حققت مدينة بورتسودان حاضرة البحر الأحمر قفزة بمجال الإعلانات لتتحول لتحفة فنية، ومع أن الأمر ليس لافتاً في ظل التطور التقني، لكنه يصبح كذلك بعد أن تدرك أن وراء هذا الجمال رجل مقعد يجر كرسياً "مدولب". وانطلقت تصاميم معظم اللوحات التي تزين شوارع المدينة من حاسوب يملكه المصمم باسل حميدو المصاب بالإعاقة منذ صغره، لكنه عوض نمو جسمه الصغير بعقل كبير يختزن مهارات نادرة في مجال فن الجرافيك. وحاز الشاب الثلاثيني على عدد من الجوائز في مجال عمله، وتم تكريمه من قبل شرطة المرور التي أكدت بدورها أنه من خلال تصاميمه وأفكاره النيرة جنَّب المنطقة الكثير من الحوادث من خلال إرشادات بسيطة صاغها لتحذير المواطنين. صدى واسع ومن ضمن هذه الشعارات التي تركت صدى واسعاً في نفوس المواطنين "لسلامتك أجل مكالمتك"، كما ساهم باسل الذي يعمل المسؤول الفني بشركة البتول أكبر الشركات الإعلامية في المدينة في العديد من برامج التوعية هناك. وقاد باسل الذي أثبت نجاحاً كبيراً في مجال عمله عدد من الحملات الانتخابية في الانتخابات التي جرت في السودان في أبريل الماضي، وهي كانت نقطة انطلاقة حقيقية للشاب الذي يحتفظ برصيد كبير من الأعمال الفنية الموزعة على شوارع المدينة والمعلقة على الشركات والمحال التجارية. ولم يقتصر نجاح باسل المقعد على الجوانب العملية بل تربع على مكانة عالية في الأسرة التي يعد حالياً أكبر أبنائها برغم صغر سنه. ويقول أبيه لبرنامج كاميرا الشروق إن باسل حجر الزاوية في الأسرة ويدير له أعماله وهو العقل المفكر لها كما يشاركه همومه وهواياته. حاجة متبادلة " باسل يقول إن الإمعان في تصرفات فرس البحر وحركته الدؤوبة تحرره من الشعور بالإعاقة وتنطلق به إلي آفاق أرحب بعيداً عن التفكير في الجسم الفاني وتحفزه لابتكار أفكار جديدة " ويؤكد السمؤال حسن الصديق المقرب إلى باسل وأحد أقربائه حيث يقوم بترحيله إلي مكان عمله وحمله من على المقعد إلى السيارة إن حاجته إلى هذا الشخص أكبر بكثير من حاجة باسل إليه، مؤكداً أنه يستفيد منه استفادة قصوى في كافة المجالات على الصعيدين العملي والخاص. ويحتفظ باسل الذي يمتاز بسعة الصدر بعلاقات مميزة مع الأصدقاء ومع زملائه في العمل وبنفس المجال، وتجاوزت علاقاته البشر ممتدة إلى البحر حيث تجمعه صداقة حميمة مع فرس البحر وهو يستغرق ساعات طوال لمحاكاته. ويقول باسل للشروق إن الإمعان في تصرفات فرس البحر وحركته الدؤوبة تحرره من الشعور بالإعاقة وتنطلق به إلي آفاق أرحب بعيداً عن التفكير في الجسم الفاني وتحفزه لابتكار أفكار جديدة. وتضيف أم باسل مريم عبد الله للشروق أن ثقتها في إمكانات ابنها كبيرة فهو مسكون بالإبداع مؤكدة أنها بذلت في صغره جهداً كبيراً حتى يصير سوياً ويمشي على قدمين كبقية البشر، لكنها اكتشفت لاحقاً أنه أفضل بكثير من أناس يتمتعون بالصحة لكنهم لا يملكون ولو قسط بسيط من ذكائه. ولباسل علاقة مميزة مع فأرة الكمبيوتر التي تلاعبها أنامله فتخرج أَشكال جذابة من الفن.