على مثل عبدالله فلتبك البواكي لعناية وزير الداخلية وحكومة ولاية جنوب دارفور ليلة الثلاثاء الحادي والعشرين من ابريل 2015م ، كانت ليلة سوداء وحزينة مؤلمة قاسية على مدينة نيالا أبت يد الغدر والخيانة الآثمة إلا إن تمتد لتغتال عبدالله يونس عبدالله ليترك أهلها في ظلام حالك وقد كان قمراً كاملاً يوم إن قتلوه( وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر).كانت لحظة مرة كالحنظل عشناها كأسرة. قتل في خلسة ونذالة وجبن أمام منزله بحي المطار بعد إن أدى فريضة صلاة العشاء في جماعة. نحسبه قد مضى إلى ربه في جنات الخلد شهيداً يسوح في حواصل طير خضر. ولد الشهيد عبدالله بقرية دبس بالقرب من مدينة كاس بجنوب دارفور، نشأ وترعرع بين قريضة والجنينة والفاشر وكبم ونيالا وتخرج في الجامعة الإسلامية في كلية الآداب في العام 1978م ، امتهن التدريس لفترة وجيزة بمدارس الأحفاد الثانوية للبنات بأم درمان ثم ما إن لبث سافر إلى ليبيا مغترباً أمضى فيها ثلاث سنوات ثم آثر العودة إلى السودان شوقا وحنينا إلى الوطن فالتحق بوزارة المالية بدارفور في العام 1984م ومكث بالفاشر عاصمة إلاقليم وقتها، ثم انتقل إلى ولاية جنوب دارفور مع بداية تقسيم الإقليم إلى ثلاث ولايات واختار الإقامة بها وأحبها خاصة مدينة نيالا التي يحبها حب الهوى وإلى إن قتل فيها مظلوماً، إن الذين غدروا به ليس لهم في الدنيا سوى الخزى والندامة والخذلان وأن يلاقوا ربهم يوم يبعثون ملومين مقهورين ويساقون إلى جهنم وئس المصير وعزاؤنا ما شهدناه من حشود المشيعين والذين جاءوا إلى سرادق العزاء . لم يعرف عن عبدالله إلا الخصال الطيبة والجمال وروح الدعابة والفكاهة والمرح في غير إسراف، كان رقيقاً حلو الكلام يتدفق حناناً وحباً ، يتعامل مع الكبير والصغير وكل الأشخاص بأدب جم وتواضع مجاملاً متسامحاً تربطه علاقات طيبة وإنسانية مع زملائه وأهله وجيرانه وكل من يعرفه أو تربطه به صلة . كان رجلاً جميلاً عفيفاً أنيقاً في ملبسه طيباً في مأكله ومشربه جواداً كريماً يقذف للقريب الجواهر من الحديث والطيبات ويرسل للبعيد سحائب من المكارم والسجايا ، لا يعرف له أعداء ولا يضمر حقداً ولا خصومة لأحد ، يحاول بقدر ما يستطيع تجنب المشاكل و إرضاء كل من يقصده، يكن الاحترام والتقدير للجميع، كان ديدنه أن يحتفي بزملائه وأصدقائه وأي من أهله إذا ما حط به الرحال في نيالا كان بشوشاً ندى اليد يصفر وجهه حياء إذا لم يتمكن تحقيق مطلبك رقيق المشاعر لا يشبه إلا الماء الرقراق الذي يجري بين الأشجار والأجمات ويتدفق من قمم الجبال فينزل نقياً عذباً بارداً غير آسن سائغا طيباً للكريم واللئيم كان وفياً نادراً ما يخلف وعداً قطعه على نفسه ، يتمتع بالحيوية والحضور حقيقة إن الدنيا( طبعت على كدر ونحن نريدها صفوا من الأقدار والاكدار) على مثل عبدالله فلتبك البواكٍى . وبصفتي خالا لعبد الله قد تكون شهادتي مجروحة ولكن كان هذا ما عرفته مدينة نيالا وشهد به الناس يوم أن شيعته مواطنيها شيباً وشباباً من مختلف القطاعات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية و فئات المجتمع من مختلف القبائل والتجمعات فجعوا برحيله المر، كان استفتاءً حقيقيا على أن عبدالله كان إنساناً يحبه الناس ويحظى باحترامهم وان سفك دمه كان ظلما مهينا واستهتارا بكرامة الإنسان ورسالة واضحة من المجرمين لكل طيب وبريء ولكل صاحب مروة بأنهم سادرون في إزهاق الأرواح غير مبالين بصراخ الناس أو ما تفعله الدولة.لكن نقول إن مثل عبدالله الذي تربى على قيم العدل والقسط وكان صاحب إيمان راسخ بان الناس، كلهم لآدم وآدم من تراب فلن يفلت من قتلوه من العقابٍ . ماذا فعل عبدالله ليُغتال غدراً بدم بارد في جريمة بشعة مكتملة العناصر؟ ما تزال رائحته النتنة تزكم الأنوف وتلهب المشاعر؟ ماذا فعل لهؤلاء اللئام الأنذال ليقتلوه وهو ذاهب إلى سربه ليكون أمنا في بيته وكان يظن أنه المكان الآمن الوحيد في مدينة نيالا ؟ أجمع الذين تحدثوا في مراسم تأبينه ليست له عداوات مع أي شخص ولا يعرف له علاقات غير عادية ولا لقبيلته المعروفة في دار فور باعتدالها ووسطيتها وعلاقتها التاريخية المتجذرة مع كل القبائل ليست لها خلافات ولا ضالعة في أي من النزاعات التي تعيشها المنطقة وجنوب دارفور على وجه الخصوص، إذاً من قتلوه إنما أرادوا تصفيته والتخلص منه في جريمة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار . إن المجرمين والقتلة المأجورين الذين نفذوا هذه الجريمة القذرة التي لا تشبه أهل دارفور كانوا لا يدرون إن عبد الله يتعايش مع المرض لأكثر من تسعة أعوام يكاد يموت منه في كل ليلة وهو يدرك ذلك ويحمل روحه في راحتيه وصابر محتسب على كل ما أصابه ويعيش حياته بابتسامة عريضة ويقول دائما (وكل شئ بالقضاء والقدر... وكل مقدور ليس منه مفر.) أو إن القتلة كانوا يعلمون ذلك ولكن استعجلوا موته وضاقوا به ذرعا ولم يصبروا عليه، وحقيقة( لو صبر القاتل لمات المقتول) فباءوا بذنبه وذنوبهم (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء (43) ) صدق الله العظيم. نعم ستأتي اللحظة التي يماط فيها اللثام وتنقشع الحقيقة ويكشف هؤلاء المجرمون الذين استباحوا دارفور بجرائمهم القذرة خاصة مدينة نيالا التي سئم أهلها هذه الحالة واحتار الناس بأمرها .لكن إلى ذلك الحين نحيل هذا الموضوع إلى حكومة ولاية جنوب دارفور والى وزير الداخلية ونقول لهم نحن كأسرة وقبيلة نحتسب عبدالله شهيداً وسبق إن أعلنا أننا قدمناه مهرا للسلام ومنعا لسفك مزيدا من دماء الأبرياء عبدالله يونس لم يكن شخصا عاديا بوزارة مالية جنوب دارفور، قتل موظف رفيع المستوى في مثل حجمه بهذه الطريقة الاحترافية يعد امراً خطيرا، فالأمر يحتاج إلى تدخلكم سعادة الوزير لان الأبرياء كثر والمجرمين عندهم سماسرة وعرابون يستمتعون بقتل الضحايا اتخذوه مهنة وعملا واسترزاقا ، وعلى حكومة الولاية أن تقوم بواجبها نحو الإمساك بالمجرمين وتحقيق العدالة حتى لا ينجو بفعلتهم ويتمادوا في سفك مزيد من الدماء البريئة والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. د. مصطفى نجم البشاري