والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    بايدن يعين"ليز جراندي" مبعوثة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    دبابيس ودالشريف    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاجتماع الثُلاثي القادم حول سدِّ النهضة: التحديّات والفُرص
نشر في شبكة الشروق يوم 18 - 08 - 2014

وافقت مصر وإثيوبيا، خلال اللقاء الذي تمّ بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإثيوبي أثناء اجتماع الاتحاد الأفريقي الشهر الماضي في مدينة مالابو عاصمة غينيا الإستوائية، على العودة إلى طاولة المفاوضات حول سدِّ النهضة. وتجري الآن اتصالاتٌ مكثّفة بين الدولتين حول زمان ومكان الاجتماع القادم للدول الثلاثة: إثيوبيا ومصر والسودان، حول أجندة الاجتماع.
وكانت الاجتماعات الثلاثية بين إثيوبيا ومصر والسودان حول سدِّ النهضة قد توقّفت في شهر يناير الماضي بسبب فشل مصر وإثيوبيا في الاتفاق على كيفية تطبيق توصيات اللجنة الدولية لسدِّ النهضة.
شملت توصيات اللجنة الدولية إجراء مزيدٍ من الدراسات عن تأثيرات السد البيئية والاجتماعية، وعلى انسياب النيل الأزرق إلى السودان ومصر.
وقد طالبت مصرُ إثيوبيا بوقف بناء السد حتى تكتمل الدراسات. كما طالبت مصرُ أيضاً أن تقوم بهذه الدراسات جهاتٌ دولية.
وقد رفضت إثيوبيا الطلبين موضّحةً أن دور الجهات الدولية قد انتهى بانتهاء اللجنة من أعمالها في نهاية شهر مايو عام 2013.
غير أن إثيوبيا أبدت بعض المرونة، وقبلت أن يقوم بالدراسات فريق عملٍ يشمل فنيين من مصر والسودان وإثيوبيا فقط.
وقد رفضت مصر ذلك العرض، وأصرّت على مطلبيها بوقف بناء السد وتكوين لجنة دولية للقيام بالدراسات.
لم يتمكن الطرفان من التوصّل لحلٍ وسط بين هذين الموقفين، وتوقّفت الاجتماعات في شهر يناير الماضي لمدة أكثر من ستة أشهر.
؛؛؛
الموقف السوداني حول سدِّ النهضة تبلور خلال الأشهر الأخيرة من السنة الماضية، فقد أعلن السودان رسمياً في شهر ديسمبر الماضي عن تأييده لسدِّ النهضة
؛؛؛
تأييد سوداني
كان الموقف السوداني حول سدِّ النهضة قد تبلور خلال الأشهر الأخيرة من السنة الماضية.
فقد أعلن السودان رسمياً في شهر ديسمبر الماضي عن تأييده لسدِّ النهضة بعد أن اتضح للسودان الفوائد الكبيرة التي سيجنيها من السد.
وتتلخّص هذه الفوائد في حجز السد لجزءٍ كبير من الكميات الضخمة من الطمي الواصلة للسودان من الهضبة الإثيوبية، وكذلك وقف الفيضانات المدمّرة.
وتشمل فوائد السد على السودان أيضاً انسياب النيل الأزرق طوال العام مما سينتج عنه تنظيمُ التوليد الكهربائي وتعدّدُ الدورات الزراعية، وتواصلُ تغذية المياه الجوفية طوال العام.
كما اتضح للسودان إمكانية الاستفادة من كهرباء السدود الإثيوبية عندما باعت إثيوبيا للسودان مائة ميقاواط من كهرباء سد تكزي بسعر التكلفة، والذي يقلُّ عن ربع تكلفة توليد الكهرباء من سد مروي.
ويبدو أن الرؤية قد اتضحت للسودان من إمكانية سدّ عجزه من احتياجاته من الكهرباء، والتي تصل إلى قرابة 40% من إنتاجه الحالي، من كهرباء إثيوبيا الرخيصة.
وهذا بدوره قد يعني تجميد التفكير في بناء أي سدودٍ جديدة في السودان للتوليد الكهربائي (خصوصاً مع غياب التمويل)، والتعاقد مع إثيوبيا على شراء كمية من كهرباء سد النهضة الرخيصة والتي سيبدأ توليدها العام القادم.
وقد سهّل اكتمال خط الربط الكهربائي بين السودان وإثيوبيا، والذي موّله البنك الدولي ومجموعة من المانحين، من إمكانية شراء الكهرباء من إثيوبيا حتى قبل اكتمال سد النهضة.
؛؛؛
الدولة الإثيوبية عرضتْ على السودان مدَّه بمياه الري من بحيرة السدِّ . ومن المؤمل أن يكون السودان قد بدأ في التفاوض مع إثيوبيا حول العرض
؛؛؛
نقص مائي حاد
كانت إثيوبيا قد عرضتْ على السودان أيضاً مدَّه بمياه الري من بحيرة سدِّ النهضة. ومن المؤمل أن يكون السودان قد بدأ في التفاوض مع إثيوبيا حول هذا العرض.
وسيتمُّ ذلك بشقِ قناة من إثيوبيا إلى ولاية النيل الأزرق لري الأراضي الزراعية هناك من مياه البحيرة.
وقد ظلّ السودان يعاني من نقصٍ حاد في التخزين المائي الذي لا يتجاوز سبعة مليارات متر مكعب، حتى بعد تعلية خزان الروصيرص، مقارنةً بتخزين مصر الذي يبلغ 162 مليار متر مكعب في بحيرة السد العالي.
وهذا يجعل السودان من أقل الدول في العالم في احتياطي المياه المخزّنة، رغم سدوده الكثيرة.
كما أن السودان قد فشل فشلاً متواصلاً منذ عام 1959 في استخدام نصيبه من مياه النيل بموجب اتفاقية عام 1959، كما أوضحنا مراراً من قبل.
وتبلغ استخدامات السودان السنوية الحالية 12 مليار متر مكعب فقط من نصيبه الذي يبلغ 18,5 مليار متر مكعب، كما أوضح وزير الري والموارد المائية السوداني السابق المهندس كمال علي.
وهذا يعني أن السودان يفشل سنوياً منذ عام 1959 في استخدام ستة مليارات ونصف متر مكعب من المياه .
عليه فإن مجمل المياه التي فشل السودان في استخدامها من نصيبه من مياه النيل منذ عام 1959 وحتى اليوم تزيد عن 350 مليار متر مكعب، ظلت وما تزال تعبر حدودنا الشمالية إلى الشقيقة مصر تحت سمعنا وبصرنا.
مما لا شك فيه أن سدَّ النهضة سوف يساعد السودان كثيراً في الاستفادة من نصيبه من مياه النيل الذي فشل السودان في استخدامه منذ عام 1959، كما سيساعد السدُّ السودانَ في تخزين نصيبه غير المستغل من مياه النيل للمساهمة في زيادة الاستخدام الحالي، ولمقابلة سنوات الجفاف التي تمرُّ بها المنطقة من وقتٍ لآخر، والتي ستتزايد مع التغييرات المناخية الكبيرة في شرق أفريقيا.
بعيون مصرية
وقد أكّد فوائد سد النهضة على السودان عددٌ من الخبراء المصريين "الحقيقيين" الذين درسوا وعملوا في مجال موارد المياه في جامعات ومنظمات دولية.
؛؛؛
الفوائد التي سيجنيها السودان من سد النهضة أكدّ عليها خبراء مصريين "حقيقيين" درسوا وعملوا في مجال موارد المياه في جامعات ومنظمات دولية
؛؛؛
ومن بين هؤلاء الخبراء المصريين الدكتور صفوت عبدالدائم الذي يحمل درجة الدكتوراه في علم هندسة الري من جامعة مرموقة في أمريكا، وعمل مستشاراً لشؤون الري بعددٍ من المنظمات الدولية من بينها البنك الدولي (حيث عملنا معاً واشتركنا في عددٍ من لجان ومهام البنك المتعلّقة بدراسات ومشاريع المياه).
فقد أوردت الصحف المصرية في شهر فبراير الماضي الآتي: "أكد الدكتور صفوت عبدالدايم الخبير في الشؤون الدولية، ومستشار وزير الري السابق، والأستاذ المتفرغ بالمركز القومي لبحوث المياه، أن دولة السودان من أكبر المستفيدين بعد إثيوبيا من بناء سد النهضة الإثيوبي.
وأضاف الخبير الدولي ل "الوادي" ستبدأ السودان في عمل مشروعات زراعية ضخمة مستفيدة من المياه التى سيوفرها السد الإثيوبي وستبدأ عصراً جديداً من المشروعات الزراعية إثر هذا السد. كما أكد "عبد الدايم" على أن سد النهضة الإثيوبي سيجعل المياه متوفرة طوال السنة للسودان، مشيراً إلى أن دولة السودان لم يكن لديها مخزون يحميها من الجفاف مثلنا، وهذا السد سيحميها جيداً." (انظر صحيفة الوادي، القاهرة، 23 فبراير عام 2014).
كما صرّح الخبير المصري الدكتور فاروق الباز مستشار وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) في شهر فبراير الماضي أيضاً «أن سد النهضة لن يؤثر على مصر والسودان، وكل حديث يدور بأن هناك آثاراً سالبة للدولتين عبارة عن كلام سياسي، لأن الدراسات العلمية أثبتت غير ذلك».
وقد كنا وما نزال نأمل بعد هذه التصريحات أن يتوقّف بعض الصحفيين المصريين عن نصح السودان في قضايا المياه، وخاصةً رفض سد النهضة، بعد أن يكونوا قد قرأوا آراء الخبراء الحقيقيين المصريين أنفسهم.
الرهانات الثلاثة
تحدثنا في مقالٍ سابق عن الرهانات الثلاثة لكلٍ من إثيوبيا ومصر والسودان حول سدِّ النهضة. فقد ذكرنا أن إثيوبيا تراهن على عامل الزمن.
؛؛؛
السدُّ أصبح حقيقةً واقعة لا يمكن تجاهلها، أو التحدّث عن إزالته، أو وقف العمل في بنائه، وهذا ما جعل مصر تعود لطاولة المفاوضات
؛؛؛
وقد اتضح جدوى هذا الرهان حتى الآن، حيث أن أكثر من ثلث الأعمال المتعلّقة بسدِّ النهضة قد اكتملت.
وقد أصبح سدُّ النهضة الآن حقيقةً واقعة لا يمكن تجاهلها، أو التحدّث عن إزالته، أو حتى عن وقف العمل في بنائه.
ومن الواضح أن هذا هو السبب الرئيسي لعودة مصر لطاولة المفاوضات بسبب عدم وجود أية خياراتٍ واقعية أخرى.
كان الرهان المصري مبنياً على فشل إثيوبيا في الحصول على التمويل اللازم لإكمال سدِّ النهضة.
فالتكلفة الإجمالية تقترب من خمسة مليارات دولار، وإثيوبيا قرّرت أنها ستبني السد من مصادرها الخاصة دون عونٍ أجنبي.
غير أن الرهان المصري يتناسى عامل الكبرياء الوطني الإثيوبي. فسدُّ النهضة لإثيوبيا الآن هو السدُّ العالي لمصر عام 1960.
كما أن سدود إثيوبيا الأخرى على نهر "أومو" (الذي لا علاقة له بنهر النيل) قد بدأت بالفعل في إنتاج الكهرباء، وبدأ بيعها لدول الجوار، مما سيوفر عائداً من العملات الأجنبية سيساهم في تغطية جزءٍ من تكلفة سد النهضة.
ويراهن السودان على أنه سيظل الوسيط الوحيد المقبول لمصر رغم تأييده لسد النهضة.
وسيؤكد أو ينفي ذلك الرهان الاتجاه الذي ستأخذه في الأشهر القليلة القادمة مجمل العلاقات المعقّدة والمضّطربة بين الخرطوم والقاهرة هذه الأيام.
توقعات الاجتماع القادم
ما الذي يمكن أن ينتج عنه الاجتماع القادم للدول الثلاث حول سدِّ النهضة؟
؛؛؛
الآثار الكارثية للسد العالي كانت كبيرة على السودان الذي فقد أكثر من 200,000 فدان من الأراضي الزراعية الخصبة، وأراضي أخرى كان يمكن استصلاحها للزراعة
؛؛؛
لقد كان يمكن لسدِّ النهضة عام 1959 (والذي كان اسمه السد الحدودي في ذلك الوقت) بقليلٍ من التفكير والتأنّي والتعاون أن يكون البديل للسد العالي ولخزان الروصيرص.
كان يمكن بناء سد النهضة (أو السد الحدودي) في بداية ستينيات القرن الماضي كمشروعٍ مشترك التمويل والملكية والإدارة بين إثيوبيا ومصر والسودان ليوفّر الكهرباء للدول الثلاث، ويوفّر مياه الري لمصر والسودان، ويوقف الفيضانات المدمرة في الدولتين.
كان يمكن لذلك المشروع المشترك، لكونه البديلَ لسدود مصر والسودان، أن يُجنِّبَ مصرَ والسودانَ إغراق أراضي زراعية ضخمة، وترحيل أكثر من 120,000 من النوبيين المصريين والسودانيين، ودفن قراهم ومساكنهم وتراثهم، وآثار وحضارات عمرها آلاف السنوات، تحت بحيرة السد العالي.
لقد كانت آثار السد العالي كارثيةً بصورة كبيرة على السودان الذي فقد أكثر من 200,000 فدان من الأراضي الزراعية الخصبة، وأراضي أخرى ضخمة كان يمكن استصلاحها للزراعة، وأكثر من مليون شجرة نخيل وحوامض في قمة عطائها. وغرقت في بحيرة السد العالي مدينة حلفا و27 من قراها، وآثار لا تقدر بثمن، وشلالات كان يمكن أن تولّد أكثر من 650 ميقاواط من الكهرباء.
وتمَّ الترحيل القسري لأكثر من 50,000 نوبي سوداني إلى أراضي رعيٍ لا تصلح كثيراً للزراعة.
ولم يستفد السودان حتى بميقاواط واحد من كهرباء السد العالي.
كما أن التبخّر والتسرّب في بحيرة السد العالي وحدها يستهلكان سنوياً أكثر من عشرة مليارات متر مكعب من مياه نهر النيل المحدودة أصلاً، بينما لا يُتوقّع أن يزيد التبخر والتسرب في بحيرة سد النهضة (أو السد الحدودي) عن مليار متر مكعب واحد في العام وذلك بسبب اعتدال الطقس في المنطقة وعمق بحيرة السد.
غير أن تعنّت مصر والسودان وقتها، وإقصاءهما لبقية دول حوض النيل من مفاوضات مياه النيل عام 1959، حال دون ذلك التفكير التعاوني والعقلاني والمنطقي لبناء السد الحدودي الإثيوبي كبديلٍ للسد العالي وخزان الروصيرص.
رفضت مصر والسودان طلبَ إثيوبيا المشاركة في المفاوضات وعرضَ مقترح سدودها.
وتم بناء سدّي مصر والسودان بتكلفة مالية وبيئية واجتماعية ومائية ضخمة (وغير ضرورية).
وهاهي إثيوبيا تردُّ عام 2011 على عزلها وإقصائها عام 1959، بينما تدفع مصر والسودان كل يومٍ يمر ثمن إقصائهما لإثيوبيا وبقية دول حوض النيل.
؛؛؛
المشاركة السودانية المصرية في إدارة وملكية سدِّ النهضة سوف تفتح الباب واسعاً للتمويل الخارجي، خصوصاً من البنك الدولي والصناديق العالمية والإقليمية الأخرى
؛؛؛
فرصة العمل المشترك
لكن الفرصة لعملٍ مشترك قد تكون أتاحت نفسها مرةً ثانية الآن، رغم أن التاريخ لا يكرّر نفسه.
لماذا لا تقبل وتتبنّى مصرُ والسودانُ رسمياً خلال الاجتماع الثلاثي القادم مقترحَ إثيوبيا أن يكون سدُّ النهضة مشروعاً مشترك التمويل والملكية والإدارة بين إثيوبيا ومصر والسودان؟
كانت إثيوبيا قد تقدّمت بهذا العرض مراراً في السنوات الماضية، ولكن مصر والسودان تجاهلتا ذلك العرض، ولم تناقشاه مع إثيوبيا أو تردا عليه.
كنا قد كتبنا عن هذا المقترح عدّة مرات من قبل، وأوضحنا أن قبول السودان ومصر للعرض الإثيوبي سوف يساهم في معالجة نقاط النزاع بين هذه الدول.
فسيجد السودان ومصر نفسيهما في موقع المشاركة في اتخاذ كافة القرارات في كل المسائل المتعلّقة بسدِّ النهضة بدءاً من ارتفاعه وحجم بحيرته والمدة الزمنية لملئها.
كما سيكونان طرفاً فاعلاً في مسألة سلامة السدّ وتأمينها والإشراف عليها. هذا بالطبع بالإضافة إلى الإشراف على إدارة وتنظيم المنافع الضخمة المشتركة من كهرباء ومياه ريٍ وأسماك، ووقفٍ للفيضانات.
ولا بُدّ من التذكير أن كهرباء سد النهضة (5,000 ميقاواط) تساوي أكثر من ضعف كهرباء السد العالي (2,200 ميقاواط)، وهو ما تحتاجه بشدّة مصر والسودان، ويكلّف إنتاجها ربع تكلفة كهرباء سدود مصر والسودان.
كما أن مشاركة السودان ومصر في إدارة وملكية سدِّ النهضة سوف تفتح الباب واسعاً للتمويل الخارجي، خصوصاً من البنك الدولي والصناديق العالمية والإقليمية الأخرى.
وسوف يتيح التمويل الدولي الفرصَ لدراساتٍ أكثر عمقاً وفنيةً في مسائل السدّ المختلفة، والتي يفتقدها السدّ في الوقت الحاضر، مما سيساهم في حلول أكثر علميّة واستمراريّة.
كما ستُلبّي مشاركةُ المنظمات الدولية مطالبَ مصر الحالية في أن تقوم جهاتٌ دولية بالدراسات الفنية للسد. فهذه المنظمات لا تشترك في تمويل أي مشروعٍ بدون دراسات مكثّفة وعميقة للمشروع.
مقترح على الطاولة
إننا نأمل أن يكون هذا المقترح على طاولة التفاوض، وأن يتبنّاه السودان ومصر، وأن يتم الاتفاق عليه من حيث المبدأ خلال الاجتماع الثلاثي القادم.
؛؛؛
المشروعٍ المائيٍ الضخم يحمل معه الكثير من التحديّات. لكن هذه التحديّات قد تنتج عنها فرصٌ إيجابية غير مسبوقة إذا تمّت مواجهتها بحلول تعاونية
؛؛؛
كما نأمل ألا يكون العرض الإثيوبي قد تآكل بفعل عامل الزمن، أو أن يكون الحماس الإثيوبي قد قلَّ بسبب تجاهل مصر والسودان لعرضها خلال السنوات الثلاثة الماضية، واكتمال أكثر من ثلث أعمال السد.
سوف تدخل اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية الدولية حيز النفاذ رسمياً في 17 أغسطس القادم بعد أن صادق عليها العدد المطلوب من الدول، حسب نصوص الاتفاقية.
وتنبني هذه الاتفاقية على ضرورة التعاون التام بين دول الحوض المشترك جميعها، والعمل معاً لتحقيق أقصى درجات الانتفاع من الحوض، والمشاركة في حمايته وإدارته.
وقد تمّ عقد مجموعة من الندوات والاجتماعات العالمية عن هذه الاتفاقية خلال الثلاثة أسابيع الماضية (حضرتُ كمتحدثٍ عدداً منها).
أكّدت كل هذه الندوات والاجتماعات على ضرورة التعاون في المجاري المائية الدولية تحت مظلّة هذه الاتفاقية.
من المؤكد أن الملكية والتمويل والإدارة المشتركة لسدِّ النهضة بين إثيوبيا ومصر والسودان سوف تجسّد أروع الأمثلة لهذا التعاون.
وسوف يفتح التعاون بين الدول الثلاثة في سدِّ النهضة الباب واسعاً لمشاريع أخرى مشتركة بين دول حوض النيل الإحدى عشرة (بدلاً من المشاريع الآحادية الحالية)، لتساهم هذه المشاريع في انتشال مئات الملايين من سكان دول حوض النيل من الفقر والجوع والعطش والظلام الذي يعانون منه الآن.
وسوف يكون التوافقُ على الملكية والتمويل والإدارة المشتركة لسدِّ النهضة بين الدول الثلاثة في نفس الشهر الذي ستدخل فيه اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية الدولية حيز النفاذ مثالاً رائداً ورائعاً للتعاون والعمل الجماعي الجاد في الأحواض المشتركة.
إننا نأمل أن يكون هذا المقترح على طاولة التفاوض خلال الاجتماع الثلاثي القادم.
إن كل مشروعٍ مائيٍ ضخم يحمل معه الكثير من التحديّات.
لكن هذه التحديّات قد تنتج عنها فرصٌ إيجابية غير مسبوقة إذا تمّت مواجهتها بحلول تعاونية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.