قبل اسبوعين زرت أوسلو عاصمة النرويج ضمن وفد رسمي سوداني. وذلك في اطار التعاون ما بين الجهاز المركزي للاحصاء السوداني ونظيره النرويجي. تقدم النرويج للسودان دعماً فنياً مقدراً في مجالي الاحصاء وبناء القدرات وادارة مرفق البترول. ورشة العمل التي زرنا من أجلها النرويج حول الحسابات القومية كانت تتم داخل مباني الجهاز المركزي للإحصاء النرويجي. لهذا حرصت أثناء تواجدي هناك على متابعة سلوك وتصرفات موظفي الجهاز والإمكانات المتاحة لهم. النرويج التي يبلغ ناتجها المحلي الاجمالي 282 بليون دولار وبعدد سكان يبلغ 5.1 مليون نسمة فقط ونصيب الفرد من الناتج في السنة يبلغ 55000 دولار كعاشر دولة في العالم، كنت أتوقع أن أجد موظفيها في بحبوحة من العيش في مكاتب فخمة بتجهيزات غير عادية. الحقيقة التي وقفت عليها أن المكاتب عادية في تجهيزاتها. أكبر مكتب هو مكتب المدير العام وأبعاده 8 أمتار طولاً في 5 أمتار عرضاً لأن بداخله منضدة للاجتماعات، وهو الوحيد المزود بشاشة عريضة لمتابعة الأخبار. ليس للمدير سكرتارية أو مدير مكتب. بقية المكاتب صغيرة جداً كل موظف أو موظفين اثنين على الأكثر في المكتب. كل المكاتب حوائطها نصف زجاجية بحيث يُرى من بداخلها وهو منهمك في العمل على حاسوبه. يتكون مبنى الجهاز المركزي للإحصاء من طابق أرضي وأربعة أدوار علوية. بالأرضي استقبال المبنى، حيث يتعين على كل موظف تمرير بطاقة العمل التي تسجل توقيت حضوره حتى يتسنى له المرور عبر البوابة الالكترونية لداخل المبنى. يحوي الطابق الأرضي أيضاً على قاعة متوسطة الحجم بسعة 100 كرسي لورش العمل والسمنارات. كما يحوي على مكتبة تقليدية بها المراجع والكتب والخرائط والمجلات المتخصصة في الاقتصاد والإحصاء. وبالطابق الأرضي هذا مطعم بتجهيزات جيدة يتناول فيه الموظفون غداءهم على حسابهم الخاص حيث يمر الموظف حاملاً صينيته ليختار بنفسه ما يريد من أصناف الطعام المعروضة، وينتهي مروره بموقع الكاشير حيث يسدد القيمة. بقية طوابق المبنى متشابهة، ممرات طويلة على جانبيها المكاتب الصغيرة التي يُرى من بداخلها عبر الحوائط نصف الزجاجية، وينتهي كل ممر بحمامات نظيفة. عدد موظفي جهاز الإحصاء في هذا المبنى الرئيسي حوالي 165 موظفاً جميعهم من حاملي الدرجات فوق الجامعية، الرجال منهم يلبسون البنطلون مع القميص والجاكت وهم مثل الايرانيين لا يلبسون ربطة العنق ولم أعرف السر في هذا. السيدات والآنسات يلبسن ملابس ساترة ومحترمة جداً غير ضيقة أو ملتصقة بالجسم، ولا تبدو أي آثار للمكياج على وجوههن. طيلة أيام وجودنا داخل هذا المبنى لم أسمع نغمة للهاتف الجوال، لا أدري هل ممنوع استعماله بالتعليمات أم هو الاحترام للموقع والعمل. طلبنا ترتيب موعد لجزء من وفدنا لزيارة وزارة المالية التي تبعد حوالي كيلومترات ثلاثة من مكاتب جهاز الإحصاء، في الموعد المحدد للتحرك خرجنا لنجد عربة تاكسي في انتظارنا، سألنا مرافقنا ألن نذهب بعربة رسمية؟ قال: ليس لدينا عربة حكومية. العربات الحكومية قاصرة على عربات الشرطة والإسعاف، ثم عدد محدود من العربات لدى التشريفات الملكية لزوار مملكة النرويج من رؤساء الدول الأخرى. في رحلتي الذهاب والعودة من وزارة المالية قام مرافقنا بسداد الأجرة للسائق باستخدام بطاقته المصرفية (النقود الورقية والمعدنية محدودة جداً في التعامل) وتحصل من السائق على فاتورة مطبوعة من ماكينة السداد قال مرافقنا إنه باستخدام هذه الفاتورة سيُرد له ما دفعه. اتضح لنا لاحقاً أن كل الخدمات داخل المبنى من نظافة وصيانة وتأمين وخدمات ضيافة وعناية بالحدائق تقوم بها شركات متخصصة بنظام outsourcing . حري بنا أن نأخذ بهذه التجربة عندما نخطط للتقشف الحكومي وإصلاح الخدمة المدنية في بلادنا. والله الموفق. د/ عادل عبد العزيز الفكي هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته