لا ينازعني في محبة ومودة الشيخ البروفيسير إبراهيم أحمد عمر إلا الخاصة من أهله وعشيرته وقلة من أحبابه ومريديه وعارفي فضله.. للبروف أبو إسماعيل في قلبي حب وود أشهد الله عليه.. ويقيني أن الشيخ الزاهد العابد يعلمه.. وما يؤكد لي هذه المشاعر الصادقة أني لم أفتقده في أفراحي وأتراحي.. لن أنسى ما حييت مواساته لي يوم غادرت العزيزة فاطمة عبد الله هذه الدنيا الفانية.. لم أستغرب حضوره لمنزلي بقرية الصالحة عامئذ.. جاءنا بصحبة زوجته المغفور لها أم إسماعيل يرافقه أبناؤه وبناته الذين أجد نفسي بينهم مقاسما إياهم حب والدهم ومودته.. ولن أنسى ما حييت سؤاله المستمر عن حالي وأحوالي حتى أطمئن أني قد تجاوزت المصيبة واستأنفت رحلة الحياة زادي في ذلك نصائحه وإرشاداته. أحببت الشيخ إبراهيم أحمد عمر منذ أول يوم استمعت فيه لفصول من سيرته العطرة كفاحا من الشيخ الرمز المغفور له يس عمر الإمام.. ومن يعرفون الشيخ يس يعرفون أنه ضنين بالثناء على الرجال.. تلهفت وتقت للقاء الشيخ إبراهيم.. وعندما التقيته أحببته أكثر مما كنت أحسب.. إنها مودة ومحبة أشهد الله عليها ثم الناس.. لا أبغي في هذا حظَّ دنيا قريباً ولا سفر قاصد.. ومن فضل الله علينا أن صلتنا بالشيخ لم تنقطع.. كثيرا ما نزوره لنمتع دواخلنا برؤيته والسلام عليه.. خواتيم الأسبوع الماضي أكرمنا الله بأداء صلاة المغرب في مصلى بمنزله يؤمه الناس الذين اعتادوا على هذا المكان الطيب.. غادرنا قبل أن يكمل نوافله.. قلت للأخ أسامة عبد الماجد مدير تحرير صحيفة (آخر لحظة) وقد صحبني لزيارة البروف.. قلت له إن الشيخ إبراهيم مسكون بأحزان تتالت عليه.. فقد زوجته ورفيقة عمره ورحلة الحياة.. وقبلها فقد ابنه إسماعيل.. وقبل شهر ودع شقيقته في موكب مهيب أمه جمع غفير من الناس يعرفون قدر ومقام الرمز إبراهيم أحمد عمر. ما سقته من حديث سيكتب مثله وزيادة نفر من إخواني وأخواتي داخل الحركة الإسلامية السودانية بمختلف أجيالهم وتجاربهم ومعارفهم.. كثيرون يعرفون الشيخ إبراهيم بأكثر مما أعرف.. وزيادة. لم يجد المؤتمر الوطني أيام مفاصلة الإسلاميين رجلا غير إبراهيم أحمد عمر يجمع عليه الذين انحازوا لصف الرئيس البشير بعد قرارات الرابع من رمضان.. واختيار البروف إبراهيم جاء بعد تمحيص وتدقيق.. فهو من قلة تبقت من جيل الآباء المؤسسين للحركة الإسلامية بالسودان.. وهو من قلة ترى فيها الأجيال المتعاقبة رمزية الفكر والعمق المعرفي فضلا عن طهرة اليد.. والقلب واللسان ولا نزكي على الله أحدا.. والذين اختاروا الشيخ إبراهيم ليكون أمينا عاما لحزب المؤتمر الوطني بعد الانقسام أقدموا على تلك الخطوة لمعرفتهم اللصيقة بطبيعة الخلاف يومها.. ولن يجدوا رجلا لديه قناعة وجدانية ومعرفية ومقاصدية بأن يبقى الرئيس البشير قائدا لحكومة الحركة الإسلامية لأنه يقوم مقام الإمام والوالي الشرعي وهذه قناعة فكرية لا يمكنك أن تجادل فيها البروفيسور إبراهيم أحمد عمر والذي جدد قناعته هذه في حوار مشهور أدرناه معه لصحيفة (الأهرام اليوم) قبل ثلاث سنوات ويومها كان الشيخ إبراهيم يشغل منصب مساعد رئيس الجمهورية قبل أن ينزل إخوانه في القصر والمؤتمر الوطني على رغبته وطلبه المتكرر واعتذاره الرقيق والمشفوع بأدلة طبية وشواهد لا تقبل إلا أن يوافق عليها تلاميذه وأحبابه حرصا على ظرفه الصحي. قبل 15 عاماً من تاريخ اليوم كلفني الأستاذ حسين خوجلي بإجراء حوار اللحظة مع البروفيسور إبراهيم أحمد عمر بعد اختياره أمينا عاما لحزب المؤتمر الوطني بعد مفاصلة الرابع من رمضان.. كانت تلك أول مبادرة صحفية لاستنطاق البروف.. ذهبت إليه في منزله بأمدرمان.. الحشود والجموع كانت تسد الشارع المؤدي لبيته.. وداخل صالونه العتيق لا مكان شاغر.. جلست في ركن قصي.. لَمَحَنِي الشيخ إبراهيم.. طلب مني الوصول إليه حيث يجلس.. عندما عرف رغبتي في إجراء حوار صحفي قال لي: (حتكون أول صحفي يعمل معاي حوار).. قلت له: نعم إن وافقت على ذلك وأن تجيب على كل أسئلتي بلا تحفظ.. وافق الشيخ.. لكنه طلب مني الحضور إليه في اليوم التالي باكرا.. عندما حضرت في الموعد المضروب علمت أن الشيخ إبراهيم يشكو من آلام في ظهره قد تمنعه الحديث.. قبل أن يكمل معاونوه اعتذارهم فاجأنا البروف بحضوره والإعياء والألم يكسو محياه الوضيء.. لكنه برغم هذا طلب مني طرح أسئلتي مستأذنا وبأدبه الجم بأن يجيب على كل شاردة وواردة وهو مستلقٍ على سرير داخل صالونه الذي شهد ويشهد أخطر الجلسات والمجادلات في تاريخ الإسلاميين الحديث. مرت الأيام.. لم تنقطع صلتي بالشيخ إبراهيم.. كلما التقيته أشفقت عليه اشفاق الابن على والده.. قال لي إنه لن يستطيع مواصلة جهوده ولا يقوى على مباشرة مهامه في مسيرة العمل الوطني لظروفه الصحية التي يعلمها القاصي والداني.. يضاف إلى هذا قناعة راسخة في دواخل الشيخ إبراهيم والذي يرى أنه آن الأوان للحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني أن يخطوَا خطوة جادة وجبارة باتجاه تمكين الأجيال الشابة من الحكم وتسليمها راية أمانة العمل الإسلامي والوطني. هذه القناعة يسندها منطق عملي.. ويؤيدها واقع تجربة الإنقاذ الوطني التي شاخت وتوقفت في محطة أسماء ورموز بعينها لا ترضى بمغادرة مواقعها.. وعندما بادر الشيخ إبراهيم بتقديم تجربة عملية وحاضرة في التقاعد الاختياري.. عندما قرر وبمحض إرادته ومنطق العمر وظروف الصحة وابتلاءات الحزن المتوالية على البروف.. برغم هذا ذهبوا إليه وجاؤوا به رئيسا للبرلمان وهو اختيار صحيح لجملة أسباب لن يستطيع الأخ ياسر يوسف أمين الإعلام بالوطني الإفصاح عنها برغم أنه من نقل الخبر لمراسلي الصحف الذين انتظروه في مقر الحزب الفسيح بشارع المطار.. من تلك الأسباب التي سكت عنها الأخ الوزير ياسر يوسف: أن البروف إبراهيم سيكون صمام أمان من بروز أصوات خلافية أو مخالفة بعد الإبعاد غير المبرر للدكتور الفاتح عز الدين من رئاسة البرلمان برغم أنه كان الخيار المفضل لكل دوائر حزب المؤتمر الوطني التي رضخت لضغوط مراكز قوى أخرى لم (تهضم) التصريحات الأخيرة لدكتور الفاتح عز الدين في احتفال جماهيري مشهود سيبقى حديث المجالس ومنتديات الإسلاميين لوقت طويل قادم. بعض المتنفذين داخل الجهاز التنفيذي للدولة لا يرغبون في تكرار تجربة الدكتور الفاتح عز الدين في البرلمان السابق والذي قدم تجربة لم نشهدها في تاريخنا القريب.. هؤلاء المتنفذون لم تعجبهم (كاريزما) الفاتح عز الدين وملاحقته المستمرة للوزراء وتنسيقه المحكم مع مؤسسات الدولة المعنية بالرقابة لتفعيل الدور الرقابي لأجهزة الحكومة المختلفة. البرلمان في عهد البروفيسور إبراهيم سيكتسب من شخصية البروف الهدوء.. ولن يكون برلمانا مشاكسا.. ولا خلافيا.. فالشيخ من طينة الكبار والمقاصديين الذين يؤمنون بفقه (درء المفاسد قبل جلب المصالح).. ومن أكبر المفاسد التي لا يريدها بروف إبراهيم تعالي أصوات الخلاف والتنازع بين تلاميذه في الحكومة وإخوانه في دوائر المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية. والذين قرروا عودة الشيخ إبراهيم بكل الظروف المحيطة به والمعلومة جيدا لديهم.. الذين حملوا الشيخ على العودة أرادوا توجيه رسالة واضحة وعلنية لشباب المؤتمر الوطني والجيل الثالث في قطار الحركة الإسلامية السودانية الذي يمثله الفاتح عز الدين وأقرانه.. أرادوا أن يقولوا لهم إن تجربة الشباب في الحكم لم تعد مجدية.. وإلا فلماذا لم يتم تصعيد شخصية أخرى في عمر وتجربة الدكتور الفاتح عز الدين إذا كان رئيس البرلمان المنتهية ولايته قد تكالبت عليه مراكز القوة الصامتة داخل الحزب والدولة؟!! هذه وتلك مداخل لحوار من كل قلبي أن يكون صريحا وواضحا في أوساط الوطنيين والإسلاميين هنا.. وهناك.. لم يعد ممكنا الصمت على قرارات وتجارب يدفع ثمنها الوطن كله.. ربما يقول بعضهم إنها غضبة مضرية لا داعي لها.. أقول وبالصدق كله إنني أكتب ما أكتب وفي مقدمة مقالتي ما يشفع لنا في حب الشيخ إبراهيم وتقديره.. إنني أحب الرجل وزيادة.. لكنني أحب الحق الذي تعلمنا منه قول كلمته وإن غضب الناس.. نقول وبالصوت العالي إن اختيار إبراهيم أحمد عمر لرئاسة البرلمان هو اختيار صحيح في الوقت الخطأ.. نسأل البروفيسور إبراهيم غندور وإخوانه في وثيقة إصلاح الحزب والدولة التي اتضح جليا أنها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به.. نسألهم وبالصدق كله: لماذا أبعدتم الأستاذ علي عثمان محمد طه والدكتور نافع علي نافع من قيادة الحزب والدولة بدعوى الرغبة في ضخ دماء جديدة في جسد الحزب بينما تعيدون وسط دهشة الجميع الشيخ إبراهيم أحمد عمر دون النظر إلى اعتذاره الصادق وظروفه الصحية المعلومة لديكم؟! نسألكم الآن وبالصدق كله سؤالا لا يرغب كثيرون في طرحه لخطورته.. كيف ستعيدون (الاتزان) لمؤسسات الحكم في البلاد وقد ذهب منصب رئيس الجمهورية ومنصب النائب الأول وأخيرا منصب رئيس البرلمان إلى الشمال الجغرافي؟!.. أين التمثيل الحصيف لبقية مكونات المشهد القومي للسودان كله في وطن يئن بفعل تقديرات ندفع ثمنها جميعا. أقول قولي هذا وأسأل الله للشيخ إبراهيم التوفيق في مهمته الجديدة.. أعرف أنه زاهد في الدنيا كلها ناهيك عن مناصبها الزائلة.. ورجل مثله تتشرف به المواقع ولا يتشرف بها.. لكننا نقول كلمة حق لا خير فينا إن لم نقلها.. ولا يهمنا إن أغضبتْ أحدا فليس لنا غير الله من غاية ولا مقصد لقول أو فعل. عبدالماجد عبدالحميد