توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    تحالف "صمود": استمرار الحرب أدى إلى كارثة حقيقية    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    "صمود" يدعو لتصنيف حزب المؤتمر الوطني "المحلول"، والحركة الإسلامية وواجهاتهما ك "منظومة إرهابية"    شاهد بالفيديو.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تدعم الفنان عثمان بشة بالترويج لأغنيته الجديدة بفاصل من الرقص المثير    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    صحة الخرطوم تبحث خطة لإعادة إعمار المرافق الصحية بالتعاون مع الهيئة الشبابية    كمين في جنوب السودان    كوليبَالِي.. "شَدولو وركب"!!    دبابيس ودالشريف    إتحاد الكرة يكمل التحضيرات لمهرجان ختام الموسم الرياضي بالقضارف    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    ارتفاع احتياطيات نيجيريا من النقد الأجنبي بأكثر من ملياري دولار في يوليو    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    شهادة من أهل الصندوق الأسود عن كيكل    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    اكتمال عملية التسليم والتسلم بين رئيس مجلس الإدارة السابق والمدير العام للنادي    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    بنك أمدرمان الوطني .. استئناف العمل في 80% من الفروع بالخرطوم    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    «ملكة القطن» للمخرجة السودانية سوزانا ميرغني يشارك في مهرجان فينيسيا    وزارة المالية توقع عقد خدمة إلكترونية مع بنك النيل الأزرق المشرق    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (15 – 20)
نشر في الصيحة يوم 21 - 03 - 2025


د. النور حمد
"لنْ يستطيعَ أحدٌ أنْ يركبَ على ظهرِك، ما لمْ تَكُنْ منحنياً"
مارتن لوثر كينج
التَّعْمِيِةُ على ما تحصل عليه مصر من السودان
للأنظمة المصرية المتعاقبة نهجٌ ثابتٌ في التَّعْمِيَةِ على ما تحصل عليه مصر من السودان. وربما دخل هذا في باب "يكاد المُريب أن يقول خذوني". فمن أمثلة التعميات المصرية على ما يجيئها من السودان، ما ورد في تقريرٍ لمركز البحوث الزراعية المصري، الذي يُرمز إليه ب ARC وموقعه على شبكة الإنترنت https://shorturl.at/lRUHq. ذكر أحد تقارير هذا الموقع أن قيمة الواردات المصرية من اللحوم الحمراء من أستراليا، والدنمارك، وألمانيا، والصومال، وأمريكا تصل إلى حوالي 94.6% من إجمالي الواردات المصرية من اللحوم ومشتقاتها الصالحة للأكل خلال متوسط الفترة 2018-2022. وأرجو أن يلاحظ القارئ أن اسم السودان لم يرد هنا على الإطلاق، رغم أنه البلد الذي تذهب منه اللحوم الحية والمذبوحة إلى مصر بالشاحنات يوميًا. فتقديم الإحصائية بهذه الصورة يخفي دور السودان كليّأ في مد مصر باللحوم. لكن دعونا، في المقابل، نقرأ ما أورده موقع "العربية بيزنيس" في 22 يناير 2025، حيث قال: إن وزارة الزراعة الأميركية تتوقع في تقريرٍ حديثٍ لها أن تتراجع واردات "القاهرة" من الماشية الحية بنحو 44% خلال العام الجاري. *وأن* هذا يحدث على خلفية استمرار أزمة الحرب الدائرة في السودان، وهو البلد الأكبر توريدًا للحوم الحية إلى مصر. (راجع: موقع "العربية بيزنيس"، على الرابط: (https://tinyurl.com/t55mux4k. (الخط تحت الجملة الأخيرة من وضعي). واللحوم الحية التي تذهب إلى مصر هي اللحوم التي تقوم مصر بتصديرها إلى بقية أجزاء العالم بسبب ارتفاع الطلب عليها لجودتها العالية، وفقًا لشهادة وزير *التجراة* المصري، الباشمهندس، أحمد سمير صالح. فقد قال هذا الوزير *أن* منتجات مصر من اللحوم قد حازت على المستوى الأول عالميًّا لأنها تعتمد على الثورة الحيوانية السودانية، التي تُعدُّ عالميًّا من أفضل وأجود المنتج فى العالم، لأنها تعتمد بنسبة مائة في المائة على المرعى الطبيعي، ما أكسبها إقبالاً عالمياً على المستوى الأول. أما بخصوص المنتجات المصرية من الجلود، فقد قال: إننا نفخر بهذا القطاع الحيوي الذي، أيضًا، بفضل الله، تصدَّر المرتبة الأولى عالميًّا لجودة المواشي السودانية وخلوها من الأمراض. (راجع: موقع النورس على الرابط: https://shorturl.at/lFX9q).
مصر تُصَدِّر السمسم!
يقول موقع استاتيستا Statista الإحصائي، (https://shorturl.at/Vr5ih)، أنه اعتبارًا من عام 2021، أصبح السودان هو المنتج الرئيسي لبذور السمسم في أفريقيا. أنتج السودان من بذور السمسم ما يزيد عن 11.19 مليون طنا متريا . وتلي السودان في ذلك تنزانيا ونيجيريا بكمية إنتاج بلغت 700 ألف طنا متريا . (راجع موقعStatista على الرابط: (https://shorturl.at/zoHMT. ولنلاحظ هنا الفرق بين السودان وبين ثاني أكبر المنتجين في إفريقيا، وهما نيجيريا وتنزانيا اللتان تنتجان أقل من مليون طنا ز متري، في حين ينتج السودان أكثر من 11 مليون طن متري. أما مصر فقد جاءت القطر رقم 15 في إنتاج السمسم في إفريقيا، بإنتاجٍ لا يتعدى 45 طنا في السنة، في حين أن إنتاج السودان من السمسم يتعدى 11 مليون طنا. ومع ذلك تصدر مصر السمسم إلى العالم. ويقول موقع تنمية الصادرات المصرية EDA، إن شركة ليجند انترناشونال Legend International Company تستطيع تصدير 100,000 طن من السمسم شهريًا لمن يطلبها. (أنظر موقع هيئة تنمية الصادرات المصرية على الرابط: https://shorturl.at/S5BA1. ويعني هذا أن هذه الشركة تستطيع توفير أكثر من مليون طن من السمسم سنويًّا للمستوردين. فكيف يحدث هذا وإنتاج مصر من السمسم لا يتعدى 45 ألف طنا في العام؟
المعروف أن إنتاج السمسم يكثر في المنطقة المدارية، وأكثر منتجيه في العالم هي دول ميانمار والصين والهند والسودان وتنزانيا ونيجريا وإثيوبيا. يقول موقع تنمية الصادرات المصرية EDA، الذي أشرنا إليه سابقًا، أن شركة أخرى اسمها "ميزا فودز" Meza Foods المصرية، تصدِّر بذور السمسم الذهبي ذات الجودة العالية من مصر إلى الأسواق الخارجية بأسعار تنافسية، وأن في وسعها توفير 100 طنا في اليوم. ففي حين يتحدث موقع تنمية الصادرات المصرية عن هذه المقادير الضخمة التي تقوم هذه الشركة المصرية وحدها بتصديرها إلى الخارج من حبوب السمسم، نجد أن موقع الشروق قد أورد في الأربعاء 3 مايو 2023، ما يفيد بأن مصر غير مكتفية أصلاُ من محصول السمسم، ذاكرًا أنها تستورده بكمياتٍ كبيرة. ويقول الموقع في ذلك، إن واردات مصر من السمسم ارتفعت بنسبة 70.3% لتسجل 9.5 مليون دولارًا خلال شهر فبراير 2023، مقابل 5.6 مليون دولارا خلال نفس شهر فبراير من العام السابق 2022. (راجع: موقع "بوابة الشروق" على الرابط: https://tinyurl.com/mrpckwad). ولابد من الملاحظة هنا أن زيادة الاستيراد قد حدثت بعد عامين من الانقلاب الذي نفذه الفريق البرهان على حكومة الثورة التي ترأس وزارتها عبد الله حمدوك. وغالبًا ما يكون التراجع في واردات السمسم في عام 2022، قد كان نتيجةً لإغلاق ثوار المديرية الشمالية الطريق الرابط بين السودان ومصر.
تقول كاتبة التقرير، أميرة عاصي، إنها استندت على بيانات وردت في نشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر. وإن واردات مصر من السمسم قد تراجعت خلال ال 9 أشهر الأولى من عام 2022، خلال الفترة وهي: (يناير – سبتمبر)، لتبلغ 52.7 مليون دولار، مقابل 64.8 مليون دولار عن نفس الفترة من العام الماضي 2021. أهم ما جاء فيما أوردته الكاتبة أن المساحات المزروعة فى مصر من السمسم تتراوح بين 40-60 ألف فدان سنويًا. (راجع: موقع الشروق على الرابط: (https://shorturl.at/z9nIU). فهذه المساحة المزروعة بالسمسم في مصر لا تساوي 5% من المساحة المزروعة بالسمسم في السودان. وعمومًا فإن ما أقامه الثوار من حواجز على الطريق الرابط بين السودان ومصر في الولاية الشمالية، وما قاموا به من تفتيش للشاحنات المصرية التي تدخل إلى أعمال السودان كشفت أنواعًا مختلفة من المنتجات السودانية التي يجري تهريبها إلى مصر. وقد حدث أن وجدوا سبائك ذهب داخل عبوات الحبوب. وتؤكد مختلف التقارير أن معظم الذهب السوداني الذي يجري إرساله إلى الخارج يذهب عن طريق التهريب. وقد أوردت شبكة "سي إن إن" الأمريكية أن ما يجري تهريبه من إنتاج الذهب السوداني يصل إلى 90%. (راجع: موقع "سي إن، إن"، على الرابط: https://tinyurl.com/aavbhx3s).
مصر تُصدِّر الصمغ العربي!
أورد موقعWorld Integrated Trade Solution ، الذي يُرمز إليه ب WITS، وموقعه على شبكة الانترنت: https://shorturl.at/dJ51f، إن مصر تُصدِّر صمغًا عربيًا بما يزيد عن مليار دولار سنويا. هذا في حين أن أشجار الهشاب وغيرها من الأشجار من فصيلة أكاشيا التي تنتج الصمغ لا تنبت إلا في الحزام الإفريقي الواقع في المنطقة المدارية في نطاق السافنا الفقيرة. فمن أين لمصر كميات الصمغ التي تصدرها بمليار دولارا سنويا؟ وقد أورد طارق الشيخ الأمين، الذي كان أمينًا عامًا لمجلس الصمغ العربي، حتى مايو/أيار 2022، أن نصيب السودان من تجارة الأصماغ الطبيعية في العالم يتراوح بين 8% و10% على الرغم من أنه ينتج 80% من الإنتاج العالمي. وأضاف قائلاً *أننا* في السودان: نخسر 90% من القيمة المضافة، فعائد الصادر في أحسن أحواله 120 مليون دولارا ، في الوقت الذي يتضاعف فيه سعر المُنتج بالسوق العالمي خمس مرات. وبطبيعة الحال ليست مصر هي الدولة الوحيدة التي تصدر المنتجات السودانية، فعدد من دول الجوار يجري تهريب المنتجات السودانية إليها. وهذا ما يشير إلى الخلل البنيوي القاتل الذي أحدثة نظام الإخوان المسلمين الكليبتوقراطي في بنية الدولة السودانية. وهذا هو الذي جعل السودان فريسةً سهلةً تتلمَّظ لها شفاه جميع الدول، قويِّها وضعيفِها.
أيضًا، يدخل في تسبيب هذا الانهيار المريع للدولة السودانية وفقدانها السيطرة على مواردها، أصحاب المصالح من الرأسماليين وكبار التجار الذين عُرفوا بانتهاج أسهل السبل لتحقيق الربح. ومن ضمن السبل السهلة لتحقيق الأرباح تصدير الخام بالطرق الرسمية بسبب الفساد والتلاعب بالضوابط، وعن طريق التهريب إلى دول الجوار. فالفساد المؤسسي؛ الذي كانت تمارسه الأحزاب السياسية، والذي تضاعف على أيدي الأنظمة العسكرية، وخاصة النظام اللصوصي الإخواني، هو السبب وراء هذا الهدر الضخم للموارد.
من المهم القول، بعد إيراد تلك الإحصاءات الموجزة التي تشير بوضوح لا لبس فيه، أن مصر تصدِّر منتجاتنا، الإشارة إلى أن مصر لا تفعل شيئًا فيما يخص تصدير منتجاتنا، لا تستطيع الدولة السودانية فعله. فمصر فقط تضع عليها القيمة المضافة التي قد لا تتعدى مجرد الغسل وتبريد ما يحتاج التبريد كاللحوم. إضافةً إلى التغليف الجيد وتقديم العينات المعدة إعدادًا جيدًا التي تنال الموافقة من المستوردين، ثم القدرة على الترويج والتسويق. إلى جانب ذلك، توفير وسائل النقل الجوي والبحري المعدة لمثل هذه الأغراض. ثم يأتي دور المواني الكفؤة، وكل تلك أمورٌ مقدورٌ عليها، بل هي من أوجب واجبات الدولة، لو كانت الدولة في يد حكامٍ وطنيين أوفياء لوطنهم وشعبهم، وليست في قبضة لصوص يدمِّرون منشآت بلادهم ويضعفون قدراتها، ليملأوا حساباتهم الشخصية في البنوك الأجنبية بالدولارات. وقد سبق أن نظَّم البرهان والنظام المصري وتنظيم الإخوان المسلمين ممثلًا في الناظر محمد الأمين ترك، مؤامرة إغلاق ميناء بورتسودان والطريق البري الرابط بينه وبين بقية البلاد لهلهلة حكومة حمدوك وخنقها، ما جعل مصر تفتح موانيها لحركة التصدير والاستيراد السودانية. وقد كسبت مصر من ذلك ماليًّا وسياسيّا.
مصر تعترف بنهب موارد السودان!
قبل 25 يومًا من انقلاب الفريق عبد الفتاح البرهان على حكومة رئيس وزراء الفترة الانتقالية، د. عبد الله حمدوك، كتب د. عبد اللطيف محمد سعيد مقالاً في موقع "النورس نيوز"، سبق أن أشرنا إليه. أورد الكاتب في ذلك المقال جزءًا من كلمةٍ لوزير التجارة والصناعة المصري، الباشمهندس، أحمد سمير صالح جاء فيها، أيضا: "بعون الله تشهد مصر نهضة صناعية وتجارية مطرده أهَّلها لكسب ثقة الأسواق الأوروبية والغربية والعربية، وحتى دول الجوار الافريقي، إذ أنها انتهجت سياسية الدولة الاستراتيجية للصناعات التحويلية. ويقول الوزير المصري، بحمد الله قفز مستوى عدد المصانع في مصر من 320 مصنع في 2016م الي 1200 مصنعَا في عام -2022م. ويشكل هذا التطور نهضةً غير مسبوقةٍ على المستوى العربي والأفريقي، بل على مستوى العالم. وكان ذلك بفضل هذا التطور في كل الصناعات التحويلية من صمغ عربي، وسمسم، وكركدي، وسنمكه، وفول سوداني، وقمح، ودخن، وماريق، وطابت، وقدم الحمام، وغيره من المنتجات الزراعية. وكل هذه المنتجات التي ذكرها الوزير المصري منتجاتٌ سودانية. (راجع: موقع "النورس" على الرابط: https://shorturl.at/lFX9q)
أما على مستوى صناعة المعادن، فيقول وزير التجارة المصري إن الكثير من المعادن السودانية النادرة كالذهب والنحاس والكروم والحديد وغيره ترفد مصانعهم. ويواصل قائلا: "بذلك نخلص إلى تضاعف مستوى العقودات مع الشركات العالمية، حيث تجاوز الستين مليار دولار، لذلك، نحن مهتمون جدًا بمسألة استقرار الأوضاع السياسية في السودان. وندعم الاتفاق الإطاري والتحول المدني الكامل للسلطة، لتستقر الأوضاع، ويستمر تدفق المنتجات السودانية الممتازة. وأيضا تصدير منتجاتنا المصرية إلى السودان الشقيق من سراميك وأسمنت وأدويه ولعب أطفال". (راجع: موقع النورس على الرابط: https://shorturl.at/lFX9q). غير أن الذي حدث فعلاً أن مصر لم تدعم الاتفاق الإطاري، وإنما عملت بكل *مل* تملك على نسفه.
للمرء أن يتساءل: أليس من اللافت أن يزداد عدد المصانع في مصر من 320 مصنعًا في عام 2016، إلى 1200 مصنعًا في عام 2022؟ أي، بعد 6 سنوات فقط! واضح من حديث الوزير، أن سبب هذه الزيادة الضخمة في عدد المصانع قد حدثت لاستقبال المواد الخام السودانية التي يتباهى الوزير المصري بجودتها وكأنها من إنتاج بلده، هو وجود الفريق عبد الفتاح البرهان على رأس السلطة في السودان. فهو الذي أتاح هذه الفرصة الكبيرة جدًا لمصر لكي تنهب موارد السودان على هذا النحو العجيب. ويشير هذا أيضًا، إلى سيطرة العسكر على الاقتصاد في السودان، وإدارته بمعزل عن رقابة الدولة، في هذه الفترة الممتدة ما بين 2016 و2023. فالتدفق الخرافي للمواد الخام السودانية إلى مصر ازدادت معدلاته في السنتين الأخيرتين من حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، (2016 – 2018). غير أنه تواصل بضخامةٍ أكبر في السنوات الخمس التي تلت ذلك، إبتداءً من ثورة ديسمبر 2018 وإلى عام 2023. وقد كان نتيجةً لسيطرة العسكر على على مقاليد الأمور في السودان، عقب الإطاحة بالرئيس عمر البشير.
لقد عمل الفريق عبد الفتاح البرهان، والتنظيم الإخواني على عرقلة كل محاولات الإصلاح التي حاولت حكومة د عبد الله حمدوك القيام بها، ومنها تقييد تصدير الخام. فالفريق البرهان قام عقب الانقلاب على حكومة حمدوك في أكتوبر 2021 بوضع يده على شركات المؤسسة العسكرية السودانية، التي أصبحت الأنبوب الذي تشفط عبره مصر موارد السودان الاقتصادية الخام. لتقوم مصر نيابةً عن السودان بوضع القيمة المضافة عليها ومن ثم تصديرها. ويجري هذا عبر اتفاق بين المؤسستين العسكريتين في كل من السودان ومصر، اللتان تعملان باستقلالٍ تامٍّ عن الدولة الأم في كلا البلدين.
مرةً أخرى، وجدت مصر في البرهان أنموذج الحاكم العسكري الذي ظلت تبحث عنه منذ استقلال السودان. فما وجدته في الفترة التي سيطر فيها على مقاليد الأمور من فرصٍ لشفط منتجات السودان وإعادة تصديرها لم تجد ما يماثلها طيلة السبعين عامًا الماضية. لذلك انخرطت مصر بكل الوسائل لهندسة الأحوال السياسية السودانية الداخلية، بما يُبقى البرهان على قمة السلطة في السودان، ولأطول فترةٍ ممكنة. أسهمت مصر، وبقوةٍ، عبر جهاز مخابراتها وسيطرتها على رئيس جهاز المخابرات السوداني السابق صلاح قوش، المقيم في مصر، وعبر اختراقها لجهاز الاستخبارات العسكرية السودانية، في تعطيل ثورة ديسمبر 2018 من بلوغ أهدافها. وقد أعانها في ذلك، أيضًا، ما أبداه الفريق عبد الفتاح البرهان من استعداد لا محدود لخدمة أجندتها في السودان، نظير دعمها له؛ سياسيًّا، ودبلوماسيًّا، وعسكريّا. بسبب كل ذلك، أسهمت مصر بفكرة فض اعتصام القيادة العامة، ليكون على نسق فض اعتصام ميدان رابعة العدوية في مصر، وممارسة أقصى درجات الوحشية فيه بما يُحدث صدمة هائلة، ينتج عنها خضوعٌا كاملا. وكذلك عبر تشكيل الحاضنة الشعبية الضرار، من بقايا النظام القديم ومن الكارهين للثورة، وعبر إغلاق الموانئ والطرق السريعة لخنق حكومة عبد الله حمدوك، تمهيدًا للانقلاب عليها.ولا يزال النظام المصري منخرطًا، حتى هذه اللحظة، عبر أذرعه العديدة من السودانيين الذي وضعهم في خدمته في محاولة هندسة الأمور في السودان، والذهاب بعامل الحرب نحو حلٍّ يبقي على الفريق البرهان مسيطرًا على الأمور في السودان تحت مظلة ما يسمى "الحوار السوداني السوداني". لتتشكل دائرة ديكورية من السياسيين المعروفين بالارتشاء من سدنة النظام القديم، ومن أصحاب المصالح تقدم السند السياسي للفريق البرهان، للزعم أن بقاءه في السلطة خيارٌ شعبيٌّ محض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.