وصف الكثيرون العام 2013م بأنه الأسوأ، فقد وصلت فيه أحداث العنف الدموي أقصى درجاتها على مستوى الدول العربية والأفريقية. ففي مصر حدث انقلاب عسكري أطاح بالسلطة الشرعية بعد الاستقطاب الحاد بين الأخوان المسلمين وخصومهم من السياسيين، مما دعا وزير الدفاع للتدخل للإطاحة بمرسي ولكنه فيما بعد انحاز للطرف الآخر مما أشعل فتيل الأزمة، فأصبح جنود القوات المسلحة والأمن والشرطة يوجهون سلاحهم من صدور أخوانهم في الرئيس ولكن هل سيشهد العام الجديد 2014م استقرار مصر السياسي. لا أظن ذلك فأزمة الحكم في مصر يمكن أن تعصف باستقرار الدولة المصرية. في لبنان ذلك البلد الصغير واحة الديمقراطية في العالم العربي لكنه رغم ذلك يشهد تفجيرات دموية يتم فيها تصفية الخصومات في فترات متقاربة، أصبحت تلك التفجيرات جزءا من تراث وتقاليد العمل السياسي، في لبنان يلجأ إليها الجميع وباتت جزءا من آليات الديمقراطية اللبنانية الطائفية. في العراق لا تزال الأزمة مشتعلة منذ العام 2003م عندما اجتاحت القوات الأمريكية أقوى الجيوش العربية لكسر شوكتها، وأطاحت بحكم صدام حسين، وأطاحت معه باستقرار ذلك البلد القوي، لقد أصبح جيش العراق في عهد المالكي يوجه نيرانه لصدور أبنائه وباتت مهمة جيش العراق هي حماية السلطة بدلاً من حماية الدولة من تهديد إسرائيل، لقد مزقت الطائفية العراق وأحالته إلى أشلاء متنافرة، حيث الصراع بين السنة والشيعة.. العرب والأكراد.. المسلمين والمسيحين الخ.. هل تشهد الأعوام القادمات تفكك العراق وانقسامه إلى دويلات كما تريد ذلك أمريكا وإسرائيل؟ في سوريا أكثر من مئة ألف شهيد والمجتمع الدولي لا يتحرك نصب اهتمام أمريكا على أبنائه ترسانة سوريا الكيماوية في الصفقة التي قدمها الأسد نظير بقائه في السلطة، صفقة تجعل إسرائيل دولة أكثر أمنا لم تعبأ بعدها أمريكا بما يفعله الأسد بشعبه، تفكر أمريكا ألف مرة وتخشى البديل الإسلامي الذي يمكن أن يخلف الأسد وتعمل بالمقولة المشهورة (جن تعرفه خير من جن لا تعرفه). تطول القائمة في تونس.. ليبيا.. اليمن.. البحرين. وفي جنوب السودان تدور حرب مصالح اتخذت طابعاً عرفياً بين سلفاكير ونائبه السابق مشار. هل يمكن حل كل تلك المشاكل في عام واحد؟ يحتاج الأمر إلى عشرات السنين، فالأزمة مستحكمة وطرق حلولها تبدو أكثر تعقيداً.. فأطراف داخلية وخارجية تعمل على إدامتها واشتعالها بشكل دائم. تشكلت خارطة الفعل السياسي العربي في تصنيفات جديدة تبدو شاذة وغريبة، فالجيوش العربية تحمي رؤساءها وتنزل للشارع لحماية النظام، مما يضعف من مقدرات وعقيدة تلك الجيوش، فمواجهة المواطنين بالسلاح شيء ومواجهة الجيوش للأعداء شيء آخر مختلف تماماً يحتاج إلى إعداد وتدريب لا تتوفر بجيش أصبحت مهمته الأساسية حماية الرئيس في تهديد شعب أعزل من السلاح. لدى حكومات الدول العربية تقاليد راسخة في (صناعة الدساتير) بمقاسات تجعل من كل السلطات في يد الرؤساء وتجعل من الديمقراطيات وحقوق الإنسان أشياء شكلية موثقة في تلك الدساتير.. لكن لا يمكن تطبيقها بسبب تركز كل السلطات في يد الرؤساء وأحزابهم وحاشيتهم. لدى الدول العربية تقاليد راسخة في الفساد المنظم بكل ضروبه وأشكاله، يعترفون به ولا تجد بطانة الرئيس حرجاً في ممارسته وتحرص كل البطانات على (الكيكة)، مما يجعلها في موقف المستميت من أجل المحافظة على مصالحها.. ففي تعينيات القضاه الأخيرة في مصر مثلا أتضح أن أكثر من ربع تلك تعيينات كانت من نصيب أبناء القضاة ويمكن أن تقيس على ذلك تعينيات أساتذة الجامعات والشرطة والجيش ومن يدخلون كليات الطب من أبناء كبار الأطباء ويتخرجون منها بامتياز.. ذلك هو قمة فساد جديد يهدف إلى توريث الأبناء وظائف آبائهم في الخدمة المدنية ومؤسسات الدولة، بل وحتى رئاسة الجمهورية الأمر الذي أشعل فتيل ثورة 25 يناير 2011م التي أطاحت بالرئيس مبارك. تخشى بطانة الرئيس أي تغيير في السلطة بطريقة سلمية أو غير سلمية مما يعرضها للمساءلة القانونية فهي تعمل بالمبدأ (إما قاتل إما مقتول) لذلك تستعين تلك البطانة بالجيش لحمايتها. { إذاً لا يكفي عام أو أثنان لإحداث تغييرات في المشهد السياسي يحتاج الأمر إلى عشرات السنين ولكن هل تنجح؟ لا أعتقد أن الأمر بمثل هذه السهولة.