لاشك أن الكثيرين مندهشون مما تسطره قلة قليلة من الكتاب العرب تجاه فلسطين اثناء الهجوم الاسرائيلي الاجرامي الهمجي على غزة, او بالاحرى اثناء تصعيد العدوان الذي بدأ في حقيقته قبل اعلان قيام هذا الكيان المغتصب وظل مستمرا طيلة العقود الماضية بأشكال مختلفة افظعها مثل ما يجري هذه الايام. وحالة الاندهاش لما يكتبه اولئك جعلت كاتبا يحلل هذه الظاهرة ويكتب مقالا بعنوان "العرب المتصهينين" تناول فيه لقاءات تمت في اوربا ضمت عربا ويهود كانت هذه الاقلام من نتائجها او من ثمراتها! وان كنا نستبعد تماما أن يكون من بين "اولئك المتصهينين" اي من كتاب بلادنا الا أن المفارقة التي تلفت الانتباه هي ربط البعض ما يجري في غزة والمواقف منها بما يجري في دارفور بل محاولة خلط الامور بطريقة يتحير امامها ابرع محلل! بعض الكتابات توحي اليك وكأن السودان قرر سحب قواته التي تعمل علي حفظ الامن وبسط الاستقرار والسلام من دارفور ووجهها الى غزة.. وكتابات اخرى توحي اليك بأن الحكومة تركت كل قضاياها الداخلية وعلقت كل اعمالها من اجل غزة, وان كانت غزة تستحق كل ذلك.. صحيح من حق اي كاتب انتقاد الحكومة وسياسات الحكومة ولكن هذا الحق لا يبرر بناء النقد على خيال وتخيلات وذكر امور هي ليست على ارض الواقع و تقود إلى الباس الحق بالباطل والباطل بالحق!.. الغريب والمثير للتساؤل أن ربط قضية غزة بما يجري في دارفور تعدى الحدود.. فأغرب واسوأ ما قيل في هذا الصدد جاء بقلم كاتب كويتي يدعى عبد الله الهدلق وهو متخصص على ما يبدو في الاساءة لفلسطين او على وجه الدقة ل(حماس) اساءات تعبر عن حالة نفسية معقدة تجاه المقاومة الفلسطينية واذا كانت لذاك الكاتب اسباب في الاساءة للمقاومة الفلسطينية, فلا نرى اي مبرر له للزج بدارفور وامتداح الدور الاسرائيلي تجاهها! واذا قرأ هذا الكاتب الكويتي التاريخ لعلم أن طبيعة مشكلات دارفور التي تكمن اسبابها الاساسية في حركة القبائل بين الرعي والزراعة -والتي يضخمها عملاء اسرائيل– بدأت قبل قيام هذا الكيان الصهيوني. نقول من المحزن أن نرى بعض الاقلام العربية تحاول تثبيط الهمة لحملات الدعم المؤازرة والتأييد للمقاومة في وقت يتضامن معها العالم كله حتى في امريكا واوربا. واذا كان الصهاينة نجحوا في هز قناعات البعض حول عروبة واسلامية قضية غزة كما عبر عن ذلك الشاعر المقدسي في بيت ضمن قصيدة نشرها اخيرا في جريدة عرب تايمز فقال: الكل قدم لليهود ولاءه ما عاد لا عرب ولا اسلام نقول إن قضية فلسطين اشمل من كونها قضية عروبة واسلام فهي مع اهمية ذلك اصبحت قضية حقوق انسان وقانون دولي – خاصة وان البعض اصبح يتخذ من هذه المواثيق عقيدة له! قراءة التاريخ توضح أن قضية فلسطين هي قضية قانون دولي في المقام الاول.. فقد رفضت دول مجلس الامن قبول اسرائيل في الاممالمتحدة عندما تقدمت بطلبها لانها لا تستوفي شروط الدولة, ولكن بعد اساليب واحابيل, قبلت بشرطين وقعت عليهما وهما الاعتراف بالجزء الفلسطيني واعادة اللاجئين وتعويضهم.. ولكن متى يكون لليهود الصهاينة عهد. فبعد انتزاع موقع وسط الدول في المنظمة الدولية كتبت إلى اللجنة المختصة بأمر فلسطين "إن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء وان عودة اللاجئين العرب إلى اماكنهم السابقة شيء مستحيل". الكيان الصهيوني خارج على القانون الدولي وينتهك بصورة سافرة حقوق الانسان -منذ أن رفض عودة اللاجئين- ولو كان هناك قانون دولي حقيقي يسود العالم لشطب هذا الكيان من المنظمة الدولية.. لذا فليس من المستغرب أن نرى مواقف ضده في كل العالم امريكا اللاتينية وآسيا وحتى اوربا, بل اننا نلحظ الخجل والربكة في كثير من تصريحات المسئولين الامريكان امام عدم شرعية هذا الكيان وما يرتكبه من فظائع. يندهش المرء عندما يرى بعض الكتاب يتناسون هذه الحقائق ويتغافلون عن الحقوق ويتخذون مواقفهم من منطلقات شخصية ككرهم ل(حماس) او الاخوان المسلمين! ويبقى العزاء في أن امر قضية فلسطين امر محسوم على مستوى الشعوب العربية والاسلامية بل انه تمدد ليشمل شعوب العالم اجمع فيوما بعد يوم تتضح حقيقة هذا الكيان الذي قام على دماء الابرياء ونما على حقوقهم وممتلكاتهم.. إن مصير هذا الكيان إلى زوال لان ما قام على باطل فهو -وان طال امده- باطل, وكان بن جوريون مؤسس هذا الكيان يشعر بذلك فقد قال "إن بداية زوال اسرائيل تكون مع اول حرب تخسرها مع العرب". ولعل جهد المقاومة الفلسطينية بدأ يضع لبنة هذه الحرب. لذا فهي تواجه هذه الحملة الضارية الشرسة والتي اصبح -للاسف- يستخدم فيها بني جلدتهم علي عبد الكريم.