الكلاب مشتاقة.. أنا الآن استيقظت من ذاكرة خيالي المجنون ومزقت كل أوراق السذاجة.