سيف الحق حسن [email protected] مللنا من الحلول الجزئية. فإذا اردت أن تحل أي عقدة جذريا لابد لك ان تتوصل إلى أصلها. فمشكلتنا الاساسية لم تعد قط مشكلة أشخاص أو أحزاب أو جماعة أو أسماء سواء البشير أو الكيزان او الإسلاميون، إنما طبع وتطبع مع منهج الإستبداد. دعني أنقل لك بعضا من كتاب الكواكبى الأشهر "طبائع الاستبداد" لتكتشف جزءا من أسرار الواقع المايل. يقول الكواكبي: الاستبداد لغةً هو: غرور المرء برأيه، والأَنَفَة عن قبول النصيحة، ويُراد بالاستبداد عند إطلاقه استبداد الحكومات خاصةً، لأنها أعظم مظاهر أضراره التى جعلت الإنسان أشقى ذوي الحياة. ويستعملون فى مقام كلمة (استبداد) أحيانا كلمات: استعباد، واعتساف، وتسلُّط، وتحكُّم. والحاكم بالطبع يستخدم عكسها كلمات ك: مساواة، وحِسّ مشترك، وتكافؤ، وسلطة عامة. ويستعملون فى مقام صفة (مستبد) كلمات: جبار، وطاغية، وحاكم بأمره، وحاكم مطلق. عكسها كلمات: عادلة، ومسؤولة، ومقيّدة، ودستورية. ويستعملون فى مقام وصف الرعية الذين يمارَس ضدهم الاستبداد كلمات: أسرى، ومستصغرون، وبؤساء، وفى مقابلتها: أحرار، وأُبَاة، وأعزاء. هذا تعريف الاستبداد بأسلوب ذِكْر المرادفات والمقابلات، أما تعريفه بالوصف فهو أن الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان فعلا، أو حُكمًا، التى تتصرف فى شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محقَّقين، وأعلى ما فى خيل الشعب يركبه، والغنى غنى والما غنى يركب الزلط أو يلحس كوعه. والحاصل كما يشرح الكواكبى أنه إذا ارتفع الجهل وتنوَّر العقل زال الخوف، وأصبح الناس لا ينقادون طبعا لغير منافعهم كما قيل: العاقل لا يخدم غير نفسه، وعند ذلك لا بد للمستبد من الاعتزال أو الاعتدال. وكم أجبرت الأمم بترقّيها المستبد اللئيم على الترقى معها والانقلاب، على الرغم من طبعه، إلى وكيل أمين يهاب الحساب، ورئيس عادل يخشى الانتقام. وحينئذ تنال الأمة حياة رَضيَّة هنيَّة، حياة رخاء ونماء، حياة عز وسعادة، لكن المستبد، كما يصف الكواكبى: (يود أن تكون رعيته كالغنم درًّا وطاعة (خرفان)، وكالكلاب تذلُّلًا وتملُّقًا، وعلى الرعية أن تكون كالخيل إن خُدِمت خَدَمت، وإن ضُربت شَرِسَت، وعليها أن تكون كالصقور لا تُلاعَب ولا يُستأثَر عليها بالصيد كله). وعن متى ممكن أن يخرج العوامّ (المتطبعون مع الإستبداد) ضد المستبد؟. يقول: إن العوام لا يثور غضبهم على المستبد غالبا إلا عقب أحوال مخصوصة مهيّجة فورية، منها: – مشهد دموى مؤلم يوقِّعه المستبد على المظلوم يريد الانتقام، أو – حرب يخرج منها المستبد مغلوبًا، ولا يتمكن من إلصاق عار الهزيمة بخيانة القُوَّاد، – قيام المستبد بإهانة الدين إهانة مصحوبة باستهزاء يستلزم غضب العوام، – تضييق شديد عام حتى على أواسط الناس، – فى حالة مجاعة أو مصيبة عامة لا يرى الناس فيها مواساةً ظاهرةً من المستبد، – حادث تضييق يوجب تظاهر قِسم كبير من النساء فى الاستجارة والاستنصار، -ظهور موالاة شديدة من المستبد لمن تعتبره الأمة عدوًّا لشرفها. ويمكن القارئ أن يسأل: لماذا يبتلى الله عباده بالمستبدين؟ فأبْلَغ جواب مُسكِت هو: إن الله عادل مطلق لا يظلم أحدا، فلا يولِّى المستبد إلا على المستبدين. وهو ما يوافق قول الأستاذ جمال حمدان: الطغيان لا يصنعه الطاغية، وإنما الشعب هو الذى يصنع الطاغية والطغيان معا، والشعب مسؤول عن الطغيان مسؤولية الطاغية نفسه وزيادة. نكتفي بهذا القدر من النجيهة وأستغفر الله العظيم لي ولكم. قوموا إلى صلاتكم لله وحده- فمن لا يصل الناس لا يصل الله، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، ومن لا يخدم الناس لا يخدم الله- يرحمني ويرحمكم الله.