لعب التدخل الخارجي في القارة الأفريقية دوراً مؤثراً بنشوب النزاعات والحروب الداخلية وإطالة أمد الصراع، وتقليل فرص الحل السياسي وتحقيق الاستقرار في تلك البلدان. وبحسب العديد من الخبراء، فإن التدخل الخارجي في القارة السمراء اتخذ أشكال متعددة سياسية واقتصادية وعسكرية وإنسانية ولوجستية وخاصة في السودان والصومال وماليوتشاد والكونغو وغيرها. فلا تزال أخبار تدخل الأوكران في الصراع السوداني، وانخراط عدد كبير من المقاتلين الأجانب والمرتزقة في الحرب إلى جانب قوات "الدعم السريع" ضد الجيش، تخرج للواجهة بين الحين والأخر، مع حصول الجيش على وثائق وأدلة تثبت ذلك، وسط حديث عن احتمال افتتاح سفارة لكييف في السودان. تدخل أوكراني يعزز الصراعات في دول أفريقية في سياق متصل، وبعد إعلان كييف، على لسان الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وأفريقيا مكسيم صبح، في مايو من العام الماضي، عن افتتاح عدّة سفارات وممثليات لها في عدة دول أفريقية مثل ساحل العاج، بوتسوانا، والعاصمة الرواندية كيغالي، وسط حديث عن رغبة أوكرانية بافتتاح سفارة لها في السودان، ضجت وسائل الاعلام بتصريح لمكسيم صبح نفسه، أدلى به في فبراير الماضي ل "العربي الجديد"، بأن "بعض المواطنين الأوكرانيين يشاركون في الصراع بشكل منفرد في السودان، ومعظمهم إلى جانب قوات الدعم السريع. ومعظم المقاتلين الأوكران هم من المتخصصين التقنيين". معرباً عن استعداد بلاده لأن تصبح مورداً بديلاً للأسلحة للبلدان الراغبة في الدفاع عن سيادتها. وقبل تصريحات صبح، كان المتحدث الرسمي باسم سلاح الجو الأوكراني إيليا يفلاش، في ال 7 من يناير الماضي، قد كتب عبر صفحته على فيسبوك، بأن مدربي ومشغلي الطائرات بدون طيار من القوات المسلحة الأوكرانية يقدمون الدعم لقوات "الدعم السريع" بدعوة شخصية من حميدتي. وبحسب يفلاش فإن: "كييف ملتزمة بأكثر من 30 عقدا عسكرياً في أفريقيا، والسودان هو أحد هذه الدول، وتحديداً مع قوات الدعم السريع". وكانت وسائل الإعلام الأوكرانية وعلى رأسها صحيفة "كييف بوست" منذ مطلع ال2024، قد نشرت تقارير تؤكد التواجد العسكري الأوكراني في السودان. ووفقاً للباحث والناشط السياسي محمد سعد الدين، فإن مجرّد الحديث عن قبول إقامة علاقات دبلوماسية أو افتتاح سفارة أو ممثلية لكييف في السودان، مرفوض تماما من الشعب السوداني، فبعد كل ما سبق ذكره من تقارير استخباراتية وإعلامية وتصريحات رسمية لمسؤولين أوكران حول تدخلهم في السودان، الحديث عن تمثيل دبلوماسي يعتبر إهانة كبيرة بحق الشعب السوداني. وبحسب سعد الدين، فإنه من الأحرى بالحكومة السودانية أن تفكر بتقديم شكوى للأمم المتحدة ومجلس الأمن ضد الحكومة الأوكرانية بسبب تدخلها السافر بالصراع الدائر في السودان وتهديدها المباشر للسلم الأهلي ولاستقرار البلاد، كما فعلت سابقاً ضد الإمارات بعد ثبوت دعمها المباشر بالسلاح والمرتزقة لقوات "الدعم السريع". تنسيق استخباراتي أوكراني مع قوى غربية في أفريقيا في سياق ذو صلة، نشر موقع "إنتليجنس أونلاين" الذي يوثق عمل أجهزة الاستخبارات المحلية والأجنبية التابعة لحكومات رئيسية، تقريراً حول طلب المخابرات الأوكرانية المساعدة والدعم من فرنسا لمحاربة النفوذ الروسي المتنامي في أفريقيا وإسقاط الأنظمة الموالية لروسيا في القارة السمراء. وبحسب الموقع، "تسعى المخابرات العسكرية الأوكرانية للحصول على مساعدة فرنسية في خطة سرية طموحة لسحب نفوذ موسكو من عدة عواصم أفريقية، والوقت عامل حاسم. خاصة وقد بدأ العد التنازلي لمحادثات السلام الروسية الأمريكية. وبحسب الخبير العسكري حسن عبدلله الأحمر، فإن تقرير "انيلجنس أونلاين" يثبت بشكل قاطع تورط المرتزقة الأوكران في السودان وعدّة دول أفريقية، كما يؤكد عمل القوات الأوكرانية كمرتزقة لدى الدول الغربية وخاصة فرنسا وواشنطن في الوقت الذي تعاني منه أوكرانيا الويلات في حربها مع روسيا. خبير: سفارات كييف في أفريقيا مراكز لتجنيد للمرتزقة وبحسب، الأحمر فإن رغبة كييف بتوسيع نفوذها الدبلوماسي في أفريقيا وافتتاح عدة سفارات يأتي بسياق خطة ممنهجة لاستخدام هذه السفارات كمراكز تنسيق ودعم لوجستي وإدارة لعملياتها وخططها ومرتزقتها في أفريقيا بإشراف مباشر من بعض القوى الغربية. كما أشار الأحمر بأن، تقدم القوات الروسية في أوكرانيا وخسارة كييف لآلاف الكيلومترات من أراضيها، بالإضافة لتكبدها خسائر كبيرة في العدد والعتاد، دفع القيادة الأوكرانية وبتنسيق مباشر مع الاستخبارات الغربية لاتخاذ إجراءات تناسب الواقع الحالي، وأبرز هذه الخطط هي إلحاق الضرر بمصالح موسكو في الخارج سياسياً وعسكرياً ودبلوماسيا، بتنسيق استخباراتي غربي وتنفيذ أوكراني. وبحسب الخبير فإن أبرز هذه الاستراتيجيات، تمثل بافتتاح سفارات أوكرانية جديدة في أفريقيا واستخدام السفارات القديمة في تعزيز النفوذ الأوكراني في القارة السمراء، بذريعة تعزيز العلاقات الدبلوماسية، ولكن في الحقيقة سيتم استخدامها لاحقاً بغرض تجنيد المرتزقة والسجناء والمجرمين والزج بهم لقتال الروس في أوكرانيا، والعكس أيضاً، أي استجلاب المرتزقة لمواجهة النفوذ الروسي المتنامي في أفريقيا، وهذا ما أكده تقرير "انتليجنس أون لاين". وكانت مالي أعلنت في أغسطس 2024 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وذلك بسبب إقرار المتحدث باسم وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية أندريه يوسوف بضلوع أوكرانيا في هجوم أسفر عن مقتل جنود ماليين وبعض المدنيين، يُعتقد بأنه السفارة الأوكرانية هناك قد ساهمت به. وكان بعض المحللين قد أِشاروا بوقت سابق، إلى احتمال تقديم أوكرانيا تدريباً مكثفاً ودعماً فنياً لحركة "فاكت" المتمردة في تشاد، وقد ربط بعض الخبراء هذا التواجد الأوكراني بخطط فرنسية تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة، خصوصاً بعد تراجع نفوذها في منطقة الساحل.