*يبدو أن الناس في شغل شاغل عن قضاياهم الذاتية باللهث خلف الحاجات الضرورية التي أصبح بعضها عصي المنال على شرائح كبيرة منهم، ربما لهذا السبب لم تصلني رسالة خاصة لكلام الناس السبت. *لذلك قررت العودة إلى المجموعة القصصية للكاتبة الروائية السودانجنوبية إستيلا قايتانو" العودة"، لأصحبكم لنقرأ معاً القصة القصيرة التي استمديت عنوان كلام اليوم منها،لأنها تعبر تعبيراً صادقاً عن الموت المجاني الذي راج وسط أبناء السودان فيما بينهم في السودان ودولة جنوب السودان. *أحسست وأنا أقرأ هذه القصة القصيرة أنها تجسد بعض ما يجري في الواقع وسط أبناء دارفور أنفسهم، وفي دولة جنوب السودان، بحيث لانكاد نفرق بين القاتل والقتيل أو الجاني والضحية. *اقرأوا معي هذه المقاطع من قصة "أقتل نفسي .. وأختفي" : أنا، وبالأحرى جثتي الملقاة وسط كومة من جثث أخرى ههههه .. أقول جثث أخرى، كأني لا أعرفهم، طبعاً أعرفهم جميعاً، هذا أخي وهذه أختي وفي حضنها صغيرها الذي لم يكمل رضاعته و... غيرهم الأشخاص الذين أعرفهم من الأهل والأحباب لأننا كنا نعيش سوياً. *في فقرة ثانية تقول "الجثة" :رأيت نفسي أقود جيشاً، كنا نحن الجيش والضحايا في آن، رأيت قاتلي وقاتل أخي وأختي وطفلها الرضيع وأبي الضرير وجارنا والتاجر الأجنبي، رأيت مدناً تتحول إلى ركام وأكوام من الجثث المتعفنة.. أراهم الآن بعيني المرتفعة عن الأرض، أما عيني الأخرى فكانت غارقة في بركة الدم الأحمر اللزج "كلنا" هنا مثقوبو الأجساد. *القصة المشحونة بالرمزية الواقعية تحكي بعض تداعيات ماحدث في دولة جنوب السودان بعد الفتنة القبلية التي حدثت وسط رفقاء السلاح، أبناء الحركة الواحدة، لأن تأريخ كتابة القصة في جوبا 3 مايو 2014، تستدرك "الجثة" قائلة : حفروا لنا قبراً واحداً، ساقونا إليه جميعاً. *في خواتيم قصتها القصيرة تقول إستيلا قايتانو على لسان بطلتها " الجثة" : حلق النسر بعيني الواحدة التي رأت كل شيء، كنت أحملق من عليائي على المشهد، فأصبت بالأسى، نسور تحوم في السماء، لهيب يحرق كل شيء. *أخيراً تنطق "الجثة" بلسان الحكمة وتعترف بالحقيقة المأساة : أراني بام عيني التي يأكلها النسر الآن، أقتل إخوتي دون رحمة، وأسرق أبي دون رهبة، وأبيد عشيرتي دون رجفة.. وأقتل نفسي .. وأختفي. كلام الناس السبت نورالدين مدني هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته