عادل عبد الرحمن عمر (1) عند بيعة النساء الشهيرة، خرجت امرأة عربية من تربة خصبة بالكبرياء والعمق، لتقول للنبي الكريم " صلى الله عليه وسلم " " أو تزني الحرّة ...!! " ولا أعتقد أنها تقصد معاني العبودية التي كانت سائدة في ذاك الزمان ... مع أن بعضاً من ثقافة ذاك المجتمع تعمّق مفاهيم العبودية، التي جاء الإسلام ليلغيها ويحرر تلك العقلية من قيدها الثقيل !!. وعند بيعة النساء المعروفة، جاءت تلك المرأة العربية التي تدرك أن الإنسان حين يمتلك الإرادة _ تماماً _ يتجاوز الكثير من الصغائر والشهوات ... تلك المرأة تستنكر الفعل الفاحش لامرأة تمتلك زمام أمرها ... كاملة الهوية والإرادة. هذه المقولة التاريخية من امرأة جاهلة بحرفية المعنى إلا أنها واسعة الإدراك والحكمة ... عزيزة النفس تملك كل مفاتيح تلك النفس الأمّارة بالسوء، ولا ترضى _ مطلقاً _ أن تسلب رغم تعقيد ذاك الفعل _ منذ ذاك المعنى البعيد ... الذي ذكرته امرأة لم يتدفق النور إلى قلبها ... وقيم الدين الجديد التي تحمل العدالة والشفافية والقدرة وكامل الإرادة تترسخ في روحها ... أدركنا الكثير من معاني الحرية التي تعلو _ تماماً _ الاعتقاد نفسه، حيث نجد في القرآن أن لا إكراه في الدين، أو هكذا تسقى معاني الحرية !!. (2) في أواسط السبعينات من القرن الماضي في جامعة الخرطوم العتيقة ... نهض وعي طلابي لا مثيل له، والذي يعرف الحركة الطلابية السودانية يدرك ذلك جيداً ... لا يفرق بين أهل اليمين أو أهل الشمال ... فالكل كان متفرداً في دعوته ... سابقاً لأقرانه ... مخلصاً في توجهه ... وبين تلك الثورة العارمة في الحركة " والفعل الثوري " برز شعار أساسي لتلك المرحلة " جامعة حرة أو لا جامعة " ... وبذل القائمون على أمر قيادة الطلاب في ذلك الزمان جهداً مثابراً في توعية الطلاب ... والمجتمع كذلك من حولهم. فالذي يريده الطلاب أن تكون الجامعة حرة الإرادة في الخيار ... بعيدة عن استقطاب الحكومة ومؤسساتها المختلفة ... تتفاعل فيها الأشياء لتنتج شيئاً خالصاً لإبداعات الطلاب، وفي اعتقادهم أن ذلك يحرك المجتمع للبحث عن الحلول لمشكلاتهم الكثيرة ... لأن اعتقادهم كان أن الطلاب يمثلون رأس الرمح في حركة المجتمع !!. هذا الشعار في ذاك الزمان البعيد أورث المشاركين في رفعه أو الدفاع عنه أو الشاهدين عليه روحاً أخرى، وقدرة متميزة على الاستقلالية، والروح المقاتلة من أجل حرية الإرادة التي بها يحيا الإنسان !!!. (3) الآن وبعد زمان بعيد تغير الحال، وباتت الإرادة معتقلة في حرز مكين !! خرجت علينا قنوات فضائية كثيرة منها ما أطلقت عليها اسم الحرة ... حيث اختير اسم يثير الشجون ويُطمع فيه أكثر ... خاصة في زماننا هذا، حيث استلبت الإرادة بأشكال مختلفة ... تارة بالتغيير نحو الحضارة، وتارة بالديمقراطية، وتارة بالمساهمة في القضاء على الإرهاب، وتارة أخرى بالبحث المثابر عن حق الإنسان !!. أتت " الحرة " الفضائية كما ظن البعض لتنتشل العالم العربي من وهدته وتخلفه ... وهويته ... ليرى العالم بمقلة أكثر ضياء، رغم أن الفقر، والموت يلف الأمكنة من كل الجهات !!. " الحرة " الفضائية برؤية هند بنت عتبة جاءت منقوصة الإرادة " حيث أنها تعمل لصالح جهة فترى ما تراه تلك الجهة " لذا فقدت أهم صفة " الحرة " تتكاثر عليها السهام، وبشكل مدروس. وماكينات طبع " الدولار " في بلادهم ... فماذا نعمل نحن ؟؟. سؤال يؤرقهم أكثر مما يؤرقنا ... فقط علينا أن نحفظ هويتنا، ونعمل على أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها !!. وبين اعتزاز هند بنت عتبة ... ودهشتها التاريخية ... واستنكارها ... نتماسك ... وبعد انتشار النور ... وامتلاك قدرة العلم ... نهزم " الحرة " التي انطلقت كاسية المقدرات وعارية الإرادة – تماماً - !!!. ( الحرة ) بعد تأمل ، وتمحيص ، وتأن ، وعراك ، وصراع مع المفاهيم ، تعني ( حرية الاختيار )