وجوه شاحبة ومرهقة وأجساد تفترش سجادات وتتمدد عليها بلا وسادات يتكئون عليها لراحة أجساد أنهكتها سنوات من المعارك الطويلة منذ اندلاع الصراع في اقليم دارفور 2003م.. لم تكن تلك الأجساد المتمدة بتلك الهيئة على الأرض والمفترشة للسماء سوى القادة الميدانيين لحركة التحرير والعدالة التي يرأسها رئيس السلطة الانتقالية د. التجاني السيسي الذين بادروا يوم أمس لدعوة عدد من الإعلاميين لمؤتمر صحفي عقد بحاضرة ولاية شمال دارفور الفاشر في أحد المباني بحي الرديف، بدا واضحاً أن هذا المقر لم يكن سوى مكان سكنهم وإقامتهم حيث يتوزع الحاضرون بين أرجائه. رحبوا في إحدى غرف ذلك المبنى بنا وقدموا لنا الماء وجلسنا على الأرض لنستمع لإفاداتهم، وبقدر ما أدهشنا المكان إلا أن الروية وفصولها ألجمتنا وأزالت عنا دهشة المكان أمام دهشة الواقع. مجلس جديد دون توقعات الكثيرين أقدم قادة ميدانيون من حركة التحرير والعدالة على تكوين مجلس عسكري أعلى من 26 قياديا ضم حوالى 34 قطاعا من جملة القطاعات ال 38 التابعة للحركات من مختلف مناطق دارفور. وعدد قادة المجلس في مؤتمرهم الصحفي الذي عقدوه أمس عن ما اعتبروه تجاوزات حملوها لرئيس الحركة على رأسها عدم وجود رؤية سياسية واضحة وعدم الانفتاح والتشاور معهم بجانب الاستقطاب القبلي الحاد داخل الحركة، وبدوا أكثر غضباً من غياب الدعم اللوجستي لجيشهم وقواتهم الموجودة في الميدان، وبدا واضحاً أن القيادة العسكرية للحركة تنظر بريبة شديدة تجاه مواقف السيسي من العسكريين ويستدلون بعدم زيارته مطلقاً للميدان وإغفاله تحية نضالاتهم وشهدائهم في الاحتفالات وهو ما يعتبره بعضهم نابعل من شخصية السيسي المدنية الأكاديمية التي لا تميل للعنف أو العمل المسلح. وطالب رئيس المجلس محمد حمدان السميح رئيس الحركة بضرورة الإسراع في هيكلة القيادة العسكرية وتوفيق أوضاع قوات الحركة قبل الدخول في بند الترتيبات الأمنية لجهة ضروريتها. خارج الفناء يبدو أن القيادة العسكرية الجديدة تتجه لرفع صوتها عالياً خارج أسوار الحركة من خلال إعلانهم عدم المشاركة في أعمال مؤتمر أهل دارفور الذي يعقد حالياً بالفاشر بغرض إسماع شكاواهم تلك للجهات الرسمية السودانية والجهات الاقليمية والدولية وخصوصاً دولة قطر راعي اتفاق سلام الدوحة التي لعبت دوراً مؤثراً في إكمال عملية وحدة عدد من الحركات الدارفورية تحت اسم "حركة التحرير والعدالة". ويشير هنا الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري لحركة التحرير والعدالة –الذي تم تكوينه مؤخراً- موسى شريف باري ل(السوداني) لأسباب مقاطعتهم مؤتمر أهل دارفور بسبب إهمال القيادة السياسية لهم وعدم دعوتهم للحضور بالإضافة لما يعتبرونه إقصاءً متعمدا وتهميشا لدورهم، ومضى لأكثر من ذلك حينما كشف عن تقديمهم مذكرة في الأسبوع الماضي بتاريخ السابع من يوليو للسيسي عقب ارتكاب العديد من التجاوزات منذ توقيع الاتفاقية، واحتوت تلك المذكرة على العديد من المطالب إلا أن السيسي –حسب قوله- رفض الاعتراف بتلك المذكرة أو حتى استلامها وقال باري: "هذا يؤكد بجلاء سوء نية القيادة السياسية وإصرارها على المضي قدماً في ذات الطريق الخطأ"، ولوح بإمكانية لجوئهم لخيارات صعبة –لم يفصح عنها- في حال عدم الاستجابة لمطالبهم خلال ال48 ساعة القادمة. تبقى النقطة الأساسية لما أكده القادة العسكريون بإعلانهم تمسكهم ووقوفهم خلف اتفاق الدوحة وعملهم على تحقيق مطالبهم من خلال الاتفاق، وهو ما وجه رسالة واضحة لأكثر من جهة بعدم رغبتهم في الخروج من الاتفاق وإعادة إنتاج سيناريو "الدخول والخروج" من الاتفاقيات. مبروك عليهم من جهته واجه السيسي في مؤتمره الصحفي الذي عقده مساء أمس بمقر السلطة الانتقالية في الفاشر الاستفسارات والأسئلة التي طرحها عليه الصحفيون في ما يتعلق بتلك التطورات الداخلية في حركته ببرود شديد معتبراً دورهم ليس بجديد بالنسبة لدية وأضاف: "سبق أن هنالك قادة من الحركة خرجوا". وحينما تكاثرت الأسئلة والاستفسارات حول أوضاع جيشه وقادته العسكريين وموقفهم منه وتكوينهم لمجلس عسكري اكتفى الرجل بتعليق مقتضب تلخص في كلمتين بقوله: "مبروك عليهم"، ليضيف لاحقاً أنهم يتعاملون بوضوح مع عضوية الحركة وأضاف: "نحن عارفين الحاصل شنو". انعدام التمويل تبقى النقطة الأساسية التي أثارتها معضلة عسكريي التحرير والعدالة متصلة بالمخاوف من إمكانية أن يربك تنفيذ الشق الخاص بالترتيبات الأمنية اتفاق الدوحة كما حدث في اتفاق أبوجا وتعتمد هذه الجزئية على توفير الدعم اللوجستي والتمويل، وأشار مفوض مفوضية نزع السلاح وإعادة الدمج د. سلاف الدين صالح عن الحاجة لتوفير أكثر من 50 مليون دولار لتنفيذ الترتيبات الأمنية الخاصة بالحركات وقوات الدفاع الشعبي، إلا أن مفوض الترتيبات الأمنية بالسلطة الانتقالية اللواء تاج السر عزا عدم تنفيذ تلك الترتيبات بسبب رفض بعض الحركات التوقيع على اتفاق الدوحة منوهاً إلى أن ذلك خلق ربكة في الترتيبات الأمنية وزاد: "هناك ناس معارضين لهذا الاتفاق". مهدد آخر هذه التطورات ربما أثارت مخاوف البعض من إمكانية أن يشكل هذا الخلاف مهددا أمنيا إضافيا في الاقليم يضاف للمهددات التي لا تزال مستمرة في دارفور، حيث أشارت ورقة المهددات الأمنية في دارفور التي قدمت ضمن أعمال مؤتمر أهل دارفور لدخول 11 نوعاً جديداً من الأسلحة إلى الاقليم خلال الفترة الأخيرة التي يمكن أن تشكل مهددات أمنية بالإقليم. تطرقت الورقة التي قدمها كل وزير الإعمار والتنمية بالسلطة والقيادي بالتحرير والعدالة تاج الدين بشير نيام و د. محمود زين العابدين حسبما ذكرت مصادر ل(السوداني) للمهددات الحقيقية للسلام في الاقليم التي تشمل بحانب الأسلحة غياب استراتيجية تقنين حيازة السلاح في دارفور وشيوع القبلية والعنصرية خاصة في أوساط النخب، وحددت المهددات السياسية بعدم التوصل لسلام شامل، الاضطرابات مع الجنوب، وتقاطع المصالح الأمنية والدولية والاقليمية. الملفت للنظر أن جل مناقشي تلك الورقة ركزوا في حديثهم على اختلال الأوضاع الأمنية وظهور قطاع الطرق وجبايات الحركات بل مضى بعضهم لأكثر من ذلك حينما أشار لصعوبة السير بعربة من ولاية لأخرى واستدلوا هنا بحضور المشاركين في أعمالها من ولايات دارفور المختلفة عن طريق طائرات بعثة اليوناميد وليس عبر أي وسيلة أخرى بمن في ذلك الموجودون في المناطق الواقعة على طريق نيالا – الفاشر التي ظلت مقطوعة فترة طويلة، مما أدى لرفع أسعار التذاكر من 25 جنيها إلى 75 جنيها وهو ما استوجب معالجة هذا الأمر من خلال تشكيل طوف أسبوعي كل يوم أربعاء. هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته