دعا السيد وزير الدفاع الفريق أول عبدالرحيم محمد حسين رئيس اللجنة السياسية الأمنية المشتركة في المفاوضات مع دولة جنوب السودان حول القضايا العالقة في مؤتمره الصحفي الذي عقده بعد عودته من أديس يوم الجمعة 8/6/ 2012 الإعلام أن يلعب دوراً فاعلاً في الدفاع عن أحقية السودان في المناطق التي تدعي حكومة جنوب السودان ملكيتها" كإعلامي أرحب بدعوة الوزير وإن جاءت متأخرة. فالإعلاميون ليسوا بحاجة لدعوة. هذا واجبهم ومن صميم عملهم. ولو كان يقرأ الصحف لعرف أن الإعلاميين وكتاب أعمدة الرأي والمقالات ومراكز البحوث ظلوا يتقدمون قبل وبعد انفصال الجنوب وفود التفاوض بعدة فراسخ. يَسْدون لها النصح فترميه البحر ولا تَسْتَبنه إلاَّ ضحى الغد. أما وقد حدث ما حدث، فلا بد أن يراجع وفد التفاوض إذا عاد برئاسة وزير الدفاع الى أديس أببا خطته التفاوضية. فلا يسمح بدخول تلك الخريطة الوهمية التي جاء بها وفد دولة الجنوب ومن وراءهم الى قاعة المفاوضات. وأن يرفض التداول حولها حتى في كواليس التفاوض خارج القاعة. ويجعل ذلك شرطا لاستئناف المفاوضات ولا يتنازل عنه. فالهدف من تقديم هذه الخريطة في هذه المرحلة من التفاوض إشغال الجانب السوداني في ملهاة وغير معترك لاستنزاف الوقت والجهد وقد يسحبها عندما يقارب الوقت المحدد نهايته ثم يأتي بجميع القضايا لطاولة التفاوض فلا يجد المفاوض السوداني متسعا من الوقت للمناورة والتشاور. وهو أسلوب قديم معروف في قاعات التفاوض. ليس للسودان بعد انفصال الجنوب سوى خريطة واحدة تم الاعتراف بها في سجلات الأممالمتحدة وعلى أساسها بنيت اتفاقية السلام الشامل لعام 2005 وأجْري بموجبها الاستفتاء ثم انفصال الجنوب. اعترف الجنوبيون أنفسهم بها في نيفاشا وعندما أعلنوا قيام دولتهم في التاسع من يوليو عام 2011 . هذا يعني أن أي خريطة أخرى لا تعني المفاوض السوداني في شيء. ويصبح من واجب الحكومة السودانية العمل عبر المؤسسات الدولية والإقليمية على ملاحقة ومقاضاة كل من يقوم بنشرها أو توزيعها في أي مكان من العالم. وإذا حاولت دولة الجنوب تنفيذ نواياها التوسعية على الأرض يكون ذلك عدوانا واحتلالا مكان الرد عليه ميدان القتال كما حدث في هجليج وليس قاعات التفاوض. إن مجرد قبول الوفد السوداني الحديث عن هذه الخريطة التوسعية في قاعة المفاوضات أو أي مكان آخر يعني خروجه على التكليف الذي أعطي له وقبوله مبدئيا المساومة على حدود السودان القائمة حاليا. وقبول التفاوض على خريطة جديدة للسودان، مما يشكل تفريطا في سيادة الوطن يعرضه لطائلة القانون. ويفتح الباب أمام احتمال اقتطاع أراض سودانية تضاف لدولة الجنوب بالموافقة التي لم يفوض بها وفد التفاوض او التنازل عن بعض الأراضي رضوخا للضغوط والمساومات. إن عبارة "مُتنازع عليها" وكلمة"مُدَّعاة" ينبغي أن تحذفا من قاموس الوفد السوداني وتسحب من وثائق التفاوض ولا تردا على ألسنة أعضاء الوفد السوداني. ذلك أن كلمتي "مُتَنازع" و" مُدَّعاة" تعنيان أن الطرفين يتنازعان تلك الأراضي، وهذا غير صحيح. فهي أراضينا وداخل حدودنا. ونملك من الوثائق ما يثبت ذلك ولم نسمع أن أحدا نازع في حقه. ودولة الجنوب ليست سوى مدع ومتغول علينا دون وجه حق، مستقوية بدعم وإسناد من قوى معروفة. لقد أخطأ السيد وزير الدفاع بحمله تلك الخريطة الوهمية الى الخرطوم بدل أن يرمي بها في سلة المهملات. وأخطأ مرة أخرى بعرضها في مؤتمر صحفي. فتبعته بعض الصحف وكذلك التلفزيون القومي بنشرها دون التفكير فيما يترتب على ذلك من تشويش وإرباك للشارع العام ومن مخاطر على الأمن القومي. فليس هناك مبرر يجعلنا نسمح بتداول خريطة في بلادنا ووسائل إعلامنا طالما أننا لا نعترف بها وغير معترف بها في المؤسسات الدولية والإقليمية؟. في مؤتمره الصحفي قال السيد وزير الدفاع: "البلاد بحاجة الى استراتيجية تشارك في وضعها مراكز الدراسات الاستراتيجية " . . هذا كلام جديد وبالغ الأهمية يتطلب أن نصغي إليه. فالمعروف أن هناك استراتيجية ربع قرنية (20072031) تمت إجازتها قبل خمس سنوات تقريبا. وكان المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي قد أجاز في شهر مايو الماضي الخطة الثانية من تلك الاستراتيجية أيا كان رأينا فيها(راجع مقالنا الخطة الخمسية الثانية أولى.. السوداني20 مايو2012 ). ولا أعتقد أن السيد الوزير يريد استبدال تلك الإستراتيجية بإستراتيجية جديدة. وهذا يجعلني أميل الى أنه يقصد عدم وجود استراتيجية للأمن القومي. لأن قضايا التفاوض مع الجنوب هي قضايا أمن قومي ولا يمكن إدارتها بشكل صحيح إلا في ضوء استراتيجية واضحة للأمن القومي السوداني. وللأسف السودان منذ استقلاله وحتى يوم الناس هذا ليس لديه هذه الاستراتيجية. ولعل هذا ما دعا السيد رئيس الجمهورية ليصدر قراره رقم 276 لسنة 2010م بتشكيل مستشارية جعل أول مهامها وضع أول استراتيجية للأمن القومي السوداني. وتقرأ الفقرة الأولى في البند "3" من القرار" إعداد وثيقة إستراتيجية الأمن القومي شاملة رؤى كل أجهزة الدولة ". لقد عكفت المستشارية على هذا التكليف على مدى عامين ونصف العام وأنجزت مهمتها مستعينة بمراكز المعلومات والجامعات وعشرات الخبراء في مختلف المجالات ثم ضمنت كل ذلك في خمس مجلدات رفعت للجهات المعنية.