شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    شاهد بالفيديو.. الفنانة منى ماروكو تهنئ أحمد الصادق وتلقبه بالأسد: (كان نائم في الغابة وقال أمرق بمزاجي وكجونكات حتى الممات)    رئيس مجلس السيادة يلتقي السفير الفلسطيني بمناسبة إنتهاء فترة عمله بالسودان    "مصر وسوريا".. إدارة ترامب تدرس إضافة 36 دولة إلى قائمة حظر السفر بينها دول عربية    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    توجيه عاجل لرئيس الوزراء السوداني    البشير يخاطب العاملين بمحلية الخرطوم    وصول 335 من المبعدين لدنقلا جراء أحداث منطقة المثلث الحدودية    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    المثلث الحدودي بين ليبيا والسودان ومصر.. صهر الجغرافيا في أتون الحرب    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    ترامب يبلغ نتنياهو باحتمال انضمام أمريكا إلى العملية العسكرية ضد إيران    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    الجهاز الفني للمريخ يضع برنامجا خاصا للنخبة    المريخ يعسكر ببورتسودان    جريمة بشعة لسودانيين بإفريقيا الوسطى    عمر العمر يكتب: بوصلة رئيس الوزراء السوداني    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    مدرب المريخ يصل الي القاهرة    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    تنفيذ حكم إعدام في السعودية يثير جدلاً واسعًا    ميسي: توقعات كأس العالم للأندية مختلفة مع ميامي    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    مصر توضّح حقيقة حدوث تغير في الخلفية الإشعاعية داخل أراضيها    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    يوم عيد وانتهى    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تثير ضجة غير مسبوقة: (ميادة قمر الدين تملك جنبات وصلب وشطرنج دايرة ليها راجل بس) والجمهور: (شكلك كترتي من الشربوت)    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    تفاصيل اللحظات الأخيرة لأستاذ جامعي سعودي قتله عامل توصيل مصري    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    علامات خفية لنقص المغنيسيوم.. لا تتجاهلها    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (13 – 20)
نشر في الصيحة يوم 18 - 03 - 2025


النور حمد
"لن يستطيعَ أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تَكُنْ مُنحنياً"
مارتن لوثر كينج
تلوُّن النظام الإخواني
لقد أجبرت الضغوط الشديدة التي واجهها نظام الترابي/البشير في السودان، منذ بداية التسعينات، على التلون وإلى اكتساب مهاراتٍ للبقاء جعلته يمسك بالسلطة، حتى الآن، لستةٍ وثلاثين عاما. هذه الحقيقة ينبغي، في تقديري المتواضع، أن تكون حاضرةً في ذهن القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في محاولة إيجاد نهاية للحرب البشعة الجارية الآن في السودان. كما ينبغي، أيضا، أن تكون حاضرةً في ذهن النظام المصري، الذي اتخذ من بقايا النظام الإخواني حليفًا له. وما من شك أن الأطماع التاريخية في السودان أعمت النظام المصري من أن يرى بوضوحٍ كافٍ خطورة بقايا هذا النظام الإخواني السوداني المتَّسم بالتلوُّن والمكر والغدر. ولا أدرى إلى أي مدىً سوف تصطحب القوى الدولية والإقليمية في تقديراتها هذه الطبيعة المراوغة الماكرة لهذا النظام الإخواني الكليبتوقراطي، وإلى أي مدى سيتذكر النظام المصري، الذي يحاول حاليًا احتكار ملف الأزمة السودانية، تجاربه المريرة مع نظام الترابي/البشير. فهل يا ترى نسي النظام المصري الصراعات الدموية بين الدولة المصرية وتنظيم الإخوان المسلمين وتفرعاته، منذ اغتيال بطرس غالي باشا، وأحمد ماهر باشا، وأحمد الخازندار، ومحمود فهمي النقراشي، ومحمد حسين الذهبي، ويوسف السباعي، وأنور السادات، ورفعت المحجوب، وفرج فودة؟ هذا، إلى جانب العديد من محاولات الاغتيال الفاشلة. ومن الهجمات الإرهابية على كنائس المواطنين من الطائفة المسيحية القبطية، والهجمات الإرهابية على أوتوبيسات السياح الأجانب .
لقد استضاف نظام الترابي/البشير، في فترة التسعينات من القرن الماضي، عتاة الإرهابيين الدوليين من عيار أسامة بن لادن والثعلب كارلوس. كما قام بمحاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. إلى جانب ذلك، فتح النظام الباب للمتطرفين الإسلاميين من جميع إنحاء العالم، لدخول السودان، ومنحهم جوازات سفر سودانية. كما كان له دورٌ في التفجير الأول في برج التجارة الدولية في نيويورك، وفي تفجيرات السفارات الأمريكية في شرق أفريقيا، وفي حادثة تفجير المدمرة كول على سواحل اليمن. ومنذ بداية التسعينات، ناصب هذ النظام الإخواني دول الخليج العربية العداء وفتح أبواقه الإعلامية ضدها ودعا إلى الإطاحة بها. وحين غزا صدام حسين الكويت وقف مع الغازي المعتدي، فجرى تصنيفه حينها ضمن ما سُميت "دول الضد". كل تلك الأمور وضعت النظام الإخواني السوداني في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وجرى توقيع عقوباتٍ قاسيةٍ عليه. المؤسف أن النظام المصري استثمر في تلك العقوبات فقام بتأييدها، بغرض تعطيل السودان عن النهوض حتى يبقى تحت الهيمنة المصرية المستدامة. ولهذا السبب كَرِهَ النظام المصري حكومة الدكتور حمدوك وعمل على إبعادها من السلطة لأنها نجحت في إخراج السودان من أسر العقوبات، كما أعلنت أنها ستوقف تصدير السودان مواده الخام السودانية قبل أن تجري معالجتها لإضفاء القيمة المضافة عليها.
تمكن النظام الإخواني في السودان من إرخاء القبضة الاقتصادية الخانقة عليه، بالاتجاه إلى كندا، حيث دخلت شركة تاليسمان الكندية إلى السودان. لكنها، سرعان ما باعت أسهمها إلى أحد فروع شركة أويل آند ناتشورال قاس كوربوريشن الهندية، مقابل 720 مليون دولارًا أمريكيا. ويبدو أن ذلك حدث نتيجة لضغوطٍ من الحكومة الكندية، التي رأت أن عائدات النفط في السودان تذهب لإزكاء الحرب. (راجع: موقع قناة CBC على الرابط: https://shorturl.at/r8kmR). عقب ذلك، دخلت، كلٌّ من الصين وماليزيا في صناعة البترول السودانية لينجح النظام الإخواني، رغم المقاطعات، في استخراج البترول، الذي طالما تعثر استخراجه. في نهاية عقد التسعينات أطاح عمر البشير بالدكتور حسن الترابي صاحب فكرة الانقلاب الذي أتى بالبشير إلى السلطة. غير أن النظام الإخواني لم يغيِّر جلده، إذ استمر في حربه الدينية الجهادية في جنوب السودان. بل، وأضاف إليها حربًا أخرى في دارفور اتسمت بالتطهير العرقي والإبادة الجماعية. كما قوَّى النظام صلته بإيران بل وأصبح وسيطًا لإرسال الأسلحة الإيرانية إلى منظمة حماس في غزة عبر بدو صحراء سيناء، الأمر الذي جرَّ إسرائيل إلى تنفيذ غارتين جويتين داخل السودان.
التعاون مع سي آي آيه
تحت وطأة الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية أخذ النظام الإخواني يخطب ود الغرب مقدمًا استعداده لتقديم ملفات الإرهابيين الذين سبق أن استقطبهم وتعاون معهم. فأرسلت وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) طائرةً خاصةً إلى مدير الاستخبارات السودانية، صلاح قوش، لكي يأخذ معه كل ملفات الإرهابيين الذين تعامل معهم نظامه. وقد كانت تلك محاولةً من النظام للخروج من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، ومن ثم، رفع العقوبات عنه. قدم صلاح قوش ما طلب منه في خيانةٍ قبيحةٍ لجميع من سبق أن استقطبهم واستخدمهم من الإرهابيين. غير أن المخابرات الأمريكية استحلبت منه كل ما تريد، ولم يحصل منها على شيء نظير ما قدمه لها. وقد كشف موقع ويكيليكس عن محضر لقاءٍ جرى بين وفد من أعضاء لجنة العلاقات الخارجية واللجنة الفرعية لأفريقيا في مجلس الشيوخ الأميركي، ورئيس جهاز الأمن والمخابرات السوداني السابق صلاح عبد الله قوش. وقد أشارت البرقية رقم 09KHARTOUM698، المرسلة من السفارة الأميركية في الخرطوم لرئاستها في واشنطن بتاريخ 28/5/2009م، إلى أن صلاح قوش أعرب عن خيبة أمله لدي لقائه بالسناتور الجمهوري من ولاية جورجيا، جوني آزياكسون، والسناتور الجمهوري من ولاية تينسي، بوب كريكر. وبحسب البرقية، أرجع قوش خيبة أمله إلى أنه تعاون مع وكالة المخابرات الأميركية (CIA)، طيلة التسع سنوات الماضيه، قائلاً إن هذا التعاون لم يثمر في رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وأردف قائلاً: "خلال التسعة سنوات الماضية نجحنا في إنقاذ حياة أعدادٍ كبيرةٍ من الأميركان في الإقليم وفي الشرق الأوسط، بسبب تعاوننا مع وكالة المخابرات الأميركية". وأكد قوش للوفد الأميركي أن عليهم أن يدركوا أن السودان يدفع "ثمناً باهظاً"، بسبب تعاونه مع المخابرات الأميركية في مكافحة الإرهاب. وأنه شخصيًا يدفع ثمنًا لذلك التعاون. وقال إن أعضاء الحزب الحاكم، المؤتمر الوطني أصبحوا ينعتونه بعميل أميركا. والإسلاميون يسمونه "الكافر" جراء تعاونه مع الأمريكيين. ووصف قوش، وفقًا لتلك البرقية، السياسة الأميركية بقصر النظر، وأنها متأثرةٌ بأجندة مجموعات الضغط مثال، "إنقاذ دارفور". (راجع: موقع ويكيليكس، على الرابط: https://shorturl.at/Y96R7). وفي أغسطس 2019 بلغ سوء معاملة أمريكا لصلاح قوش ورصفائه محمد عطا المولى وطه عثمان الحسين أن وقعت عليهم عقوبات تضمنت منعهم من دخول أمريكا. (راجع: صحيفة سودان تربيون على الرابط: https://shorturl.at/kHcGa).
الفريق، صلاح قوش المطلع بدقة على تعاون النظام الإخواني السوداني مع الجماعات الإرهابية والذي ذهب إلى أمريكا، كما ذكرنا، لكي يقدم لها المعلومات نظير أن ترفع أمريكا العقوبات عن النظام، هو الآن، كما سبق أن ذكرنا، ضيفٌ على مصر وجهاز مخابراتها. وكما سبق أن أشرنا أن هذا واحدًا من أبلغ الأدلة على هزال الدولة السودانية وعلى حالة الضعة والهوان التي أوصلها إليها النظام الإخواني. حيث أصبح لجوء رئيس جهاز المخابرات إلى دولةٍ جارةٍ لها مطامع في الهيمنة عليه وعلى موارده، أمرًا لا يرفع حاجب الدهشة. لقد استخدمت المخابرات المصرية الفريق صلاح قوش في كل المؤامرات التي أدت إلى انقلاب 25 أكتوبر 2023، الذي قوض الفترة الانتقالية وأطاح بحكومة عبد الله حمدوك، وقفل الطريق أمام التحول الديمقراطي. كما استخدمت كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة الفريق طه عثمان الحسين، في مرحلةٍ ما، لنفس الغرض.
مناورة طرد الإيرانيين
قبل ثلاثة أعوامٍ فقط من سقوط نظام المشير عمر البشير، خرج وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، بصورةٍ مفاجئةٍ، على قناة الجزيرة ليؤكد أن السودان قد قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران على خلفية التدخلات الإيرانية في المنطقة على أسسٍ طائفية، وبسبب اعتداءاتها على سفارة وقنصلية السعودية في طهران. وفي وقتٍ سابقٍ لهذا التصريح، كانت وكالة الأنباء السعودية قد أوردت أن مدير عام مكاتب الرئيس السوداني عمر البشير، الفريق طه عثمان الحسين، أبلغ هاتفيًا، وبصورةٍ شخصية، ولي العهد السعودي أن الخرطوم قررت طرد السفير الإيراني، ومعه كامل البعثة الدبلوماسية. وأنها قامت إلى جانب ذلك باستدعاء السفير السوداني من إيران. وأكد طه لولي العهد السعودي إدانة السودان لتدخلات طهران في المنطقة، وإهمالها حماية السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران. كما أعرب عن وقوف السودان مع السعودية في مواجهة الإرهاب وتنفيذ كافة الإجراءات الرادعة له، ونسبت "الجزيرة نت" ذلك الخبر إلى وكالة الأنباء السعودية. (راجع: موقع "الجزيرة نت"، على الرابط: https://shorturl.at/jyxQT). وقد جرى طرد إيران من السودان، بعد فترةٍ طويلةٍ من التعاون، كان النظام السوداني قد سمح لها فيها بالدفع للمد الشيعي للتغلغل في السودان. فنشأت الحسينيات والمراكز الثفافية الإيرانية، وانتشرت المطبوعات الشيعية، وغير ذلك مما تفعله إيران عادةً في نشر نسختها من الإسلام السياسي في مختلف الدول. وقد تبع طرد الإيرانيين انخراط النظام السوداني بالجنود في ما سميت "معركة الحزم"، التي شنها التحالف الخليجي على الحوثيين في اليمن. الأمر الذي جعل النظام السوداني منخرطًا عسكريًّا في مواجهة إيران ممثلةً في الحوثيين في اليمن.
لكن، في أثناء هذه الحرب الدائرة الآن، أعاد النظام الإخواني السوداني، الذي يجلس على رأسه حاليًا الفريق عبد الفتاح البرهان محل الرئيس المخلوع عمر البشير، العلاقات الدبلوماسية مع إيران. وأخذت الأسلحة الإيرانية تتدفق على السودان، وعلى رأسها الطائرات المسيرة. (راجع: موقع "سكاي نيوز عربية على الرابط: https://tinyurl.com/3aynrmm5). الشاهد أن كل هذه التقلُّبات تجعل المرء يتساءل: من أين تأتي الثقة في هذا النظام لدى من يتحالفون معه؟ وعلى رأس هولاء في الوقت الراهن النظام المصري. لقد أعلنت مصر أنها خسرت 7 مليارات دولار بسبب اعتداءات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، الأمر الذي خفض حركة النقل عبر قناة السويس. وقد أصبح ميناء بورتسودان في فترة ما مزارًا للسفن الإيرانية، وهو أمرٌ يهدِّد أمن كلٍّ من مصر والسعودية. وتعلم مصر أن نظام الحركة الإسلامية السودانية، سواءً في فترة الرئيس المخلوع عمر البشير، أو الفريق عبد الفتاح البرهان الذي فرض نفسه على السوانيين بالقوة، لا ينفك يدور في الفلك الإيراني.
رغم كل ما سبق ذكره، راهنت مصر على الفريق عبد الفتاح البرهان، فقط لأنها وجدت فيه من الخضوع والانبطاح ما لم تجده في حاكمٍ عسكريٍّ سودانيٍّ قبله، متجاهلةً كل مخاطر الاعتماد على شخصٍ طبيعته الأصلية المكر والغدر وتقلُّب المواقف وتناقضاتها. فالرجل قد عاش لعقودٍ ضمن بنية نظامٍ طبعه التقلُّب والمكر والغدر فانطبع بطابعه، وليس له من ذلك فكاكٌ قط. وينطبق هذا على السعوديين الذين لا ينفكون يتعرضون للدغات النظام الإخواني في السودان، كل حينٍ وآخر. ومن الغريب أن قناة "العربية الحدث" التي تمولها السعودية يسيطر على مكتبها في الخرطوم المنتمون إلى حزب الرئيس المخلوع عمر البشير، المؤتمر الوطني، والتي ما انفكت توظف تقاريرها غير المهنية المرسلة إلى القناة لخدمة أجندة النظام الإخواني في السودان، ثم لا تجد استغرابًا أو مساءلةً من رئاسة القناة. بل، يبدو أنها تجد منها المباركة والتشجيع. باختصارٍ شديد، هذا النظام الذي ترأسه الرئيس المخلوع عمر البشير لثلاثين عامًا وورثه منه الفريق عبد الفتاح البرهان نظامٌ ذئبيٌّ ثعبانيٌّ لا تتغير طبيعته أبدًا، ولسوف يقوم بلدغ حليفه، طال الزمن أم قصر. ولسوف يلدغ الفريق البرهان كلَّا من مصر والسعودية، إن هما سارتا معه بنفس الصورة الجارية معه اليوم. باختصارٍ شديدٍ، من تلوث بدنس الإخوان المسلمين، لن يستطيع تطهير نفسه حتى تواريه ظلمة القبر.
تقسيم السودان في صالح مصر
منذ أن قبلت حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير بانفصال الجنوب، بعد خمسة عشر سنة من الحرب مع حركة العقيد جون قرنق، طرح القيادي الإسلاموي، ووزير المالية السابق عبد الرحيم حمدي في عام 2005، فكرة تقسيم السودان. وهي الخطة التي أخذ السودانيون يشيرون إليها ب "مثلث حمدي". أحسَّت ما تسمى "الحركة الإسلامية" أن عددًا من أقاليم السودان تقف بطبيعتها الثقافية عاملاً معيقًا لإنشاء "دولة إسلامية" تهيمن فيها الثقافة العربية وحدها. فالتنوع العرقي والديني والثقافي هو في نظرهم ما يجعل البلاد غير مستقرة بصورةٍ تمكنهم من أقامة النموذج "الإسلامي" الذي يودونه. لذلك، جاءت فكرة "مثلث حمدي" التي اقترح فيها الوزير الأسبق عبد الرحيم حمدي، فصل عددٍ من أجزاء السودان، تشمل جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، ودارفور. وذلك لكي تقوم دولةٌ "إسلاميةٌ" في المثلث الجغرافي المنحصر بين دُنقلا وسِنَّار والأُبَيِّض. وقد برر حمدي الفكرة بعدم الانسجام الثقافي لتلك الأقاليم مع المثلث الذي يرى أنه متجانس ثقافيا. ويرى حمدي، أيضا، أن هذه الأقاليم التي ينبغي التخلص منها تعيق الاستثمار ويصعب مع وجودها حدوث أي تنميةٍ مستدامةٍ، لكونها تتسبب في دوام القلاقل وعدم الاستقرار. وقد نفى حمدي في لقاء صحفي هذه المزاعم، لكن ما جرى في الواقع منذ انفصال الجنوب، وما يجري الآن لا يزال يؤكد هذا المنحى.
فصل الجنوب وغيره من الأقاليم
بعد اتفاقية نيفاشا في عام 2005 ودخول الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق شريكًا في الحكم لفترة السنوات الخمس السابقة لاستفتاء تقرير المصير الذي نصت عليه الاتفاقية، عمل نظام عمر البشير بكل سبيلٍ ممكنٍ ليجعل خيار الوحدة بالنسبة للجنوبيين في الاستفتاء القادم خيارًا غير جاذب. وبالفعل، جرى الاستفتاء في نهاية فترة شراكة الحكم بين الطرفين، واختار الجنوبيون بنسبة بلغت 99%، الانفصال عن جمهورية السودان. وقد قام خال الرئيس عمر البشير، المرحوم الطيب مصطفى، مالك صحيفة "الصيحة"، ذات الخط التحريري المتطرف، بذبح ثورٍ أسود احتفاءً بانفصال الجنوب. وأيضًا، ما أن اختار الجنوبيون الانفصال، قال الرئيس المخلوع عمر البشير: إن حقبة تطبيق الشريعة الإسلامية "المدغمسة"، أي الملتبسة وغير الواضحة والصريحة، قد ولَّت وحانت الفرصة لحكومته لتطبيق الشريعة الإسلامية الصريحة. كل ذلك يؤكد أن ما تسمى الحركة الإسلامية السودانية لا تمانع قط من تقليص مساحة السودان لإقامة ما يعتقدون خطأ أنه كيانٌ متجانسٌ ثقافيًا يمكن أن يقوم فيه نموذج مستقر للدولة "الإسلامية" النموذجية، المتوهمة، التي طالما حلمت بها قوى الإسلام السياسي في العالمين العربي والإسلامي.
هذا التصور الإخواني المتمثل في تقليص السودان يصب في النظام المصري لكونه يمكنه من الهيمنة على الجزء الشمالي من السودان، الذي سوف يصبح من جراء الانقسامات، أضعف من أن يحمي نفسه. ولن يجد سندًا إلا من مصر التي ستقايضه الحماية بالخضوع الكامل لها. وقد أوضحت الفترة التي سيطر فيها الفريق البرهان على مقاليد الأمور في السودان منذ انقلابه على حكومة حمدوك الشرعية في 25 أكتوبر 2021، هذا المنحى. أيضًا، أخذ هذا التصور صيغةً جديدةً، أبدلت المرتكز من الإسلام إلى العنصر. وهي النعرة الجديدة المسماة "دولة النهر والبحر"، التي يدعو لها عبد الرحمن عمسيب. والغريب أن قوى الثورة التي لم توافق على ميثاق نيروبي التأسيسي وعلى تشكيل حكومة في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع، أخذت تقول إن ميثاق نيروبي التأسيسي وما يتبعه من إعلان حكومة سيقود إلى تقسيم السودان. وفات على هؤلاء أن خطة تقسيم السودان معتمدةٌ أصلاً لدى الحركة الإسلامية منذ عقود، وأن تنفيذها يجري على مراحل وفقًا لمسارات الأمور على أرض الواقع. وعقب هذه الحرب التي يتعذر فيها الحسم العسكري، فإن خيار الانفصالات لدى الإسلامويين سوف يصبح، من الناحية العملية، هو الخيار المُحبَّذ والمُرجَّح لديهم. ولسوف يسقط شمال السودان، من تلقاء نفسه كالثمرة الناضجة، في الفك المصري الفاغر، المتلهف لالتهامه منذ فجر التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.