بقلم: مالك محمد طه مدير تحرير صحيفة الرأي العام السودانية أتيحت لي فرصة أداء الحج لهذا العام ضمن البعثة الإعلامية لهيئة الحج، ورغم أنني كتبت بعض حلقات عن موضوع الحجيج السوداني، والجهات التي لها علاقة بهذا الموضوع مثل شركات الطيران، والبعثة الطبية، إلا أنني على قناعة أن الحج في السودان يحتاج إلى الكثير، حتى يؤدي مواطنونا الفريضة مثلهم مثل الآخرين، دون أن تسير بإخفاقاتنا الإدارية الركبان والصحف السيارة. في هذه المادة أريد التركيز على موضوع مختلف فيما يتعلق بالحج، وهو جانب لا يحظى بكثير نقاش رغم أنه يتعلق بالحاج نفسه، وليس بالهيئة العامة للحج ولا الطيران ولا غيره، وأظن أن الأقلام التي تتناول فريضة الحج، والإخفاقات التي تصاحبه، تغفل الإشارة إلى الشريحة الأهم، وهي الحجاج أنفسهم. الحجاج الذين ينوون أداء الفريضة هم المخاطب الأول بالتكليف الشرعي الوارد ذكره في القرآن الكريم (وأتموا الحج والعمرة لله) وبالتالي فهم أولى العناصر بالبحث فيما إذا كانوا على إدراك ومعرفة بالتكليف الشرعي نفسه، ومن ناحية لياقتهم البدنية والطبية ومدى قدرتهم على أداء النسك، ومن ناحية تأهيلهم وتدريبهم على كيفية أداء الفريضة. هناك بعض الأمثلة التي أريد أن أعرضها على السادة القراء حتى تكون بمثابة القاعدة التي ننطلق منها في التفكير في أفضل السبل التي من شأنها أن تعين الجميع في تحسين الظروف الذاتية والموضوعية التي يمكن عبرها تأدية فريضة الحج. ،،، الحجاج الذين ينوون أداء الفريضة هم المخاطب الأول بالتكليف الشرعي الوارد ذكره في القرآن الكريم (وأتموا الحج والعمرة لله) وبالتالي فهم أولى العناصر بالبحث ،،، ومن باب الإنصاف فإن هذه الأمثلة لم أكن شاهداً عليها كلها، وإنما شاهد على بعضها، وناقلاً لبعضها الآخر من أفواه ثقات رافقتهم خلال الرحلة المقدسة. (المثال الأول) أثناء أيام الحج التي يكون الحاج فيها محرماً - بزي الإحرام- (تبدأ من الوقوف بعرفة وحتى رمي جمرة العقبة يوم النحر)، نال الإعياء والتعب من أحد الحجاج السودانيين من كبار السن، حتى أنه أصيب بإسهال، ويبدو أن ذلك بسبب تردي صحة البيئة في مخيمات منى، فما كان من الذين مع الرجل إلا أن خلعوا عنه زي الإحرام الذي كان عليه، وقدموا له جلابية ليرتديها. ما فعله هؤلاء بالرجل المسكين وما وافقهم هو عليه، هو أنهم نفوا عنه صفة المحرم وأسبغوا عليه صفة المتحلل، مع أنه ليس كذلك، وبذلك يكون هذا (الحاج) قد تحلل من إحرامه قبل أن يؤدي المناسك المطلوبة منه شرعاً. ويبدو أن الرجل والذين معه كانوا على جهل بعملية الإحرام والتحلل. (المثال الثاني) هناك عدد من حالات الإنزلاق والكسور للحجاج السودانيين، خاصة من كبار السن، تحدث بسبب أرضية الغرف والحمامات في أماكن السكن بمكة المكرمة، والأرضية بالطبع في المساكن من السيراميك، وقد أشار عدد من المتابعين لأعمال الحج، إلى أن اختلاف طبيعة هذه المساكن عن البيئة التي جاء منها هؤلاء الحجاج هو أحد الأسباب الرئيسية لحوادث الإنزلاق، خاصة الذين قدموا لأداء المناسك من بيئة لا توجد بها حمامات أصلاً حتى ولو بلدية. (المثال الثالث) في ليلة المبيت بالمزدلفة تاه أحد الحجاج السودانيين، كان كبيراً في السن، وكان يرتجف من الإعياء والجهد، وجده بعض الحجاج المصريين في الطريق بين عرفات ومزدلفة، وأحضروه إلى أرض مزدلفة على أمل أن يتم إلحاقه بزملائه السودانيين، أمره من أحضره بأن ينتظر إلى جانبنا، ريثما يحاول أن يجد من يعرفه من السودانيين، ولكن لضعف إدراك الرجل وربما لضعف سمعه، فقد تاه مرة أخرى. كان يجلس إلى جانبي مولانا جلال الدين مراد مسؤول الإرشاد بالبعثة، بعد أن رأى حالة الرجل أخبرني بأن شرط الاستطاعة لا ينطبق عليه، فهو غير لائق بدنياً لأداء النسك، وتساءلت: من الذي قرر أن بإمكان هذا الرجل أن يؤدي فريضة الحج؟. وبعد السؤال والتقصي علمنا أن الرجل جاء إلى الحج على نفقة ابنه المقيم في المملكة العربية السعودية، من الواضح أن الابن حاول أن يبر أباه بتمكينه مالياً من أداء شعيرة الحج، - كعادتنا نحن السودانيين - ولكن كان بإمكان هذا الابن أن يحج إنابة عن أبيه، فهو الأقدر على أداء الفريضة. (المثال الرابع) في صالة مطار المدينةالمنورة، كان منظر بعض الحجاج السودانيين يعبث على (لا أدري ما هي الكلمة المناسبة، هل أكتب الرثاء، أو الشفقة، أو كلمات من قبيل الدهشة والاستغراب)، المهم سأحكي لكم وبعدها قرروا ما هي الكلمة المناسبة. معظم الحجيج كانوا من النساء وكبار السن، ملأوا الصالة على سعتها بانتظار طائرة الخطوط الجوية السودانية، في هذه الأثناء قدّم أحد الموظفين السعوديين (استمارة) للمسافرين لتعبئتها ببعض المعلومات المطلوبة، كانت النتيجة الطبيعية أن أعداد منهم لا يعرفون القراءة والكتابة، حاول أحد السعوديين أن يملأ الاستمارات بنفسه، ولكن لأن العدد كان كبيراً فيما يبدو، فقد أمره موظف آخر بألا يملأ أي استمارة، وأشار إلى أنه في مثل هذه الحالة يجب أن يكون هناك شخص مسؤول عن هؤلاء الحجاج. ،،، صالة مطار المدينةالمنورة كان منظر بعض الحجاج السودانيين فيها يعبث على (لا أدري ما هي الكلمة المناسبة)، المهم سأحكي لكم وبعدها قرروا ما هي الكلمة المناسبة ،،، في ذات الصالة لاحظت أن الأمتعة والعفش الذي يحمله هؤلاء الحجاج ويتم تصنيفه على أنه (بصحبة راكب) كان شيئاً فوق طاقتهم، ومعظم الركاب كما ذكرت هم أحد الضعيفين أو كليهما (امرأة أو كبير سن). كل واحدة من النساء كانت تحمل أكثر من شنطة (بصحبة راكب)، ويبدو أنها هدايا لبنتها أو ابنها، أو أبناء وبنات بناتها، أو أبناء وبنات أبنائها.. وهكذا إلى آخر سلسلة الأسر الممتدة، حتى ليخيل إليك أن الواحدة منهن لو استطاعت أن تحمل كل مافي أسواق السعودية لفعلت. ما أن انفتح باب الصالة إيذاناً بالتوجه نحو الباص الذي يقل المسافرين إلى الطائرة حتى تدافع الحجاج دون اكتراث للصف الذي حاول الموظف السعودي أن ينظم عبره إجراءات الركوب دون جدوى، وكان المنظر لا يليق أبداً بحجاج من المفترض فيهم التحلي بسيماء المحرم الذي لا يلتقط لقطة ولا يصيد صيداً ولا يرفث ولا يصخب ولا يأتي بأفعال تنافي الوقار. في مثل هذا الوضع - وضع أن تحمل نساء كبار في السن أمتعة ثقيلة ينوء بحملها الشباب، يضاف إليه التدافع لركوب البص - سقطت امرأتان بين باب الصالة والباص، وتناثر العفش وتناثرت الأوراق (التذكرة، وإذن المرور)، والمؤسي في الموضوع أن أحد أفراد الأمن السعودي كان يصر على حضور الطبيب قبل أن تواصل المرأة مشوارها، بينما يصر البعض الآخر من السودانيين على أن الموضوع لا يحتاج إلى طبيب (وقعة وحاتقوم منها). (المثال الخامس) قبل الصعود إلى سلم طائرة سودانير، وقفت امرأتان على سلم الطائرة وهما في حالة تردد، سألتني إحداهما: هل ستكون وجهة الطائرة الخرطوم أو أمدرمان، أخبرتهما بشيء من الحزم أنه لا توجد طائرة أصلاً متجهة إلى أم درمان فكل الطائرات تهبط في مطار الخرطوم وبعدها يمكن للراكب أن يتجه إلى أم درمان، حاولت المرأة أن تمتنع عن الركوب لأنها تريد أن تذهب إلى أم بدة - إن لم تخني الذاكرة - تحدثت معها بصورة آمرة أن تركب لأنه لا توجد طائرة متجهة إلى أم درمان (اللهم إلا بعد افتتاح المطار الجديد)، وأخيراً اقتنعت المرأة وركبت. ،،، إصدار سودانير لتذاكر سفر بدون زمن إقلاع محدد، وبدون رقم مقعد على التذكرة، يعزز الشعور بأن موضوع الركوب في الطائرة هو مثل (المدافرة) التي تحدث في بصات المواصلات ،،، فاتني أن أقول إن إصدار سودانير لتذاكر سفر بدون زمن إقلاع محدد، وبدون رقم مقعد على التذكرة، يعزز الشعور بأن موضوع الركوب في الطائرة هو مثل (المدافرة) التي تحدث في بصات المواصلات، فالكل في سباق من أجل الحصول على مقعد، لأن التذكرة لا تساعد في حجز مقعد معين، وإزاء هذا يخيم شعور وسط بعض الركاب أنه قد يصعد على متن الطائرة ولكنه قد يفاجأ بأنه ليس هناك مقعد أصلاً. أردت أن أخلص من هذه الأمثلة المذكورة - وهناك أمثلة أخرى بالطبع - إلى أن شريحة الحجاج التي تؤدي الفريضة هي في غالبها من كبار السن الذين بحاجة إلى تدريب مكثف على أعمال الحج وفقهه قبل التوجه إلى المملكة العربية السعودية، أو أنهم بحاجة إلى من يؤدي الفريضة إنابة عنهم، خاصة أن أداء هذه الشعيرة عن الغير فقه كاد يندثر.