محمد الحسن محمد عثمان كل سوداني يعرف أننا في السودان مُسيَّسون منذ المرحلة الثانوية، وأن السياسة متجذرة في الشعب السوداني. لقد كانت لنا انتماءات سياسية منذ المرحلة المتوسطة (الوسطى)؛ فلكل منا كان انتماؤه الحزبي: فالشيوعي شيوعي، و"الأخ المسلم" أخ مسلم. كانت هناك صحف سياسية حائطية يحررها الطلاب منذ المرحلة المتوسطة. وقد كنتُ أحرر صحيفة حائطية ناصرية في مدرسة عطبرة الأميرية. ومن المعروف في كل أنحاء السودان أن الانتخابات التي تُجرى في مرحلة الثانوية العليا لاختيار اتحاد الطلاب تُجرى على أساس حزبي. هناك الشيوعي، والناصري، و"الأخ المسلم"، والبعثي، إلخ. هذه حقيقة يعرفها كل سوداني. بمجرد دخول الطالب المرحلة الثانوية، تأتيه مجموعات من كل حزب سياسي وتسأله عن انتمائه الحزبي، وتريد ضمه للحزب الذي تنتمي إليه. وهكذا يصبح لكل طالب انتماء حزبي منذ مرحلة الثانوية. كل حزب يحاول أن يُسرِّب إلى الكلية الحربية أكبر عدد من المنتمين إليه. ومن المعروف أن تنظيم الضباط الأحرار موجود في الجيش السوداني منذ الاستقلال، وهو تنظيم سياسي، وهو التنظيم الذي قام بانقلاب مايو 1989. وقد التقيت شخصياً بمجموعة من ضباط الجيش كانوا يريدون توصيل رسالة من "الضباط الأحرار" إلى "لجنة القضاة". تسييس القضاء والانتماء السياسي وحتى القضاء نفسه كان مُسيَّساً تماماً. وكانت هناك "لجنة القضاة"، وهي التي قادت الإضرابات في السلطة القضائية، وكان لها توجهها السياسي المعروف. كانت يسارية، وكنتُ عضواً في "لجنة القضاة" التي يُجرى انتخابها على أساس الانتماء السياسي. كان يسيطر عليها اليسار، ولا مجال فيها للإخوان المسلمين. وفي فترة من الفترات، كان أحد أعضائها فقط من الإخوان المسلمين بينما الأغلبية يساريون. وكان يرأسها في فترة من الفترات مولانا عمر صديق، وفي مرحلة أخرى مولانا حسن ساتي رحمه الله. فلماذا تكذب يا برهان وتقول "ما فيش إخوان في السودان"؟ يوجد إخوان مسلمون في السودان، ويوجد شيوعيون، ويوجد حزب بعث، وحزب اتحادي ديمقراطي، وناصريون. فلماذا الكذب يا رئيس الدولة؟ أليس عيباً أن يكذب رئيس الدولة والقائد العام للقوات المسلحة يا برهان؟!