الجميل الفاضل البرهان وزيف السلطة بعمد أو بغير عمد، ظل الجنرال البرهان يخوض منذ صعوده الي السلطة، في سراب منطقة غامضة، أستطيع أن أُسَميها "منطقة زيف السلطة". المهم فان الجنرال برهان منذ أن طار الي عنتيبي الأوغندية في الثالث من فبراير سنة (20) للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، خارج صلاحياته الدستورية، إذ ظل هو منذ ذلك التاريخ يركل في لعبته المفضلة "الوثيقة الدستورية"، التي صار بموجبها رئيسا لمجلس السيادة الإنتقالي، والتي يزعم الي اليوم أنه يحكم وفق مشروعيتها، والي أن خاطب البرهان بالأمس القريب "الجمعية العامة" بأسم ذات الشرعية المفترضة التي يستمدها من هذه الوثيقة المفتري عليها نفسها، هذه الوثيقة التي مزقها البرهان في الواقع علي رؤوس الأشهاد، ولأكثر من مرة، قبل إنقلابه عليها في (25) اكتوبر (21) وبعده، بل والي يومنا هذا شر مُمزق. علي أية حال يبدو أن هذا الجنرال لا يستطيع ممارسة الحكم سوي في هذه المنطقة الرمادية التي تمنحه سلطات شبه مطلقة لا تحدها حدود، لا يقبل هو فيها التقيد بوثيقة أو باتفاق أو بقانون. فضلا عن أن حكم برهان الذي يمثل في أفضل حالاته الي الآن توصيفا انه "سلطة أمر واقع".. نجده في ذات الوقت يغالط حقائق هذا الواقع كل يوم ولا يعترف بها، حتي لو أن الناس قد قبلوا جدلا "الأمر الواقع" كمُحددٍ ومِعيارٍ، يكفي لإعتراف منقوص بسلطة هذا الجنرال، القائمة في حقيقتها علي ما يمتلكه من سلاح وقوة فقط، لا أكثر ولا أقل. ولعل من آخر تجليات "الظاهرة البرهانية" في التناقض مع الواقع وعدم إحترامه، بل وإحترام عقول من يصدر بشأنهم من قرارات، هو قرار تعيينه للسيد بحر الدين ادم كرامة واليا لولاية غرب دارفور، هذه الولاية التي تقع بالكامل تحت سيطرة قوات الدعم السريع. المهم فلكل سُلطةٍ زَيفُ سُلطة، إذ للسُلطةَ أيا كان نوعها ظِلٌ، يَضيقُ تارةً ويتسع تارة أخري، درج السودانيون علي وصف حالة مثل هذا الظل بأنه "ضُل ضَحا" قابل للإنكشاف أو الإنحسار، مع خط سير حركة الشمس الظاهرية وتبدلاتها. وبالتالي فإن السقوط في منطقة "زيف السلطة"، يصنع لدي من إنكمشت من بين أيديهم سلطتهم لسبب أو لاخر، شعورا زائفا بالقدرة علي ممارسة ذات السلطة التي كانت بحوزتهم في وقت مَدِها وتَمدُدِها، حتي وإن فقدوا من بعد هذه السلطة كليا أو جزئيا بقانون الجذر، هذا القانون الذي من شأنه أن يفقدهم بالطبع، قدرة مزاولتها كما كانت من قبل علي أرض الواقع. بل أتصور أن لمنطقة زيف السلطة، دوار كدوار البحر، لذا تجد من وقع في هذه المنطقة المتأرجحة، دائم التحسس بشكل لا إرادي مستمر لأدوات وأطراف سُلطانه، للتأكد علي الأقل من أن أطراف ومظاهر وأدوات هذا السلطان لا زالت فاعلة وموجودة في مكانها ولم تغادره. وقد يتخذ هذا التحسس احيانا شكل أقوال وقرارات تجافي العقل والمنطق والحقيقة، كالتصريحات التي تصدر من حين لآخر، خاصة من الجنرالين البرهان والعطا. والتي تعكس في بعض الأحيان صورة تهيوءات تكشف عن نوع من الغربة النفسية، فضلا عن وقائع في سيرة الرجلين، تثبت بلا شك عندي وجود قطيعة ما، لهذين الجنرالين مع الواقع.