) أبو روف ( تلكم المدينة الواعدة التى ترقد آمنة مطمئنة على ضفة النيل، هي مسقط رأسي ومرتع صباي الباكر، هي منبع الطيبة والاريحية، هي حوش سعد ود الزينة وناس (جدي قرشي) وحوش الكرنكي ودكان حامد قريد ومعتصم العجلاتي ومطعم الحاج حسن بدير يرحمه الله، فقد كان يضفي نكهة خاصة جداً على مرسى المراكب الشراعية التى كانت تحمل الخير لسكان (أبروف)؛ التى أنجبت الأفذاذ خالد وطه الكد واحمد سليمان ومنزله العامر بالليالي السياسية حيث كنتُ أذهب إليها وأنا طفلة ضمن أفراد أسرتي، فتبهرني أحاديث الكبار فى السياسة والأدب والفن؛ حينذاك كان عقلي يفهم على قدر حاله ولكنه يدرك أن (أبروف) غنى لها المغنيو : (قدلة يا مولاي حافي حالق بالطريق الشاقي الترام). ما دفعنى لاجترار هذه الذكريات الرائعات؛ خبر تناقلته الصحف عن إزالة السوق الذى يُعتبر جزءاً أصيلاً من تركيبة المنطقه وتراثها الذى يجب أن يتم الاحتفاظ به، بل حتى لو دعت الضرورة الى إزالة جزء من تلك المساحة التى يشغلها السوق . كان من المفترض إيجاد البديل الذى يحفظ للمدينة رمزيتها وألقها المتميز فى فن وأدبيات الفلكلور الشعبب وهو يحفظ ويوثق ويكشف ملامح وتكوين الشخصية السودانية وتقاليدها وعاداتها الاجتماعية على مر الأزمان. أنْ يتم توسيع الشارع المطل على النيل ويتم تخطيطه ليصبح اتجاهين؛ فذاك أمرٌ ضرويٌ لتفادي الزحام والاختناق الذى يحدث يوميا فى أغلبية شوارع العاصمة ولكن لابد أن يتم التخطيط قبل فترة كافية، حتى لا يتضرر عدد من المواطنين الذين يعيشون على بعض المهن، فهي وإن كانت هامشية في نظر البعض إلا أنها تشكل جزءاً من تراث المنطقة، بل يمكن تنظيم هذه الأسواق لتخدم غرضين الأول إضافة لمسة جمالية على شارع المرسى الذى أصبح قبلة أنظار الكثيرين حتى السواح، والثاني خدمة البسطاء الذين يرتزقون من هذه المهن وخاصة وأن بعضهم من سكان المنطقة الأصليين او المرتبطين بها منذ زمن طويل. إنَّ الذي لا بد من قوله هو أنه مهما تحدَّث الناس عن إيجابيات ثورة التخطيط العمراني إلا أنه من أكبر سلبياتها في نظر الكثيرين أنها طالت مناطق أثرية لا تُضاهى بثمن وأحالتها الى غابات اسمنتية، فحرمت سكان المدن من الخضرة والجمال الطبيعي واستبدلتها بعمائر ينطبق عليها قول إيليا أبو ماضي:) يصنع الصانعون ورداً ولكن(.!