قمت في الأسابيع الأخيرة من شهر مايو بزيارة لمدينة بورتسودان للمشاركة في مناسبة أسرية، وبعد انتهاء المناسبة السعيدة، مكثت بضعة أيام لتسوية بعض قضايا الأسرة الممتدة في أحياء المدينة حيث توجوني بحفاوتهم وكرمهم الحاتمي وأكرموني بدعوات اجتمع فيها شمل الأسرة والأهل على مائدة دسمة من الأسماك في كافتيريا (بشائر) على شاطئ "السقالة" الجميل التي تفتح الشهية لأكل سمك (الناجل والشاعور) على نسائم أمواج البحر الجميل الممتد على حافة الأفق الزاخر بالزرقة اللامعة. فى تلك اللحظة شعرت بعمق إحساس السائح الذي تجذبه هذه المناظر واللمسات التي تطغى عليها ملامح من مدن شاطئية مثل (اسطنبول) وبالفعل أكد لي أحد الإخوة بأن هذه السقالة قد سميت "اسطنبول" عند بداية تنفيذ المشروع فيها، فرددت ساخراً إذن أنا أحتاج لخريطة المدينة التي تغيرت بعد غيابي عنها حتى أصبحت كل مظاهرها تركية وزال عنها ذلك الغباش وطلاها اللون الأبيض الناصع وأحاطت بها أشجار الدمس لتزيدها ألقاً فوق جمالها حتى أصبحت مدينة سياحية تتكئ على قاعدة من المرمر والرخام والانترلوك. فقضيت أيام جميلة وسعيدة فعلاً في بورتسودان حيث أحاطني الإخوة والأصدقاء الكرماء بالحفاوة وحسن الاستقبال مما أزال عن نفسي رهق زحمة العاصمة وأعادني إلى حضن مدينتي وإخوتي من الأصدقاء الأوفياء الخلص في لحظات الأصيل تلك على شاطئ البحر الذي كنت أصر لكل من خيرني في دعوته لي بأن يأخذني إلى "اسطنبول"حتى أسرح بخيالي أنني في سياحة بين آسيا وأوروبا في مضيق الدردنيل. وبعد هذا الاسترخاء النفسي والجسدي ورحلة الخيال السياحي عادت طبول الواقع المرير وحقيقته تدق في سماء المدينة المسالمة الهادئة عندما صحونا فجر الثلاثاء 22/مايو2012 على صوت انفجار العربة (البرادو) التي راح ضحيتها المواطن ناصر عوض الله (نويصر) وكيل ناظر العبابدة في ولاية البحر الأحمر إثر اعتداء سافر امتدت به أيدٍ آثمة وضعت متفجرات في عربته بنفس الأسلوب الذي تصفي به عصابات (الموساد) القادة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يؤكد وجود اختراق للأمن القومي للبلاد عن طريق سماء وأرض البحر الأحمر المكشوفة. بكل أسف ربما تكون هذه المرة بأيدٍ سودانية يعتقد بأنها من أبناء المنطقة بالرغم من الوجود الأجنبي الكثيف في مدينة بورتسودان تحت غطاء العمل في مشاريع التنمية المدعاة؟!. إلا أنه مازال البحث والتحري جارياً فيها بواسطة الأجهزة الأمنية بعد فحصها لمكان الحادث الذي شاهدته بعد أقل من ساعتين تقريباً من وقوعه ولاحظت ما يفيد مسار التحري بالرغم من تجمع الناس في مكان الحادث بشكل يضر بالأدلة التي يمكن أن تساعد أصغر شظية منها لتكون مفتاح للتحريات الجارية لمعرفة الوسيلة التي استعملت وربما الجاني إن وجد في الداخل قبل أن يعبر الحدود المشتركة بين مصر والسودان كما يشاع والتي امتدت فيها الذراع الطويلة لإسرائيل في منطقة البحر الأحمر في السنوات الماضية. وبناء على هذه الملابسات طلب مني تقديم ندوة أو بالأحرى محاضرة عن المهددات الأمنية بمناسبة زيارة السيد جعفر الصادق الميرغني مساعد رئيس الجمهورية للولاية بمناسبة حولية الشريفة مريم المرغنية في سنكات التي يدين بالولاء لها أهل البحر الأحمر. وقد اخترت موضوع الندوة تحت عنوان "رؤية حول المهددات الأمنية للسودان"خاصة وأن حدود البحر الأحمر على البحر الإقليمي هي حدود جمهورية السودان الدولية وليست حدود الولاية كما يعتقد العامة، وموضوع الندوة كان تلخيصاً لعدد من حلقات نقاش وأوراق علمية قدمها خبراء عسكريون وأمنيون في الندوات التي شاركت فيها بمركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، إلا أنني فوجئت بمقاطعة أجهزة الولاية الرسمية وقادة المؤتمر الوطني حضور الندوة بالرغم من فائدتها لأمن البلاد والولاية خاصة أنني لم أثر أو أتناول فيها أي حديث عن رأيي في التنمية المدعاة والتي هي قضية خلافية بيننا وبين المسؤولين في الولاية لأسباب موضوعية تتعلق بمفهوم التنمية (للحجر – أم البشر؟) والمعروف أن معظم سكان الولاية يعتمدون في معيشتهم على العمل موظفين وعمال وفنيين في الموانئ – وتقديم الخدمات فيها من (شحن وتفريغ – وتخليص – والنقل – وتجارة عمومية وأخيراً التعدين) ثم باقي أهل الريف يعتمدون على الرعي – والزراعة فكم منهم يعتمدون في معيشتهم اليومية على مورد السياحة هل تبلغ نسبتهم 1 % من جملة السكان أم أقل لتسخر لهذا المورد كل هذه الأموال؟ هذه هي القضايا التي سبق أن سودت فيها صفحات الصحف. لكن بخصوص الندوة للأسف لم تشارك أجهزة الإعلام المحلية والقنوات في تلك الندوة التي كنت أراها مفيدة للجميع حيث أثرى النقاش فيها خيرة أبناء المدينة، وبهذه المناسبة نسجي بالشكر الجزيل والثناء لصحيفة "بورتسودان مدينتي" التي لخصت ما دار في الندوة في عددها الأخير... وفي الختام لايسعنا إلا الشكر كل الشكر لأسرة جريدة (بورتسودان مدينتي) التي احتفت بنا بحفل جمعنا بالعديد من الأصدقاء والأحباب، وكان ذلك مسك الختام لزيارتي لمدينتي التي لن ننقطع عنها إن شاء الله حتى لو عبر الكتابة في تناول قضاياها.. والله ولي التوفيق هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته