كان شعارها الذي عبر حدودها، وألهم شعوبا التأسي والجسارة: "الشعب يريد إسقاط النظام". سقط نظام بن علي.. وسقطت أنظمة ثارت شعوبها، على جلاديها، ولا تزال النيران التي أشعل بها البوعزيزي، تونس، تتوقد تحت رماد الربيع العربي. هل انتحر ذياك الربيع الطلق، أم نحروه؟ ذلك سؤال، سيتردد كثيرا، والتاريخ ذلك القديم المتجدد، سيفتح له صفحات وصفحات، وينفتح على كم هائل من الإجابات. ما هو مهم، أن وطن "الشعب يريد إسقاط النظام" عاش ربيعه، وتفتحت فيه كل أزاهير التداول السلمي للسلطة، بشكل غريب، ومدهش، وفتان. هذا ما تقول به الانتخابات التشريعية، التي خسرت فيها النهضة، قبل فترة، وأسرع زعيمها راشد الغنوشي- مع إعلان النتائج رسميا - يزجي التهاني لحركة "نداء تونس" الفائزة. كان ذلك فهما واعيا وشريفا، للعبة التداول السلمي، من الرجل الملتحي، الذي كانت حركته حاكمة، وكانت تريد استمرارها في الحاكمية. الغنوشي، فعل ما فعل، وهو يرمي بعينيه، شرقاً، وهو يتفرس في ما يجري في ليبيا، من قتال وثأرات. كان لسان حاله يقول: إننا نربأ أن تنزلق تونس إلى ذات المصير.. الله- وحده- هو الذي يعطي الملك من يشاء، وينزعه ممن يشاء. أيضا، الانتخابات الرئاسية، بدورتيها، تقول إن تونس لا تزال في الربيع، ود.المرزوقي يبادر، مع إعلان خسارته للكرسي الرئاسي، يسرع يبارك الفوز لغريمه الباجي قائد السبسي. حركة تتقهقر، وحركة تتقدم.. رئيس يسقط، وزعيم حركة يعتلي الكرسي المهيب، وتلك هي الديمقراطية، بكل معانيها الراسخة والمنضبطة، وبكل تعاليها على المرارات، وإعلائها من شأن اللعبة، والوطن.. أولا! تونس بهذا الربيع الديمقراطي، قدمت أنموذجا فريدا لدول هذه المنطقة من العالم، عن كيفية التعاطي مع الحرية، واستحقاقاتها.. وكيفية التعاطي مع الديمقراطية، بكل أدبها وأدبياتها. ما هو مهم أيضا، أن "نهضتها" لم تسقط، وهي تقدم درسا في غاية الأهمية: من الحركات الإسلامية- في زمن التشدد والغلو هذا- ما يمكن بها لهذا العالم، أن يهزم كل تشدد ديني، وكل تطرف، وكل غلو. الفكرة: ها نحن، مع لعبة الديمقراطية، منتصرين ومهزومين، في الحالتين. الفكرة: لا تقمعوا، ولا تستأصلوا، ولا تكبتوا، ولا تطاردوا ولا تسجنوا ولا تعذبوا. فقط، افتحوا عقولكم وقلوبكم، ووسعوا من صدوركم، واستقيموا على مبدأ الشعب يريد هذا أو ذاك، وإذا الشعب يوما أرادنا فلا بد أن يستجيب القدر!