الإسلاميون .. البحث عن الخيط الاسود تقرير: ماهر أبوجوخ أكثر من 2200 كلمة هي حجم المذكرة التصحيحة التي نشرتها الزميلة (الانتباهة) في عددها الصادر أمس والتي ذكر أن قيادات إسلامية رفعتها، والتي عنونت لعدد من قيادات المؤتمر الوطني على رأسهم رئيس الجمهورية رئيس حزب المؤتمر الوطني المشير عمر حسن أحمد البشير والنائب الأول لرئيس الجمهورية ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني وأمير الحركة الإسلامية علي عثمان محمد طه وقيادات أخرى بحزب المؤتمر الوطني. ونشرت الصحف الصادرة أمس تصريحات وتعليقات من قيادات حزبية بالمؤتمر الوطني نفت فيها وجود مثل تلك المذكرة لعل أبرزها ما جاء على لسان نائب رئيس الحزب بولاية الخرطوم د.محمد مندور المهدي الذي نفي أي علم له بأية مذكرة لا على مستوى المؤتمر الوطني ولا على مستوى الحركة الإسلامية، معتبراً الحديث عنها محض "شائعات وأمانٍ" تصدر عن بعض الناس، ومضى لأكثر من ذلك حينما أشار لتقصيه حول الأمر "ولم يجد ما يثبت صدورها". تصادف في ذات اليوم نشر تصريحات لأمين أمانة الإعلام بحزب المؤتمر الوطني وعضو مكتبه القيادي البروفيسور إبراهيم غندور نفى فيها اطلاعه على تلك المذكرة منوهاً إلى أن المذكرة إذا صحت فهي "أمر طبيعي لإبداء الرأي والطريقة الصحيحة أن تعرض عبر المؤسسات" ، ولكن الجزئية التي استوقفت المراقبين قوله:"حسب معلوماتي أنهم يريدون عرضها عبر مؤسسات الحركة الإسلامية"، وهو ما جعل البعض يشير لوجود مثل تلك المذكرة. خطاب للقيادات العليا وجهت المذكرة ل(5) من القيادات العليا في الحكومة والحزب ممثلين في رئيس الجمهورية –الذي هو في ذات الوقت رئيس حزب المؤتمر الوطني- ونائبه الأول علي عثمان محمد طه –الذي هو في ذات الوقت نائب رئيس الحزب للشؤون التنفيذية بجانب شغله لمنصب أمير الحركة الإسلامية- ونائب الرئيس د.الحاج آدم ونائب رئيس الوطني لشؤون الحزب مساعد رئيس الجمهورية د.نافع علي نافع ورئيس البرلمان عضو المكتب القيادي ل(الوطني) أحمد إبراهيم الطاهر. بجانب الشخصيات السابقة فإن المذكرة عنونت لاثنين آخرين من القيادات الحزبية والسياسية هما مستشار رئيس الجمهورية رئيس الكتلة البرلمانية لنواب (الوطني) د.غازي صلاح الدين ومستشار رئيس الجمهورية البروفيسور إبراهيم أحمد عمر، ولعل سبب اختيار هذين الرجلين دون غيرهما هو المراهنة على ما يطرحونه من آراء يفهم منها تبنيهم للنقد الذاتي لتجربة حكم الإسلاميين دفعت إبراهيم أحمد عمر للمطالبة إبان المؤتمرات التنشيطية التي عقدها (الوطني) أواخر العام الماضي لإعفائه من منصبه كأمين للفكر في الحزب بسبب قصوره وهو سلوك تنظيمي حرك أشجان كثيرة في نفوس الإسلاميين السودانيين الذين كانوا يفتخرون بمسلكهم التنظيمي القائم على الشورى والشفافية. لا انشقاق نجد أن المذكرة الإصلاحية التي نشرتها الزميلة (الانتباهة) أمس طرحت ما اعتبرته سلبيات وإيجابيات ورؤيتها لكيفية معالجة الأوضاع الراهنة، لكن أهم الإشارات التي وردت فيها تأكيد كتابها بأنهم لا يسعون ل"شق صف أو تكوين جسم جديد" وأضافوا:"سنظل داخل البيت ننافح ونبشِّر بهذه الرؤية بكل الوسائل المشروعة وبكل قوة مهما كلفنا ذلك من زمن أو جهد عبر الطرق المشروعة حتى يستقيم الأمر وسنظل في حالة رباط دائم إلى حين تحقيقها"، وتتمثل النقطة الثانية في اعتبار معدي المذكرة أن إعلانهم لتنفيذ لبرنامجهم الإصلاحي سيتم عبر المؤتمر الوطني باعتباره الحزب الحاكم. هاتان النقطتان تعدان بمثابة تطمين لقيادة (الوطني) بأن المطالب المطروحة لا تهدف لانشقاق جديد في صفوف الحزب يعيد إليه شبح المفاصلة التي وقعت وسطه قبل أكثر من 10 أعوام التي أفضت لخروج أمينه العام السابق د.حسن الترابي وأنصاره وتكوينهم لحزب المؤتمر الشعبي في العام 2000م. النقطة الجدلية بغض النظر عن الأطروحات التي قدمتها المذكرة الإصلاحية فإن أبرز النقاط المتوقع أن تثير عاصفة من الجدل والنقاشات مع مجموعات من الإسلاميين القابعين على الرصيف والذين باتوا في زمرة المشاهدين خلال العقدين الماضيين هي أن التحرك العسكري الذي تم في يونيو 1989م "أمر مبرر وإيجابي" سيما أن البعض يعتبر ذلك التحرك قد قوض مؤسسية الحركة الإسلامية وهز مشروعها وأطروحاتها. الإيجابيات الستة اعتبرت المذكرة أن تجربة الإنقاذ لديها العديد من الإيجابيات والمكاسب أجملتها في الآتي (قيام الإنقاذ بالاستيلاء على السلطة في يونيو 1989م اجتهاد مبروك وحقق خيراً كثيراً، تقديم نماذج كثيرة من القيادات والقواعد في التجرد والتضحية التي كانت سبباً في صبر ووقوف الشعب السوداني ومساندته لبرنامج الإنقاذ في أحلك الظروف، النهضة الاقتصادية الكبيرة وإقامة مشروعات غير مسبوقة وتأسيس بنية تحتية في كافة المجالات، التصدي لمخطط السودان الجديد وإصابة آماله في اكتساح الشمال وتغيير هويته وتقديم تجربة جهادية مميزة، رفع قدرات البلاد العسكرية والصناعات الحربية، ووقف حرب الجنوب بمنحه حق تقرير المصير ليختار شعبه ما يريد رغم أن البعض يحاول جعل الأمر بمثابة سبة لقيادته لانقسام البلاد". الخطايا ال(11) تطرقت المذكرة للأخطاء التي وقعت فيها الحكومة والتي حصرتها في (11) نقطة كان بعضها تنظيمي (انقسام 1999 وما تبعه من أحداث، الأخطاء الجماعية والفردية والتعامل بروح الوصاية والإقصاء وعدم استصحاب الآخر خاصة في بداية الإنقاذ)، وأخرى ذات طابع سياسي وأمني (غلبة العقلية الأمنية في كثير من السنوات مما صور الدولة وكأنها بلا فكرة أو مشروع إنساني حضاري تقدمه للناس، ارتكاب أخطاء في قضية دارفور أفقدت البلاد الكثير حيث يمكن تفادي الأوضاع الراهنة، التناقض الذي لازم الخطاب والممارسة والذي صور الإسلاميين وكأنهم بلا برنامج ويهدفون للبقاء في السلطة فقط، الآثار الجانبية الناتجة عن ثورة التعليم العالي وظهور النعرات القبلية والجهوية). لم تخلُ السلبيات التي تطرقت لها المذكرة من الإشارة لقضايا مرتبطة بالجوانب الاقتصادية والتي تمثلت في (غياب معالجات لإفرازات سياسة التحرير الاقتصادي على الفقراء، عدم التعامل الحاسم مع تهم الفساد مما أضعف الإسلاميين أخلاقياً وفكرياً قبل أن يهزمهم سياسياً، والفشل في محاربة بعض الظواهر الموروثة كالمحسوبية والرشوة التي شوهت التجربة الإسلامية). خارطة الطريق قدمت المذكرة مقترحات مكونة من (11) بنداً عبر برنامج يتم تنفيذه عبر المؤتمر الوطني باعتباره الحزب الحاكم لتحقيق أمرين أولهما التحقق من شبهات الفساد وحسمها وثانيهما تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية الشاملة. تتلخص تلك المقترحات بشكل أساسي والتي بدت بمثابة (خارطة طريق) لتنفيذ عدد من الإصلاحات في (مواصلة برنامج الأسلمة وتطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمع دون تردد أو وَجَل ودعم العمل الدعوي بكل الوسائل وتشجيع الفضائل، وتشكيل آلية عدلية عبر القضاء تقوم بالنظر في قضايا الفساد، الاجتهاد في وضع برامج مكثفة فكرياً وتربوياً وسياسياً للقطاع الطلابي وقطاع الشباب لتقوية هذا الذراع المهم ولضمان المستقبل الذي تشير كل المؤشرات إلى انحيازه للصف الإسلامي، التنسيق مع الكيانات الإسلامية في الساحة وبناء جبهة أهل القبلة ودفع العمل المشترك الذي يدفع بالعمل الدعوي لترقية المجتمع ومحاربة العلمانية التي بدأت تطلُّ برأسها من جديد ولمحاربة كل القيم الهدامة لعقيدة الأمة وأخلاقها، تنشيط القوانين واللوائح الحكومية التي تمنع شاغلي المناصب الدستورية ورجالات الدولة من العمل التجاري، تقوية القضاء الإداري وتنشيط آلياته بتقوية الأجهزة العدلية في مواجهة أي تعسف أو ظلم يصيب متقلدي الوظائف العامة، محاربة المحسوبية و«الواسطة» حتى تختفى كظاهرة مؤرِّقة وموروثة، وتقوية الشعور العام ورفع الحس تجاه قضايا التعدي على المال العام واستغلال المرافق وممتلكات الدولة). من بين المقترحات التي طرحتها المذكرة أيضاً دعوتها لوضع لوائح تضمن عدم بقاء الأشخاص في المناصب العامة والتنظيمية لفترات طويلة بجانب استحداث مكتب (حسبة) داخل المكاتب التنظيمية بهدف ضبط العضوية والتحري حول أي شبهة ترد عن أي من العضوية قيادة وقاعدة وانتهاج مبدأ محاسبة قائم على القرآن مع نساء النبي بمضاعفة العقاب لهن بغرض تقديم النموذج ولاستقطاب كل مخلص وغيور. تحقيق التحول السياسي دعت المذكرة لإنجاح عملية التحول السياسي بهدف تقديم تجربة راشدة لإدارة الحكم في السودان واعتبار ما تم من قبضة في الفترات السابقة ظروف استثنائية أملتها ضرورات. واقترحت تحقيق ذلك التحول عبر 5 محاور وهي (العمل على وضع دستور دائم للبلاد يحظى باجماع القوى الرئيسية في البلاد، تنفيذ خطة تجعل الجهاز القضائي مؤسسة مستقلة تماماً عن الجهاز التنفيذي، تحييد كل أجهزة الدولة التنفيذية وعدم اقحامها في الصراع السياسي بين الكيانات المختلفة والاستعداد لكسب أو خسارة أي انتخابات قادمة والنزال عبر وسائل التنافس السياسي الحر فلسنا في حاجة لأي آليات استثنائية لتبقينا في السلطة، فك الارتباط العضوي بين أجهزة المؤتمر الوطني وأجهزة الدولة مالياً وإدارياً وتقوية العمل الحزبي لامتصاص القبليات والجهويات). ... ويبدو أن شتاء الخرطوم البارد خلال هذه الأيام سيزداد سخونة في أعقاب هذه المذكرة الإصلاحية والتي ستكون بمثابة حجر في بركة مياه (الإسلاميين) الساكنة ...