:: التاريخ يرسم المشهد.. رجل أشعث أغبر يقف مع الناس ويترقب معهم الإعلان عن خليفة المسلمين ليبايعه على السمع والطمع، وإذ بالمعلن يعلن اسمه خليفة للمسلمين، حسب وصية الخليفة السابق.. فيرتعد الرجل ويرتجف ثم يجهش بالبكاء وينهار من هول الاختيار الذي لم يسع إليه ولم يتمناه يوماً، فأوقفوه ليخاطب رعيته وعجز عن الخطابة وهو المشهود له بالبلاغة .. ثم يجمع أنفاسه، ويخاطب الرعية بحزن: (بيعتكم بأعناقكم، لا أريد خلافتكم)، هكذا رفض عمر بن عبد العزيز الخلافة.. ولكن أصوات الحشد المسلم تعلو: (لا نريد إلا أنت)، فيبكي وكل من بالمسجد يتأوه، ويصف رجاء بن حيوة المشهد قائلاً : (نظرت إلى جدران المسجد، هل تبكي معنا؟).. ولهذا، كان – ولا يزال - عدل عمر بن عبد العزيز يُدهش الناس والحياة.! :: وهذا بكاء وانهيار، ولكن من نوع آخر، يرسمه مراسل الانتباهة بالشمالية .. صباح الإثنين الفائت، بكلية الشريعة والقانون بجامعة دنقلا، تعلن لجنة الانتخابات عن نتائج انتخابات اتحاد الطلاب بالكلية بفوز طلاب التحالف الوطني الذي يضم كل القوى السياسية ما عدا المؤتمر الوطني، ويتفاجأ طلاب الوطني بهذا الفوز ثم يجهشون بالبكاء، ثم ينهارون ويدخلون في عوالم الهستيريا والإغماء، ويتم نقلهم إلى مستشفى رومي البكري .. أكثر من (55 طالبا وطالبة)، حسب رصد وإحصاء الانتباهة، ينتمون إلى الطلاب الإسلاميين، عندما خسرت قائمتهم مقاعد السلطة في انتخابات اتحادهم، انهاروا - لحد إسعافهم - بعد أن أجهشوا بالبكاء.! :: وبولاية الجزيرة، هذا النوع من البكاء أيضاً، بكاء العابد للسلطة وليس بكاء ابن عبد العزيز الرافض للسلطة. يصدر محمد يوسف الوالي المكلف بالجزيرة يوم الإثنين الفائت قراراً بإعفاء وزراء حكومة الوالي السابق الزبير بشير، فيحزن وزير المالية السابق صديق الطيب، ثم يدخل في (نوبة بكاء)، ويغادر موقع اجتماع المكتب القيادي حزيناً ودامعاً، هكذا الخبر ولم يُسهب بحيث يقول: (انهار أم لا؟).. لماذا يبكون، طلاباً بتلك الكلية كانوا أم وزيراً سابقاً بمالية ولاية الجزيرة؟.. لماذا؟.. ابن عبد العزيز بكى توجساً من (أثقال الأمانة)، فما الذي يبكي هؤلاء وهم يبعدون من (أثقال الأمانة).؟. أو ليست هي أمانة، أو كما يسمونها في خطبهم؟، فلماذا البكاء إذن وقد أراحهم القدر من حمل تلك الأمانة؟.. حتماً، في ثنايا الإجابة تتجلى الفرق بين (الصدق) و (الزيف).! :: المهم، أي فلندع البكاء والانهيار من أثر فقدان السلطة، ونرجع لما حدث بكلية الشريعة بجامعة دنقلا. فالحدث، رغم صغر حجمه، جدير بالتأمل ..ماذا يعني - للإسلاميين - فقدانهم لثقة لطلاب كلية الشريعة؟. أكرر، فالكلية التي شهدت الحدث كلية شريعة - وليست فنون جميلة أو موسيقى ومسرح - ومع ذلك لم تفز قائمة طلاب الحركة الإسلامية، جناح المؤتمر الوطني. ما هي الرسالة المرسلة عبر هذه النتيجة- من قبل طلاب الشريعة والقانون - بكل وضوح لمن يحكمون بالشريعة، حسب أقوال الصحف والفضائيات؟. في الإجابة ما يستدعي (البكاء والانهيار)، ولكن أكثر القوم لا يتأملون.!