عندما أصدرت هيئة المقاييس والمواصفات فى السودان قراراً باعتماد الكيلو معياراً رسمياً للوزن بدلاً عن الرطل ومشتقاته ابتداء من يوم 15 من شهر مارس في العام الماضي كتبت مقالا ساخرا عن هذا الموضوع تذكرت فيه "تحريف شقاوة " لإحدى الاغنيات العاطفية ويقول التحريف (مع الاعتذار للاغنية ) .. البريد الموز قالو بالكيلو .. جيبو لي أنا قالو سمح الموز وانت بتشيلو . وعلى هذا الاساس نقول للبريد السكر والزيت واللبن .. قالو بالكيلو!! مبررات الانتقال المفاجئ من الرطل إلى الكيلو لم تكن مقنعة بالنسبة لي فقد قالوا بأنه إنتقال من النظام الذى وضعه المستعمر الانجليزي ، ولم يدر هؤلاء أن الكيلو ليس وحدة قياس عربَية أو اسلامية ، وهى وحدة استعمارية ايضا. تذكرت هذا الموضوع عندما تم اعتبار الجنيه من بقايا الإمبريالية العالمية و"السدنة " وتم تطهير العملة السودانية منه ليحل بدلاً عنه "الدينار " الذى ثبت بعد ذلك أن أصوله غير عرَبية و قلت في ذلك المقال أن القرار جاء ليكسر خاطر الفقراء و"مهدودي " الدخل فى بلادنا ، فقد بدأ بموجة ارتفاع أٍسعار السلع الأساسية ، ولم يكتف المسؤولون بذلك ، بل قرروا زيادة العبء على الغلابة برفع سقف الوحدات الوزنية. كان الناس يتعاملون بأصغر وحدة يمكنها أن تقبل القسمة مثل "نصف ربع الرطل " و"ربع نصف ربع الرطل " وقس على ذلك ، حيث يمكن ان يطلب المواطن من تاجر القطاعي (نصف رطل سكر ) دون ان يشعر بالخجل ، بل يطلب من التاجر أن يقيد المبلغ المطلوب فى "دفتر الجرورة! " ثبت السكر على الكيلو ، وسعر الكيلو المعلن اربعة جنيهات لكن يتم البيع على حسب مزاج التاجر ، وطبعاً العبوة الجديدة لايمكن إنقاصها لأنها معبأة بالكيلو ، وبذلك فإن المواطن الذى كان يحصل على نصف ربع الرطل من السكر لن يفكر فى اقتناء هذه السلعة وسوف يدخل السكر الى قائمة السلع التى لاتدخل البيت إلا فى المناسبات الكبيرة. وينطبق الأمر على بقية السلع مثل الزيت واللبن والفول و"التسالي " ، وطبعا ً معروف أن الكيلو يساوي رطلين وربع ، وفى هذا مشقة و"حرج " للمواطنين الذين تعودوا على "رزق الوجبة بالوجبة " والصلصة بالمعلقة وقد تمردت هذه السلع بالفعل على المدعو الكيلو. نحن فى اشد الحاجة الى "تقصير الظل المعياري " أي تبسيط وحدات الوزن والمقاييس لتتناسب مع "دخول " الناس ، والعقلية الشعبية التى اقترعت وجبات "كوارع الجداد " و"كمونية السمك " و"عصير الفول " و"موية الجبنة " قادرة على استنباط سلع جديدة تواكب الوضع الجديد مثل "موية اللبن " و"دقُة " السكر و"زيت الزيت " و"البريدك موت " قالوا بالكيلو!