يخوض قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، معركة "كسر عظم" مع القيادات الإخوانية في قواته، في ظل أنباء عن إحباط محاولة انقلاب من قبل مجموعة من الضباط من حزب المؤتمر الوطني المنحل. وقالت وسائل إعلام سودانية، إن محاولة الانقلاب أتت بعد القرارات الأخيرة التي اتخذها البرهان، وتضمنت ترقيات وإحالات على المعاش، مست عدداً كبيراً من ضباط الحركة الإسلامية بينهم اللواء نصر الدين عبد الفتاح، قائد سلاح المدرعات السابق. وكشفت تقارير محلية عن اعتقال رئيس "المؤتمر الوطني" المفوض أحمد هارون، لاتهامه بالوقوف خلف محاولة الانقلاب، إضافة إلى اللواء عبد الباقي بكراوي. الإطاحة بالخليفة كان ينظر إلى القيادي في قوات بورتسودان اللواء نصر الدين عبد الفتاح، بأنه الخليفة المنتظر للبرهان في القيادة، لا سيما وأنه كان المشرف الرئيس على العمليات الحربية ويسند له الثناء في السيطرة على الخرطوم. ويحظى عبد الفتاح بالدعم المطلق من التيار الإسلامي، حيث رأت في قرار تنحيته ضربة تستهدف نفوذها. وعبر نشطاء من الحركة الإسلامية في السودان، عن غضبهم من قرار البرهان، متهمين إياه بأنه يهدف بقرار تنحية عبد الفتاح ومعه عدد من القيادات في الحركة الإسلامية الاستئثار بالسلطة المطلقة. ورأى النشطاء في قرارات البرهان، نقطة تحول محورية في علاقته مع قيادات الحركة الإسلامية، ستؤدي لصدام علني ومباشر. أصل الخلاف برزت الخلافات بين البرهان والإخوان، بعد تحالفهما السياسي والعسكري، عقب اجتماعه مع القيادي البارز في الحركة الإسلامية علي كرتي ورئيس حزب المؤتمر الوطني "المحلول" أحمد هارون في مدينة بورتسودان. وكشفت تقارير صحفية عن ملامح الخلاف التي تركزت حول السيطرة على قرار الحرب، خصوصا أن الخلاف السياسي تزامن مع هجوم لاذع من المصباح طلحة، وهو قائد كتيبة "البراء" التي تقاتل إلى جانب البرهان، الذي نسب الفضل في "التقدم العسكري" للكتائب الإخوانية. فيما كان قيادي إخواني آخر، هو عبد الحي يوسف القيادي بالحركة الاسلامية، يصف البرهان ب "ضعيف الشخصية الذي لا يحترم المواثيق"، وأنه "عاجز عن أن يقضي على الإسلاميين فهم موجودون داخل مكتبه"، لتكشف تقارير صحفية عن غضب واسع بين كبار ضباط الجيش الذين طالبوا باستبعاد كتيبة البراء، وجميع الكتائب الإخوانية، واصفين استمرار وجودها ب "المخاطرة". ضغوط داخلية وخارجية حذّرت عدة دول البرهان بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "أقل احتمالا وأقل صبرا تجاه الميليشيات الإسلامية"، وخيرت قائد الجيش بين اتخاذ إجراءات عملية ضد هذه الميليشيات، أو توقع عواقب جدية من الإدارة الأمريكية الجديدة. وتزامنت تلك التحذيرات، مع استخدام ميليشيات إخوانية في الجيش للأسلحة الكيميائية ضد قوات الدعم السريع في عدة مناطق، حيث تمكنت أجهزة استخباراتية غربية من التوثيق الكامل لوقائع الاستخدام، بما في ذلك أخذ صور وشهادات ضباط وجنود من القوات المسلحة نفسها أصيبوا في واقعتين بأضرار جانبية؛ وهو ما تسبب بفرض عقوبات أمريكية على البرهان وقادة في قوات بورتسودان. وأفادت مصادر سودانية ل"إرم نيوز"، أن البرهان أحاط نفسه بعدد من الميليشيات التي صنعها على أساس قبلي بينها "درع السودان والأورطة الشرقية" فضلاً عن المرتزقة الأجانب من مجموعة التيغراي الإثيوبية، وآخرين من إريتريا، وذلك في موازاة الميليشيات الإسلامية، التي كانت تحيط به من كل جانب. وأوضحت المصادر، أن هذه التحركات إضافة إلى قرارات البرهان الأخيرة لإعادة هيكلة قواته، تدلل على قرب الصدام المباشر الذي كان يتوقعه البرهان ضد الميليشيات الإخوانية ويعد له. قرارات أشعلت المشهد أشعلت قرارات البرهان التي تضمنت تعيين ضباط جدد وإبعاد آخرين برزوا خلال الحرب، صراعه مع القيادات الإخوانية، فيما رأى خبراء أن البرهان استهدف في قراراته تعزيز قبضته والبدء في تهميش الميليشيات الإخوانية. وقال الكاتب والمحلل السياسي عمار سعيد، إن التغييرات الأخيرة التي أجراها عبد الفتاح البرهان، من خلال تعيين مجموعة من كبار الضباط الجدد وإبعاد آخرين، ليست سوى محاولة لإحكام قبضته على المؤسسة العسكرية. وأوضح سعيد في تصريح ل"إرم نيوز" أن هذه التعديلات تحمل أبعادا مزدوجة؛ إذ إن بعض القادة الذين أُبعدوا كانوا من أبرز الضباط الذين لعبوا أدواراً محورية في العمليات العسكرية؛ ما جعلهم يشكلون ثقلا داخل الجيش يمكن أن ينظر إليه كتهديد لموقع البرهان نفسه. وفي السياق ذاته، أفادت مصادر مطلعة بأن البرهان يسعى عبر هذه الخطوة إلى إظهار أنه يحدّ من نفوذ الإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية استجابة للضغوط الدولية، لا سيما من واشنطن. من جانبه أوضح المحلل والباحث السياسي السوداني عثمان النجيمي، ل"إرم نيوز" أن الحرب الأخيرة كشفت بوضوح أكبر عن البعد الإسلامي داخل قوات بورتسودان، حيث انخرطت في صفوفها عناصر من التنظيمات الإرهابية مثل "داعش"، تضم محليين وأجانب بينهم إيرانيون، إضافة إلى مرتزقة وحركات إسلامية أخرى. وبيّن أن هذا المشهد ترافق مع تململ بعض قادة الجيش واعتراضهم على قرارات البرهان، لاعتقادهم أنه قد يضحي بهم في أي لحظة. ولفت النجيمي إلى أن البرهان سارع بإقالة عدد من الضباط بهدف إحكام سيطرته الكاملة على قوات بورتسودان بشكل أحادي، وسط تنافس متصاعد بين الإسلاميين داخله حول من يتولى قيادته ومن يحكم السودان. وأوضح أن البرهان نظر إلى بعض القادة الأقل رتبة منه، مثل البكراوي وقائد المدرعات نصر الدين، إلى جانب قادة ألوية وفرق أخرى، باعتبارهم منافسين له، خاصة بعدما حمّلوه مسؤولية فشل إدارة الحرب ورأوا أنفسهم الأجدر بقيادة الجيش.