*يبدو أنه لا مفر من الكلام في السياسة التي كرهناها، لأن ثمارها للأسف مازالت سلبية، ليس في بلادنا فقط وإنما في كل العالم الذي ما زال تحت النمو، لأن الذين لديهم نضج سياسي تجازوا مرحلة الصراعات الفوقية حول السلطة والثروة بلا منهج ولا برنامج، وانتقلوا عملياً إلى حالة الاستقرار السياسي، بعد الاتفاق على أجندة قومية، تحكم مجمل السياسات الداخلية والخارجية، تتنافس عليها الأحزاب السياسية التي لاتتعدى الحزبين أو الثلاثة، بدلاً من المولد الحزبي الذي ننعم فيه بأكثر من ثمانين حزباً بلا "حمص" منهجي ولا برامجي. *نقول هذا ونحن نتحسر على ما آلت إليه الأوضاع في العالم العربي بعد ما سمي بالربيع العربي، ليس بسبب عودة الديمقراطية كما يدعي البعض، وإنما بسبب غياب الوعي والنضج السياسي في ظل سيادة العشائرية والقبلية، وضعف الحراك السياسي القائم على برامج وخطط سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، حتى العدوان الإسرائيلي الذي جرى على الشعب الفلسطيني في غزة، إنما تسلل بخبث نتيجة استمرار الاختلالات السياسية وسط الفصائل الفلسطينية التي لم نكد نفرح بتوافقها، حتى جاء العدوان الإسرائيلي ليعزف على دماء الفلسطينيين وسط أنغام خلافات المتوافقين أنفسهم. *لا نريد أن نذهب بعيداً عن حالنا الذي يعج بالاختلالات التي تكشفها أخبار الصحف كل يوم، من إنفلات في الأسعار بلا هوادة ولا رحمة ولا سقف معلوم، ومواقف سياسية ضبابية أقرب للمناورات الحزبية، لذلك لم نفرح كثيراً بعودة حركة الإصلاح الآن إلى طاولة الحوار، في ظل غياب الأحزاب السياسية المعارضة وحملة السلاح من دارفور ومن الحركة الشعبية الشمالية. *لا نقول ذلك من باب التخذيل، وإنما من باب الحرص على قيام الحوار السوداني الجامع كما أريد له أن يكون، لهذا فإننا نحرض المتحفظين وحملة السلاح للانخراط في عملية الحوار، كما نحرض الحكومة على اتخاذ المزيد من خطوات بناء الثقة لإقناعهم بذلك. *إن الاصطفاف الحزبي في ظل غياب الآخرين لن يجدي في معالجة الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية(مسألة الهوية)، ونرى أن يتم استعجال الملتقى الاقتصادي بمشاركة الجميع للاتفاق على سياسات اقتصادية تحد من الآثار المدمرة لسياسة التحرير الاقتصادي التي طبقت بطريقة ارتجالية دون مراعاة لموجبات العدالة الاقتصادية والاجتماعية والكرامة الإنسانية. *ليس من مصلحة أي طرف من الأطراف، خاصة حزب المؤتمر الوطني الذي يستند إلى قوة الأمر الواقع، سد منافذ الحوار أو محاولة عزل الآخر المعارض، وليس من مصلحة أي طرف من الأطراف استمرار النزاعات المسلحة لأنها تهدد الإستقرار وتفاقم الأزمة الاقتصادية، لذلك لابد من التنادي المخلص إلى مائدة الحوار للبناء على ماتم من اتفاقات، والعمل على بلورة رؤية استراتيجية قومية متفق عليها، توقف نزف الدم السوداني، وتمهد الطريق للتداول السلمي للسلطة، عبر مرحلة انتقالية متفق عليها بمهام محددة وفترة زمنية محدودة يتم فيها إجراء انتخابات لقيام جمعية تأسيسية تمثل أهل السودان، وتجيز الدستور، وتتراضى على فتح الطريق أمام التداول السلمي للسلطة ديمقراطياً على هدي الأجندة السودانية القومية المستمدة من مخرجات الحوار السوداني الجامع. *رمضان كريم