قبل أنْ تأخذك قدماك إلى "سودان بوكشوب"، أقدم مكتبة في السودان، تدهمك أكوام القمامة والنفايات، إذْ تحتل عربة لودر كبيرة الشارع المؤدي إليها، وبعد تخطيك أكوام الأوساخ تلتقيك حفرةٌ كبيرة؛ ربما كانت لانفجار شبكة المياه. ذات هذا المشهد غير المريح للنظر، يستمر معك وأنت تضع أولى أقدامك داخل المكتبة، فالغبار يملأ الأرفف حدَّ امتلائها به. وما تبقى من محلٍ لم يملأه الغبار تملأه الكتب المعروضة. لكن العنوان الأبرز في سودان بوكشوب هو الغبار العالق على الكتب. المدير العام للمكتبة، الطيب محمد عبدالرحمن، قال ل"شبكة الشروق" بحسرةٍ، إنْ عدد رواد المكتبة في اليوم لا يتعدى الثلاثة إلى أربعة، لكن حتى هؤلاء الثلاثة أو الأربعة لا يشتري منهم إلا واحد في اليوم. وتظل المكتبة بلا مبيعات ولأكثر من عشرة أيامٍ متتالية. إيرادات المكتبة " طيلة عشر سنواتٍ يصرف الطيب على المكتبة العريقة من ماله الخاص، ويُرجع ذلك إلى حبه لهذا العمل وارتباطه به وجدانياً، هذا بالإضافة إلى وصايا الكثيرين منهم البروفيسور الراحل علي المك الذين أوصوه بألا يقفل أبواب هذه المكتبة " وأرجع الطيب ذلك إلى الحالة الاقتصادية الخانقة في السودان. بعدها حكى لنا عن معاناته الشخصية مع الإيجارات والكهرباء والضرائب التي يدفعها من ماله الخاص، إذ لا تكفي إيرادات المكتبة لرواتب العاملين فيها، فالمكتبة على حد قوله- خاسرة خاسرة. طيلة عشر سنواتٍ يصرف الطيب على المكتبة من ماله الخاص، حيث يعمل في بعض الأعمال التجارية يستعين بأرباحها في الصرف على المكتبة، ويُرجع الطيب ذلك إلى حبه لهذا العمل وارتباطه بها وجدانياً، هذا بالإضافة إلى وصايا الكثيرين منهم البروفيسور الراحل علي المك، الذين أوصوه بألا يقفل أبواب هذه المكتبة. هذا العام تُكمل مكتبة "سودان بوكشوب" عامها ال(110)، فقد أُنشئت في العام 1902م، وصارت منذ ذلك التاريخ تُشكِّل واحدةً من بؤر الإشعاع المعرفي والثقافي في السودان. مشاكل كثيرة واجتذبت المكتبة الكثير من قادة الأدب والتاريخ والفكر والسياسة في السودان، لكنها الآن تعاني مشاكل كثيرة تجعل من إغلاقها أمراً حتمياً، وسيصحو الناس في يومٍ من الأيام على خبر إغلاق المكتبة. هذا إذا لم يلتفت إليها المسؤولون في وزارة الثقافة وفي وزارة السياحة والآثار، باعتبار أنّ مكتبة سودان بوكشوب صارت معلماً أثرياً ومهماً في السودان واجب الحفاظ عليه، وصار من واجب الدولة الحفاظ عليه؛ لأن في ضياعه ضياع لتاريخ السودان، وذاكرته الثقافية. من جهةٍ أخرى، فإن مدير المكتبة يُناشد وزير الثقافة والإعلام بالتدخل العاجل في أمر إيجار المكتبة، أو في تيسيير أمر حصول المكتبة على قطعة أرض، فقد تمّ التصديق منذ العام 2008م بقطعة أرض للمكتبة. رسوم مفروضة " كثيرون من الذين يهمهم أمر سودان بوكشوب من المثقفين، أكدوا أن القضية برمتها بين يدي وزارة الثقافة ويشددون علي أن المكتبة تحمل بين جدرانها تاريخاً وإرثاً معرفياً كبيراً، لا يمكن أنْ يُترك للإهمال " لكنه يؤكد أن وزارة التخطيط فرضت ما يقارب ال(3) مليارات (بالقديم) كرسوم لقطعة الأرض، وهذا المبلغ، بحسب الطيب (مبلغ خرافي)، ومن الأفضل أنْ يدفعه في الإيجار لسنوات بدلاً عن دفعه رسوماً لقطعة في آخر الخرطوم. ويري كثيرون من الذين يهمهم أمر "سودان بوكشوب" من المثقفين، أكدوا ل"شبكة الشروق"، أن القضية برمتها بين يدي وزارة الثقافة، ف"سودان بوكشوب" تحمل بين جدرانها تاريخاً وإرثاً معرفياً كبيراً، ولا يمكن أنْ يُترك للإهمال. وليس من المصلحة العامة أنْ تغلق أبوابها، بحسب إفادات عديدة لكُتَّاب وأدباء تحدثوا ل"شبكة الشروق". في السياق ذاته، يتخوَّف كثيرون من مصير "سودان بوكشوب" ويرى بعضهم أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة إن لم تتداركها وزارة السياحة والآثار السودانية باعتبار أنّ أي معلم أو مؤسسة أو مبنى طال عمره ال(100) عام يُعدّ معلماً سياحياً وأثرياً واجب الحفاظ عليه والاهتمام به.