في اليوم الذي خضع فيه الفنان الكبير محمد وردي لعملية نقل الكُلى بالعاصمة القطرية الدوحة، قبل عدة سنوات كتب أستاذ الأجيال فضل الله، محمد الشاعر والصحفي والأديب كلمته الرئيسة تحت ترويسة عاموده "الخرطوم اليوم" بالصفحة الأولى لصحيفة الخرطوم الغراء وكان العنوان كلمة واحدة فقط "وردي"! المقال الذي احتل مكان التعليقات والأخبار السياسية كان يفيض رقة وشاعرية، كيف لا وكاتبه هو شاعر "زاد الشجون" وأخواتها من عبقريات الموسيقار محمد الأمين الذي يعاني - حاليا - ويقاوم بفنه الراقي آثار المرض، والمفارقة أن وردي لم يغنّ لفضل الله محمد ويبدو أن هذا هو سر الوصفة السحرية التي "بخ" بها فضل الله عشاق ومحبي محمد وردي وكانت الكلمات تسري في أوردة وشرايين المحبين وهي تحمل البشرى والأمل قبل أن تتضرع بالدعاء لإكمال شفاء الامبراطور. تعلمنا حينها – من ضمن ماتعلمناه من تلمذتنا على أيدي فضل الله محمد- أن الفن لا يقل شأنا عن السياسة وأن صحة محمد وردي أهم بكثير من "هضربات وهترشات" بعض السياسيين، وكانت "الخرطوم اليوم" هي دليلنا وبوصلتنا الى ذلك، تذكرت هذه الخواطر وأنا أشاهد فضل الله محمد وهو ينتظر وصول جثمان الفنان الراحل زيدان ابراهيم بمطار الخرطوم، وكان رئيس التحرير الوحيد الذي فعل ذلك. كل هذه الخواطر طافت بذهني وأنا أتابع مع الأستاذ الجليل أحمد طه "الجنرال" أخبار الوعكة الصحية التي ألمت بالفنان الكبير محمد وردي وجعلته أسيرا للفراش الأبيض، وكان مصدرنا منتصر "خليل وردي" ود. الفاضل طبيبه وابنته جوليا، وكنا حريصين، غاية الحرص، أن نطمئن الناس على صحة معشوقهم بنثر الإشارات المتفائلة حينا والصمت في أحيان كثيرة، في ظروف يصبح فيها النفي هو أكبر إثبات، وحتى مساء الأمس كل الدلائل تشير على تجاوز الفرعون لهذه الوعكة التي نتمنى أن تكون دافعا قويا له لتقديم الجديد من الأعمال المتميزة. ويلاحظ المتابع للشأن الثقافي والفني في السودان، أن المبدعين يتعرضون للعديد من المحن والابتلاءات – وهم في ذلك غير محجوبين من هذه الابتلاءات- لكن تأخذ حالاتهم طابعا عاما نسبة لمكانتهم في المجتمع، وبطبيعة الحال، نسبة للجماهيرية التي يتمتعون بها، وهذا أمر معلوم بالضرورة، لكن هل يحق لنا أن نتساءل عن خصوصية أن يحظى هؤلاء المبدعون بمساحة من البراح تجعلهم في مأمن من الشائعات، أو فلنقل صراحة من "استثمار أخبارهم – بالخير والشر- في الإثارة الخبيثة؟ استطيع أن أجيب هنا استنادا على معالجة أستاذنا فضل الله محمد لحالة الفنان محمد وردي غداة خضوعه لعملية نقل الكلى التي تعرضنا لها في مفتتح هذا الحديث، وعلى العموم فإن هذا الباب واسع والآراء فيه متعددة، ومها يكن من أمر لا نملك – في مثل هذه الظروف – إلا أن نرفع الأكف بالدعاء ليعجل بسلامة الفنان الكبير والذي ننتظر منه الكثير على مستوى الإبداع المباشر وعملية تواصل الأجيال التي يعطيها وردي حقها ومستحقها من الاهتمام والتعظيم و.. سلامات الامبراطور محمد وردي "المَجدُ عوفِيَ إِذ عوفِيتَ وَالكَرَمُ..وَزالَ عَنكَ إِلى أَعدائِكَ الأَلَمُ "