أشعر أننا فى السودان نحتاج لروح جديدة تجعلنا نلحق بالشعوب التي جددت حياتها وشرعت تنطلق نحو آفاق عليا. لو يذكر الناس أننا منذ الاستقلال سيما بعد ثورة أكتوبر 1964 وقعنا أسرى لصراعات فكرية وسياسية وصلت لحد الاتهام المتبادل بأقذع الألفاظ فالذي يقف في المعسكر اليساري يتهم المخالفين له بالعمالة والخيانة والتخلف والرجعية، أما الذى يقف في المعسكر المناوئ له كالإسلاميين فيتهم الآخر بالإلحاد والعمالة والديكتاتورية والشمولية... صاحب ذلك الخلاف تصفيات سياسية وأحيانا جسدية واعتقالات متبادلة عندما هيمن كل معسكر على السلطة، حدث ذلك عقب انقلابات مايو 1969 و1989 اليساري والإسلامي... هذا ما حدث بين اليساريين والإسلاميين. أما ما حدث بين هذين المعسكرين العقائديين وأحزاب القوى التقليدية الوطنية فحدث ولا حرج.. شتائم ومماحكات لا حصر لها. ثم هناك الصراع بين القوى الوطنية التقليدية التى نشأت منذ أكثر من مائة عام وتركت آثارها السالبة على زعاماتها اللاحقة وعلى الحياة السياسية السودانية وهي معروفة وإن كانت أفضل من الصراع بين اليساريين والإسلاميين فقد كانت الزعامات التقليدية ما زالت تحتفظ بقدر من التسامح السوداني الفريد بعكس المثقفين العقائديين.. الآن جرب الشعب السوداني جميع الأحزاب والقوى السياسية كما جرب المدنيين والعسكريين وانتهى إلى أوضاع مأسوية حلت فيها الكراهية والتنابذ والبذاءات وعبارات التحدي محل التسامح السوداني وصارت السياسة السودانية تنحط يوماً بعد يوم مثلما انحطت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و تغيرت القيم الأصيلة . كنت أظن أن مفهوم الحكم بالشريعة هو سيادة القيم والأخلاق الفاضلة وسيادة العدل والمساواة والأمانة والاحترام المتبادل بين الناس يتفاضلون بأخلاقهم وليس بسلطانهم ولا أموالهم ولكن للأسف انقلبت تلك المفاهيم وتغيرت القيم الحقيقة المرة أننا أصبحنا مجتمع الكراهية لا مجتمع الحب، مجتمع الصراعات والمكايدات لا مجتمع الاختلاف الموضوعي، مجتمع التنابذ والتحدي الفارغ لا مجتمع الإقناع والاقتناع، فهل يمكن لمثل هذا السلوك أن ينتج بلداً متقدماً محترماً وصالحاً؟ لا أظن..حسبنا الله ونعم الوكيل.. الرئيس مرسي والتكتيك الذكي أعتقد أن الرئيس المصري د. مرسي يلعب أوراقه السياسية بتكتيك ذكي ففور تسلمه السلطة ولكي ينفي عنه صفة الرئيس بدون صلاحيات حسب المرسوم الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري، بادر بتحريك المياه بإعلانه رفض قرار المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب وقرار الحل الذي أصدره المجلس العسكري مما أعطى مجلس الشعب فرصة عظيمة ليجتمع ويؤكد وجوده ولكن أيضاً بتكتيك ذكي ليحفظ ماء وجهه فيجتمع لبضع دقائق ثم يعلق جلساته ويحيل الأمر إلى محكمة النقض، ثم يعود الرئيس مرسي ويقبل التزامه بحكم قضاة المحكمة الدستورية بحل المجلس معتمداً على مشورة كبار المستشارين الدستوريين وعلى رأسهم السيد الغرياني رئيس الجمعية التأسيسية للدستور ومن ثم يمكن إقامة انتخابات جديدة لمجلس الشعب في أٌقرب وقت .. بذلك يكون الرئيس مرسي قد كسب الجولة وسحب البساط من الفلول والمناوئين له لاستغلال قراراته لإسقاطه أو دفع الأوضاع نحو الهاوية.. يضاف لذلك فزيارة الرئيس للسعودية رسالة ذكية لتطمين العالم خاصة المستثمرين... وفوق ذلك كله احترامه لشعبه ووصفه له بصفات طيبة.