ليس لأني لم أتمكن من تلبية آخر دعوة وجهت لي من وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي فقط، ولكنني أحرص دوماً على فعاليات هذه الوزارة؛ لما أجد فيها من إمتاع وإشباع للروح، وهي تجسد القيم والمعاني التي من أجلها تأسست، وتحمل اسمها «الرعاية والضمان الاجتماعي»، ثم إن الشخص الذي كانت الدعوة لزيارته؛ وهو السيد بكري أحمد عديل شخص غير عادي، فهو جملة من القيم والمعاني التي تستحق الإحتفاء. وفكرة الزيارة التكريمية للسيد بكري عديل جاءت من وزير الدولة الأخ إبراهيم آدم إبراهيم، فلما نقلتها الوزيرة الأخت أميرة الفاضل للنائب الأول الأستاذ علي عثمان محمد طه رحب بالفكرة وتبناها، وعلي عثمان رجل يعرف أقدار الرجال ويحفظ لهم مقاماتهم، وبكري عديل مقامه كبير. لقد استحسن السيد بكري عديل وأهله الزيارة أعظم استحسان، ووجدوا فيها تقديراً ووفاءً لرمز أسرتهم؛ لما قدم لهذا الوطن من عطاء وتضحيات، ومعلوم أن نضال السيد بكري عديل بدأ منذ خمسينات القرن الماضي عندما كان طالباً في جامعة الخرطوم، فكانت له مشاركات واضحة في مناهضة الاستعمار، ورغم أن بكري عديل انتمى منذ وقت مبكر للتيار الاستقلالي وحزب الأمة، وهو أنصاري بالميلاد، لكنه لم يتخل يوماً عن انتمائه الوطني القومي، والإعلاء من شأن الوطن وقضاياه وهمومه. وأسرة عديل من الأسر السودانية العريقة، وشأنها شأن كل الأسر الممتدة الراسخة، تكاد تجد السودان فيها كله مجسداً؛ فلقد جمعتها المصاهرة مع كل قبائل السودان وأهله، وانتشرت في كل ربوع السودان، وفي كل بلاد المهجر العربي والإفريقي والغربي، وتوزع أبناؤها الانتماءات السياسية والحزبية والمدارس الفكرية، إلا أن النبع الأصيل الذي نهلوا منه شربتهم الأولى عصمهم من الذلل، فمهما تنوعت انتماءاتهم السايسية فكلهم يعلون من شأن الانتماء للسودان، الوطن الشامخ، ويقدمونه على ما سواه. ورعاية النائب الأول علي عثمان محمد طه لمثل هذه المبادرات واهتمامه برموز الوطن من كل القوى السياسية الأخرى يؤكد قومية الدولة واحترامها لنفسها، ويدحض كل الشائعات التي تدعي أن أهل الحكومة لا يحترمون مخالفيهم الرأي والموقف السياسي، ولقد نظر السيد بكري عديل للزيارة بهذا المنظار، وأكد أنه على استعداد لتقديم كل ما في وسعه؛ لخدمة الوطن، وما في وسع بكري عديل كثير، وتكفي خبراته وحكمته ومخزون معلوماته الوافر، ومثله سيكون له دور كبير في هذه المرحلة بإذن الله تعالى، وهي مرحلة تحتاج أن يتجاوز فيها أهل السودان انتماءاتهم الضيقة؛ من أجل وطن يبنونه معاً يسعهم جميعاً. ولما حرضت الأستاذة أميرة الفاضل السيد بكري عديل لتسجيل مذكراته، وجدتها فرصة من ذهب، فاغتنمت هذه السانحة لأفوز بهذه الثروة الفنية والفضل العظيم، فأبديت استعداداً لتبني إعداد هذه المذكرات ونشرها، وسنبدأ في ذلك فوراً بإذن الله تعالى، فلعلنا بذلك نسهم في كتابة بعض السطور في تاريخ بلادنا التي يعتبر السيد بكري عديل من صناعه، وحسناً فعلت وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي بأن أبقت على برنامج تواصل حيّاً ونابضاً، وهو البرنامج الذي ترعاه رئاسة الجمهورية، ويقوده الرئيس البشير شخصياًَ، وكان ينشط في شهر رمضان المعظم للتواصل مع رموز العطاء الوطني في كافة مجالات الحياة، ومثل هذا التواصل مطلوب ألا ينقطع، ولا يقتصر على شهر رمضان وحده، فتواصله يحافظ على هذه السنة الحيمدة، ويبدو أن الوزيرة أميرة الفاضل قد وجدت نفسها في هذا البرنامج، فهي تتعامل معه بمحبة شديدة، وحسناً جاءها في الوزارة الأخ إبراهيم آدم من وزير دولة، وهو من ذات طينتها الإنسانية، ونحييها على اختيارها للأخ السفير أحمد التجاني سوار مديراً تنفيذياً لمكتبها، وهو شاب هميم، ولقد وجدته كما عرفته لم يفقد شبابه، ولا همته، وزاد عليها خبرة السنين وتجاربها، ونرجو أن يزيد من إيقاع الوزارة التي نعول عليها كثيراً، وهي في نظري أم الوزارات.