أول مرة كتبنا فيها بقلم الحبر ..ضجت مشاعرنا فرحاً ...وزغردت حروفنا على الورق كما يزغرد سن قلم هاشم صديق في الكراس الكتابة باليد متل (شاي الحطب) – قبل أن تستمتع بنكهة الشاي وسخونته فإنك تلظى بناره ودخانه نحن من جيل مازال يعبِّر عن (حبه) بالسهم الذي يشق القلب نصفين.. يفطره إلى قسمين ليس هناك أشمل ولا أعرض من (الطيب عبدالله) ..هكذا حاف – اسمه وحده أثقل من أي لقب وأكبر من أي تشبيه
* أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية جعلت (الكتابة) مثل (الورد المصنوع) جميلة الشكل والمنظر لكنها بلا روح وبلا عطر. * باردة هي ..إن أردت تشكيلها لن يكون لك ذلك إلّا بعد الضغط على (Shift). * أشعر أن تلك (الأجهزة) تفرض علينا الموضوع وعنوانه ، ولا تترك لنا غير (أجر المناولة). * ذلك غير (الحميمية) التى كانت تجمعنا بالورقة فنكتب عليها وعرقنا يتقاطر حتى يكاد أن يفسد ما كتبناه. * أول مرة كتبنا فيها بقلم الحبر ..ضجت مشاعرنا فرحاً ...وزغردت حروفنا على الورق كما يزغرد سن قلم هاشم صديق في الكراس في قصيدته (كل البنات أمونة يا خرطوم). * هذه القصيدة كنا نشاغب بها كبري النيل الأبيض..فيتمايل معنا طرباً. * الكتابة باليد متل (شاي الحطب) – قبل أن تستمتع بنكهة الشاي وسخونته فإنك تلظى بناره ودخانه. * لذلك قصدت أن أكتب عن الراحل الطيب عبدالله بخط اليد ، لعل ذلك أطيب للقلم وأصدق للورق .. كما قصدت أن أثبت أن (خطاباتنا القديمة) تحمل (التضاريس) والأرض وريحة الزول المُرسل منه الجواب. * لست من أنصار حسبة (المشاعر) والأشواق بالسنتمترات المربعة ، أو المكعبة ، ولا من حزب الرجوع إلى عدد الكلمات. * أمقت (الحساب) – لأن (الأرقام) تحولنا إلى (أرصدة) في البنوك – عندما نخرج قيمة الإنسان عبر (الآلة الحاسبة) نحوله إلى كائن (آلي) يكتسب قيمته من ماله وقطع الأراضي التى يملكها. * نحن من جيل مازال يعبَّر عن (حبه) بالسهم الذي يشق القلب نصفين – يفطره إلى قسمين ..ومازالت دفاتر الحنين عندنا تقفز لتكتب ذكراها في (جدار) مدرسة ، أو (حائط) مزيرة يوشك على السقوط فتبقيه هذه (الذكرى) سنيناً عددا. * ومازال إلى وقتنا هذا الذي أكتب فيه إليكم ..(صهاريجنا) – صهاريج الموية ، تنضح بحروف أسمائنا الأولى – فقد كان أول من دوّنا فيه قصص عشقنا (صهريج الموية). * ذلك كان قبل أن تعرف الموية تلك (الفواتير) الرقمية – ذات الدفع المقدم..وقبل أن يجمعوا بين الأختين (الكهربة والموية) في (قسيمة) واحدة !!. * لا أنكر أني تحسّبت الكتابة عن الطيب عبدالله – وتوقفت في المدخل – الكتابة عن (الطيب) تحتاج إلى مناخ (شاعرى). * تحتاج إلى جرير والبحتري وأبو العلاء المعري ليمعطوا شعرهم ويضربوا بأكباد إبلهم البيادي بحثاً عن كلمات تأتي في قامة (طيب) الذكر ، (الطيب) عبدالله ، (طيب) الله ثراه. * هو كله طيب في طيب حتى أن (الطيَب) يرجع تطيبه له ، لأنه (طيباً). * المداخل لمثل هذه القامات تضن علينا بالفكرة التى تكون في قامة من نكتب عنهم. * غير أني استدبرت أمري جيداً – ثم قدرت قبل أن آتي إليكم. * قلت أقول (الزعيم)...فقد كانت زعامته أشمل من هذه الكلمة.. * قلت أقول عنه (البابا)..فوجدت أن (أبوته) أعرض من أن أسجنها في ذلك الإطار.. * قلت فليكن (مانديلا) ، وأنا أبحث عن عنوان لمقالي هذا ..فتراجعت في اللحظات الأخيرة – لأن (الطيب عبدالله) أولى بالتشبيه فهو فوق أن يكون (مُشبهاً). * إذن ليس هناك أشمل ولا أعرض من (الطيب عبدالله) ..هكذا حاف – اسمه وحده أثقل من أي لقب وأكبر من أي تشبيه. * لم أكن أعلم أن (دكي) لحصة البلاغة في إحدى سنوات (عبدالله الحسن الثانوية) سوف يعرضنا لهذا الحرج. * وجدت نفسي لا أملك من البلاغة في سبيل الكتابة عنه ..ما يوفر حق روشتة الدواء لمن يشكي من وجع (القصور) في مثل هذا الموقف. * استوقفني مرة ..وأنا أبحث عنه ..حواراً للمذيعة الأميركية الشهيرة (أوبرا وينفري) والرئيس الأسبق (نيلسون مانديلا). * أوبرا وينفري – لا تكتب (الشعر) – لكنها في حوارها هذا – مع الزعيم الأفريقي مانديلا كانت (شاعريتها) تجعلنا نسمى حوارها (شعراً). * لا أدري لماذا بدأ لي (الطيب عبدالله) – بعمامته التى يكسوها الفخر ..وجلبابه الأبيض عندما يبدو الصباح ملتبساً لها. * يقول مانديلا في (علوم) هذا الحوار عن فترة سجنه : (كل ما استطيع قوله هو إنني أصبحت أقل غباءً مما كنت عليه قبل دخولي السجن ، سلَّحت نفسي بقراءة روائع الأدب ، خاصة الروايات الكلاسيكية مثل رواية (عناقيد الغضب)..- مع الصفحة الأخيرة لهذا الكتاب كنت قد أصبحت شخصاً مختلفاً، لقد أثرى قوة تفكيري وعلاقاتي، تركت السجن أكثر وعياً عما كنت عليه، وعندما يزيد وعي المرء تقلّ عدائيته وغروره). * استوقفني في هذا الجزء قول مانديلا (عندما يزيد وعي المرء تقلّ عدائيته وغروره). * لو أن هذه الجملة تصرف في (حبوب) أو حتى (حقن) لأخرجتها لكم على نحو (روشتة). * الطيب عبدالله ..قلت عدائيته ..وتلاشى غروره ..كان يخدم في الهلال عمره كله – حتى عندما جلس على (كرسي متحرك) ...كان يجلس عليه ليتحرك به من أجل الهلال. * نحن في مثل هذا اليوم من كل عام نتوقف عند (الطيب عبدالله) – ليس تنافساً ولا تلاحقاً. * وإنما لأننا نشعر جميعاً قدر هذا الرجل ..وعظم ما قدمه للهلال. * بقدر هذه القامة – وهذا البهاء الذي يكسو الطيب عبدالله حتى وهو راحل ..أسعد لهذا الوفاء لأمة الهلال التى تبادل زعيمها (التقدير). * كأنهم قالوا له ..إن الهلال الذي بذلت له حياتك وخدمته بصحتك وعافيتك ومالك وأراضيك يعرف حسن ما صنعت ..ويرد لك الجزاء شكراً وتقديراً. * طبيعي أن لا يكون القائد بهذه المكانة – أن لم يكن شعبه ..وأمته من نفس الفصيل. * لذا – دعونا أقول كم عظيم هذا (الهلال) ..وكم نحن فخورين بأن نكون في حضرته (جلوساً). * يحدثنا (مانديلا) في حواره التاريخي مع (أوبرا وينفري) عن (القائد) فأجد أن وصفات مانديلا كلها كانت في جلباب الطيب عبدالله ..وفي روحه التى نسأل الله أن تكون في علين. * يقول مانديلا : ( يُمقت عدم قدرة الشخص على رؤية ما يجمعه بالآخرين ورؤيته فقط لما يفصله عنهم . القائد الجيد يستطيع أن يدخل في مناظرة مع الطرف الآخر وهو يعرف أن الجدال وظيفته التوفيق بين وجهتَي النظر، وأن القوة في الوحدة. القائد الذي يمتلك هذه الرؤية ينبغي ألّا يكون مغروراً أو جاهلاً أو ضحل التفكير.. - عندما يكون هناك خطر فعلى القائد الجيد أن يأخذ الخطوط الأمامية ، أما في الاحتفالات فعلى القائد أن يبقى خلف الكواليس). * هكذا كان الطيب عبدالله ..لذلك تحبه أمة الهلال كل هذا الحب ..وتكرمه في كل عام – وتذكره في كل لحظة. * نحن من الذين حبب لهم الهلال وجذبه إليه ، الطيب عبدالله – حقق (نجوميته) بدون أضواء. * صنع تاريخه بقوة (قراره) ..وقدم للهلال من ماله كل (أراضيه) حتى حاصر أسرته في قطعة محدودة بعد أن منح الهلال كل ساحاته. * كانت ثنائية حمد والديبة ..تدهشنا (غلاطاً) في المدارس. * وكانت عكسيات (تنقا)..نكسر بيها الزمن بين (الحصص). * ومثلما كانت أهداف (والي الدين) بنرحل ليها (من غير زاد) – كانت (قرارات) الطيب عبدالله بتسعدنا بقدر ثنائية حمد والديبة – وعكسيات تنقا وأهداف والي الدين محمد عبدالله. * عندما كنا حضوراً لمباريات الهلال في (المدرجات) كان هتافنا المحبب للطيب عبدالله. * هو صنع فينا كل هذه العزة ..والقوة ..والكبرياء. * هو منحنا شرف الانتماء للهلال. * إني لا أجد حرجاً من أن أكرر قائلاً إننا لو كنا في (السياسة) نملك (قائداً) في قدر هذا الرجل ..لأعدنا (الأندلس) من جديد. * لفتحنا (القسطنطينية) – فقد كانت (الهيبة) التى فيه كفيلة على أن تفعل ذلك. * هو هذّب فينا الرياضة عندما كانت لهواً ولعباً. * وهو الذي علمنا أن الهلال ليس مجرد فريق كرة. * هو قبل البطولات والانتصارات ..عزنا بتلك (المواقف) – وهذا التاريخ الذي نتشرف به كثيرًا. * نسأل الله له الرحمة والمغفرة. * نسأله أن يبدله داراً خير من داره..وأهل خير من أهله. * رجل يملك كل هذا (الحب) وكل هذا التقدير ..جدير بأن ندعو له الواحد القهار بأن يعطيه ويمنحه بقدر هذا العطاء الذي كان يقدمه أضعافاً بفضل المولى وكرمه ..وأن يرفعه بقدر هذا الحب الذي نحمله له برحمة العزيز الجبار. * .......... * ملحوظة : ولن نقول إلّا ما يرضي الله..ولا حول ولا قوة إلّا بالله. هوامش * عظيمة هذه الأسرة التى تفتح دارها في كل عام لأهل الهلال وأمة الهلال وجمهور الهلال. * ذكرى رحيل الطيب عبدالله تبقى مؤتمر هلالي شعبي. * حتى في (موته) يجمعنا على ذلك النحو. * اللجنة التى التزمت بهذه الذكرى ..واجتهدت لإقامتها في كل عام – تستحق التقدير. * هذا شيء لا يحدث إلّا في الهلال. * من أجل هذا أحببنا الهلال. * وبقى حبنا له. * كل أجيال الهلال الجديدة – عليها أن تتعلم من هذه المدرسة. * الطيب عبدالله كان (مدرسة). * لاعبو الهلال لو عرفوا قدر هذا الرجل ..لضاعفوا من جهدهم ومن العطاء الذي يقدمونه للهلال. * ثم نذكر – كل الذين فقدناهم مؤخراً من أهل الهلال ... عبدالمجيد منصور ..عبدالمولى الصديق – داؤود مصطفى – البلولة... * نسأل لهم الرحمة جميعاً. * ......... * عاجل : هذا هو الهلال.