(عجوزٌ ضيعت في البحر إبرة) خيطُ الحكايةِ موصولٌ بتلك الإبرة، وإن السؤال عن متى؟ كيف؟ لماذا؟ غير ذي جدوى فما زال في الحياةِ متسعٌ للكثير من الدهشة، والخيباتُ لا تأتي فرادى، ولأن النفسُ البشرية أعمق من ذلك البحر، علينا أن لا نتساءل حيالها وما يمكن أن يصدر منها، فلكلٍ منا (طينتهُ) التي خلق منها ورحلة البحث عن (طينةٍ) تتآلف مع نفسك رحلةٌ مشوبة بالطمي والكثير من الانزلاقات، وقد تنتهي في كثيرٍ من الأحيان بالتحطم. حين ضاعت مني الإبرة شرعتُ أتأملُ في البحر، لأجد المدينة قد تسربت في دواخلي، وتسرب الحلمُ من بين أصابعي كالماء، ثم واتتني رغبة في الصراخ ولكن.. (أين صوتي؟) فطرف الحكايةِ موصولٌ بتلك الإبرة، فبكيت، وهكذا تعلمت قلوبنا الكلام. نظرتُ حولي أبحثُ عن زاويةٍ ألملمُ فيها شتات نفسي، وتذكرت أن البحر بلا زوايا، وبدوتُ كبقعةٍ غارقةٍ في العتمة وسط مهرجانٍ من الأضواء، ثم تناهى إلى سمعي أنين، أو بدا كأنهُ مخاض، ولم يدر بخلدي أن ثمة كائن يلفظُ أنفاسهُ الأخيرة، فأنا لم أسمع أنين الموت من قبل حتى أميزهُ من (أنين الحياة)، فهناك كائنات في هذا العالم (طينية) مثلنا أو تختلف عنا قليلاً تسمى بالعرف (إنسان) هذه الكائنات، ملقاةٌ على أرصفة الفقر وحاويات القمامة، أحياءٌ غير أموات، وحدها القبورُ تضمُ (الرفات)، وقد كانت هذه المرةُ الأولى التي أرى فيها رفات إنسان لم يفارق الحياة بعد، وعلى ذات الشاطئ ثمة رسامٌ من (طينة ما) توجه نحوي وقال بلا مقدمات: إن ملامحي جديرةٌ بالرسم، ولم يجد حرجًا في أن يقول: إن ذلك ليس لجمالٍ يذكر، بل لأن في عينيّ نظرةٌ حريٌ بالمرء أن يخرج ما فيها على لوحة! نظرتُ قبالة البحر ونفسي تحدثني إن كان هذا الرسام من (طينة) الكهنة والمشعوذين، نظرتُ إليهِ ثم قلت: لا، أما الذي في عينيّ فوطنٌ مشرد، وحالهُ كعجوزٍ ضيعت في البحر إبرة إيمان كمال الدين