*عندما كنت باحثاً إجتماعياً بمصلحة السجون أتيحت لي فرصة العمل في دارفور التي كانت آمنة تحتضن كل مكونات أهلها في تعايش وسلام، كما تجولت في مهمة رسمية على كل ربوع كردفان الغرة أنا والباحث الإجتماعي عبد الله عبد العزير عليه رحمة الله . *بدأت جولتنا من أم روابة ثم عرجنا إلى سودري والمزروب وبارا إلى أن وصلنا جبال النوبة وقتها كانت آمنة أيضاً، زرنا كادقلي والدلنج ورشاد التي لو لم تستعجلنا رئاسة مصلحة السجون بالخرطوم للعودة لما عدنا إلى"الطاحونة البشرية" . * ضمن جولتنا في هذه المهمة الرسمية زرنا الفولة والتقينا بالناظر بابو نمر والناظر عزالدين حميدة، لم نكن نعرف في ذلك الوقت من المسيرية سوى المسيرية الزرق والمسيرية الحمر ، دون أن نتوقف عند سر هذه التسمية، فلم تكن هناك نزاعات تذكر ، وحتى عندما تحدث فإنها تكون محدودة وتتم معالجتها بواسطة حكماء الإدارة الأهلية والجودية والتسويات والديات والتعويضات التي تتم بهدوء لحقن الدماء. *نقول هذا بمناسبة انتشار النزاعات القبلية التي أججتها الصراعات السياسية بتصنيفات إثنية لم تكن موجودة في ذلك الزمان، فاقمتها أيضاً الأطماع المستحدثة في السلطة والثروة، التي أصبحت مبرراً لحمل السلاح للوصول لهذه الحقوق بالقوة المسلحة. *للأسف تحولت النزاعات القبلية المسيسة إلى نزاعات قبلية داخل بطون القبيلة الواحدة ، في ظل تغييب دور الزعامات الأهلية، والتدخل الفوقي لإضعاف سلطات هذه الزعامات واستغلالها سياسياً وجعلها مطية لإدارة الحكم والكسب المادي والجاه. *النزاع الدموي الذي دار بين الزيود وأولاد عمران من أبناء المسيرية، يؤكد انفلات الأوضاع، في ظل ضعف دور زعماء القبائل من قادة الإدارة الأهلية، وللأسف انتشرت صور هذا النزاع الدموي بصورة بشعة على وسائط التواصل الإجتماعي. * أصبحت ظاهرة نشر مثل هذه الصور البشعة والموتى في أوضاع لا إنسانية ولا تراعي حرمة الموت متاحة في هذه الوسائط المفتوحة على مصراعيها لكل واردة وشاردة بلا ضابط ولا رابط ، الأمر الذي يسهم سلباً في تأجيج الفتن وإشعال نيرانها أكثر و أكثر. *مع دعوتنا للمسؤولين ، وغير المسؤولين أيضاً، عدم نشر مثل هذه الصور التي تؤجج الفتن القبلية، والإلتزام بالمعايير الإنسانية و الدينية والأخلاقية والمهنية، ندعو في نفس الوقت أولى الأمر وحكماء المسيرية الإسراع بمحاصرة هذه الفتنة وإطفاء نيرانها قبل أن تستفحل. *الدعوة الأهم نوجهها للذين يؤججون هذه الفتن سياسياً، ونقول لهم : اتقوا الله في أبناء السودان الذين يدفعون ثمن صراعاتكم الفوقية وأطماعكم الخاصة بلا طائل. هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته