بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    مالك عقار – نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي يلتقي السيدة هزار عبدالرسول وزير الشباب والرياض المكلف    بعد رسالة أبوظبي.. السودان يتوجه إلى مجلس الأمن بسبب "عدوان الإمارات"    السودان..البرهان يصدر قراراً    وفاة وزير الدفاع السوداني الأسبق    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثم ماذا بعد؟ تداعيات ومآلات إنتفاضة سبتمبر المجيدة
نشر في حريات يوم 13 - 10 - 2013

يتساءل الجميع الآن حول مآلات إنتفاضة سبتمبر المجيدة، وتأتي الإجابات مترددة حيناً ومتناقضة حيناً آخر، ويائسة من البعض ، ومليئة بالإدعاءات من آخرين، وكل متسائل يبحث عن يقين، وعن إجابة لسؤال صعب لا توجد له إجابة مباشرة، لأنه يدخل في صميم فلسفة الثورة ، ويتصل إتصالاً مباشراً بتقييم توازن القوى ، ورسم خارطة صحيحة لجذور الصراع السياسي الإجتماعية، وهي مهام تخلت عنها القوى السياسية المعارضة منذ زمن طويل مكتفية بالوصف العام لما يجري ، دون البحث عن أساسه الإجتماعي. وبرغم غياب المعلومة الدقيقة بسبب التواجد خارج البلاد، ورغم صعوبة قراءة الحدث في سياقه السياسي الإجتماعي، إلا أننا نجد أنه لا مناص من التصدي لمناقشة مآلات إنتفاضة سبتمبر ، عبر تحليل بعض السيناريوهات المحتملة.
ومن الطبيعي أن نبدأ بسيناريوهات النظام الذي لم يمر عليه يوم قبلاً وهو في هذه الحالة من الضعف وعدم الثقة بالنفس، بالرغم من إدعاء القوة والتماسك وهيجان رأسه وتمسكه الظاهري بموقفه من زيادة أسعار المحروقات والإستمرار في وصفه للمحتجين بالخونة والمخربين. فالسيناريو الأول هو أن يستمر النظام في الحل الأمني وحده، مدفوعاً بحقيقة أنه لا يستطيع التراجع عن زيادة الأسعار لأنه من المستحيل أن ينفي نفسه ويحمل فاتورة فشله السياسي والإقتصادي للرأسمالية الطفيلية التي تمثل أساسه الإجتماعي أولاً، ولأنه كذلك لا يستطيع مخالفة أوامر صندوق النقد الدولي الذي يدير إقتصاده منذ أكثر من عقد وقوده لفشل مؤكد عبر روشتته القاتلة للشعوب. ولكن هذا السيناريو يعني في المقابل توسيع دائرة الغضب الشعبي ورفد الإحتجاجات بمعين لا ينضب سوف يقودها حتماً لهزيمة الحل الأمني عبر شد أطراف القوى الأمنية وإرهاقها مهما كان جبروتها وعنفها . فالمواطن الذي تطلب السلطة منه أن يعطيها لتعتاش على التطفل المباشر عليه في غياب عملية إنتاجية حقيقية يمكن التطفل عليها، ليس لديه مايعطيه، وبالتالي سوف لن يكون لديه ما يخسره سوى أغلاله مما سيدفعه بكل تأكيد للإنتفاض من أجل كسرها. والنظام رغم ما يبدو عليه من تبلد وانعدام حساسية، إلا أنه حساس جداً تجاه أمنه الشخصي وعلم تماماً أن الحل الأمني وحده، يعني سقوطه لا محالة. ولذلك إستمراره في هذا السيناريو إلى مالا نهاية وفقاً لتصريحات رموزه التي يهدف منها لإرسال رسالة كاذبة للمنتفضين بأنه قد دحرهم لمرة وإلى الأبد وإلى مناصريه بأنه باق إلى الأبد، أمر غير متوقع. فالراجح هو ان يحتفظ بهذا الخطاب وهذا التكتيك خلال فترة بحثه عن حلول ضمن سيناريو آخر، يخفف عنه الضغط ويضخ بعض الدم في شرايينه.
لذلك بدأ فخامة رئيس الجمهورية بتفعيل سيناريو إحتياطي بالإيعاز إلى خاله وصهره بإبتداع معارضة جديدة تدعو إلى تغيير يستبقيه هو رئيساً مع حكومة إنتقالية غير إقصائية تعالج مشكلات البلاد في إطار من التراضي العام، وتستبعد المؤتمر الوطني الحاكم. هذه المعارضة المفتعلة التي هي حتماً إحدى نتائج إنتفاضة سبتمبر المجيدة التي جعلت خال الرئيس يوقع على بيان يدين فصل الجنوب الذي بشر به، سميت بالتحالف الإسلامي وجمعت القوى التكفيرية وبعض القوى الأخرى غير المؤثرة، لتحدث إختراقاً لحالة عدم اليقين التي يعيشها النظام، ولتحرك راكد المياه في إتجاه إيجاد حلول بديلة. ومن أهدافها سحب البساط من تحت أقدام الإصلاحيين بالمؤتمر الوطني ومجموعة سائحون معاً، والتلويح بأن بديلهم جميعاً جاهز لدعم البشير ومجموعته، مع فتح الطريق لتجسير الهوة مع قوى أخرى لا تمانع في الإلتحاق بالسلطة. هذا السيناريو يعيبه ضعف القوى القائمة عليه أولاً، وإصراره على بقاء البشير على سدة الحكم ثانياً، وغياب الحلول للمشكل الإقتصادي الذي أنتج الأزمة الراهنة ثالثاً، لذلك من الصعب أن يحدث إختراقاً لحالة الإنسداد السياسي الراهنة، خصوصاً وأن الولايات المتحدة الأمريكية كعامل خارجي مؤثر لا تدعم بقاء الرئيس وترغب في بقاء النظام مع بعض المعالجات الإصلاحية.
ومن هنا تحديدا تأتي فاعلية التيار الإصلاحي بالمؤتمر الوطني وخوف الطغمة الحاكمة منه. فهي لا تخاف تأثيره على عضوية المؤتمر الوطني لأنه تيار غالب كما يقول د. غازي، لأنها تعودت أن تجمع عضويتها بالعصا متى ما أرادت وتفرقها ووتجاوزها كما تشاء، ولكنها تخاف تلاقي بعض أطروحات هذه المجموعة مع الموقف الأمريكي والأقليمي المؤيد لذهاب الرئيس واعادة هيكلة السلطة حتى يبقى النظام معدلاً. وتراهن على مخالفة بعض الأطروحات كالدعوة لمراجعة قرار زيادة الأسعار الذي لن ترضاه الولايات المتحدة الأمريكية ولا صندوقها الدولي، لإضعاف مركز المجموعة الإصلاحية ومنعها من لعب دور مركزي في المستقبل القريب. ولعل هذا هو الذي يبرر تردد الطغمة في طرد هذه المجموعة وتأجيل أمرها لفترة مابعد العيد التي تحاول السلطة إستخدامها لفرض مزيد من التهدئة واحتواء ليس التظاهرات فقط، بل القوى المتمردة داخل حزبها أيضاً، مع إيجاد آلية لتوظيف كل الأوراق التي بيدها أو التي تتوهم أنها بيدها معاً، حتى تتفادى الموت إختناقاً وعزلةً ومن ثم تكنسها حركة الجماهير.والواضح أن المجموعة الإصلاحية إذا أرادت أن تكون في قلب السيناريو الفاعل مستقبلاً، لن يكفيها التواري خلف مخالفة الإجراءات التنظيمية والدستورية لرفض زيادة الأسعار، بل عليها أن تجد صيغة ترفض بها الزيادة وتقبلها في نفس الوقت، حتى تصبح جزءاً من المشروع الأمريكي الإقليمي البديل. فهي بلا شك ولظروف وأسباب معقدة، لن تستطع إحداث إختراق والتحول لموقع المعارضة، ووعيها بذلك بالإضافة إلى إرتباطها العضوي بالنظام، هو الذي جعلها تصرح بأنها لا تلتقي مع المعارضة في عملها لإسقاط النظام لأنها تهدف إلى إصلاحه.
ولا شك لدينا في أن الكثير من القوى السياسية بدأت في إعادة التموضع لإيجاد موقع لها في السيناريو الأمريكي الرامي لإحتواء آثار الإنتفاضة والمحافظة على النظام معدلاً لا إسقاطه. وهذا السيناريو لم يعد سراً ولا هو بالجديد، إذ أنه طرح على النظام منذ بداية فورة الربيع العربي وفي سبيل تفادي إنتقاله إلى السودان. ولكنه الآن أصبح أكثر راهنية ولم يعد بالإمكان تأجيله أكثر. ففي سياقه جاءت إدعاءات رئيس الجمهورية بعدم رغبته في الترشح لدورة رئاسية جديدة، وذلك لأن شرط هذا السيناريو الأساس هو ذهاب الرئيس واختفاؤه من المشهد السياسي، مع إعادة هيكلة المؤتمر الوطني واستبعاد بعض كادره بمستوى يسمح بإعادة توحيد الحركة الإسلامية، بشرط الإنفتاح على القوى السياسية الأخرى لتشكيل حكومة إنتقالية، ووضع دستور جديد للبلاد في إطار تحول ديمقراطي مسيطر عليه، يجسر العلاقات مع دولة الجنوب الفتية وينهي الصراعات المسلحة، بإستدخال الحركات الدارفورية تحت مظلة إتفاق الدوحة ، والضغط على الحركة الشعبية قطاع الشمال للدخول في تسوية منفردة.
عيب هذا السيناريو هو إهماله لقضايا الجماهير وحذفها من المعادلة السياسية بشكل كلي، وكذلك قصره معالجة الأزمة الإقتصادية ووضع الإنهيار الحالي في تبشيره بإلغاء الدين الخارجي أو تخفيضه، مع فك العزلة الإقتصادية. ولكنه لا يقدم حلولاً عاجلة لمشكلة زيادة أسعار المحروقات، ولا يدعم إعادة الدعم إليها – إن وجد. فهو في أقصى حالات كرمه واريحيته، قد يرضي بجدولة رفع الدعم أو في الحقيقة زيادة الأسعار بشكل تدريجي، يسمح لأي سلطة جديدة بتراجع محسوب ومقنن، تدعمه منح وهبات إقليمية، وإجراءات لازمة لتثبيت سعر الصرف. كذلك يواجه هذا السيناريو مشكلة جلب المؤتمر الشعبي إلى مواقع هذا السيناريو، واقناع الإمام الصادق للمشاركة بحصة محدودة في السلطة الإنتقالية، على أساس أن السيد الميرغني سوف يلتحق بالركب لا محالة خصوصاً وأنه شريك في حكومة المؤتمر الوطني الراهنة.
السيناريوهات السابقة كلها من الممكن ألا تجد طريقها للتطبيق في حال حدوث إنقلاب عسكري. فالمناخ مهيأ لإنقلاب قصر من ناحية، ولإنقلاب مغامرين من ناحية ثانية، ولإنقلاب مدعوم ومدفوع الأجر إقليمياً ودولياً، أو نتاجاً لردة فعل جيش مهزوم ومغيب عن الفعل السياسي وغارق في الفساد. فالنظام في حال إستحكام أزمته وعدم وصوله لتسوية مع المتمردين بحزبه وآخرين من الطامحين لمشاركته سلطته مع بعض التعديلات، قد يقدم على تنفيذ إنقلاب قصر يقيض له فرصة الإحتفاظ بالسلطة مع تدوير الزوايا لخلق أمر واقع جديد يخلط الأوراق ويعيد رسم الخارطة السياسية بالبلاد. ومعضلة مثل هذا الإنقلاب هو صعوبة إحداث إختراق داخلياً، مصحوبة بصعوبة تسويقه إقليمياً ودولياً. والمجتمع الدولي أو إن شئنا الدقة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الإقليميين، يستطيعون تثبيت إنقلاب عسكري منسق معهم في حال توصلوا إلى أن ذهاب الرئيس وعصبته لا يمكن أن يتم إلا عبر هذه الوسيلة، وسوف نسمع خطاباً مرائياً حينها حول التعامل مع الأمر الواقع بشرط الإنتقال السريع للديمقراطية عبر خارطة طريق معلنة. والمغامرون وأبناء الجيش المهزوم والغارق في الفساد، لا شئ يمنعهم من القيام بإنقلاب حظوظه في البقاء والإستمرار ضئيلة هذا في حال نجاحه بالأساس.
يلاحظ على كل السيناريوهات أعلاه أنها لا علاقة لها بدور الشعب وفعله وإرادته، حيث أنها ركزت على السلطة والقوى السياسية المنظمة، برغم أنها تعالج تداعيات إنتفاضة سبتمبر التي جعلت الشعب وقواه الحية المحرك الفعلي للأحداث وصاحب المبادرة السياسية. فقمع السلطة وعنفها جاء في إطار رد الفعل الهجومي لإبطال فعل المبادرة الشعبية الإحتجاجية. والبعض يظن – ومنهم فاعلين في النظام- أن عنف السلطة قد أخمد المظاهرات لمرة وإلى الأبد، ولكننا نؤكد أن هذه جولة ومعركة ستعقبها معارك نتيجتها حتماً هي إنتصار الشعب وسقوط النظام. وهذا الأمر لا علاقة له بالأماني أو التفاؤل غير المنطقي، ولكنه ينبني على معطيات واضحة نوجزها فيما يلي:
وبالرغم من أن الشك لا يؤاتينا لحظة في حتمية إنتصار شعبنا على هذا النظام، إلا أن حركة الجماهير لتنتصر، لابد لها من أن تستصحب تجربة إنتفاضة سبتمبر وتستخلص منها العبر. وفي هذا السياق عليها أن تطور ما يلي:
أ‌. تكريب منظماتها التي ابتدعتها وتعميمها على جميع مواقع تواجد الجماهير وعدم إنتظار الأحزاب والقوى المنظمة لتقود إنتفاضتها نيابةً عنها، وذلك بسبب ضعف هذه الأحزاب والقوى التاريخية المنظمة نتيجة لهجمة النظام عليها ولأسباب موضوعية وذاتية أخرى لا مجال لذكرها هنا. فالنظام يعرف كيف يكسر حلقة التنظيم داخل هذه الأحزاب والتنظيمات ، لأنه إعتاد على تكتيكاتها وطبيعة عملها التنظيمي، ولكنه سيفشل حتماً وإلى حين حتى يدرك طبيعة التنظيم العفوى لحركة الجماهير. سيحاول بالطبع إختراقها، ولكن ليس هذا مدعاة لتوقفها والإحجام عن تفعيلها.
ب‌. عدم الدخول في جدل عقيم مع الأحزاب السياسية والمنظمات التقليدية الأخرى أو مطالبتها بما لا تستطيع تقديمه أو الخوض في عداء معها. على العكس المطلوب التنسيق معها وتشجيعها على الدفع بعضويتها ضمن مظلة الحراك الجماهيري العام الذي يساعدها في فك عزلتها وتخفيف الضغط الأمني عليها. والمطلوب بالطبع هو تفهم هذه الأحزاب والقوى لأهمية وجود نظام فاعل لقيادة العمل الإحتجاجي بعيداً عن سيطرتها مدعوماً منها ، تملكه خبرتها وتتجاوز به عقم أساليبها التي أصبحت مكشوفة للنظام.
ت‌. التعبئة السياسية المستمرة وعدم إعتبار توقف المظاهرات الإحتجاجية هزيمة بل فهمه في سياق إمتصاص عنف النظام مع تأكيد وتكريس المنجزات التي صنعتها إنتفاضة سبتمبر والتي نوهنا لها في مقال سابق. والمهم تأكيد أن الصدام مع النظام وتحديه والعمل من أجل إسقاطه لا يتخذ شكلاً وحيداً يتمثل في المظاهرات والمسيرات الإحتجاجية، بل يأخذ أشكالاً لا حصر لها تقود في النهاية للعصيان المدني الذي يسقط النظام. والمطلوب هو أن تختار جماهير شعبنا وطلائعه الوسائل وأشكال النضال المناسبة للمحافظة على جذوة الإنتفاضة مشتعلة، وأن تجترح سبل الرفض والتحدي التي تساهم في التراكم العام المؤدي للهدف المنشود، دون يأس من تراجع لحظي لأسلوب معين بشكل طبيعي لابد منه لإمتصاص عنف النظام، ودون قصر لنضال الشعوب على شكل وحيد التجربة الإنسانية أثبتت أنه ليس الوحيد، وكتب ومراجع اللاعنف والتغيير السلمي مليئة بوسائل غيره، ومبذولة للقراءة على شبكة الإنترنت.
ث‌. تنمية مشاعر الرفض و التحدي ومحاربة الخوف، دون الدخول في صدامات مجانية مع أجهزة أمن النظام ومليشياته تقود لخسائر لا داعي لها. وتطوير تكتيكات دفاعية ضد هذا العنف بالذات في إطار العمل الجماعي والمنظم لا المبادرات الفردية. وتنشيط الإتصال بالعالم والتنسيق بين قوى الإنتفاضة في الداخل والخارج للإستخدام الأمثل لثورة المعلومات والإتصال، وخلق رأي عام عالمي داعم للرفض والتحدي ولأشكال الإحتجاج السلمي ضد النظام.
ج‌. الحفاظ على سلمية الحراك مهما كان عنف النظام ومهما بلغت التضحيات، وهي تضحيات مقدرة ولكنها لن تبلغ بأية حال ما بلغه شهداء شعبنا في دارفور. وذلك لأن التعامل برد الفعل المباشر وعسكرة الحراك، يعطي النظام أفضلية من حيث إستعداده للعمل العسكري، كما يعطيه المبرر إعلامياً لمزيد من القمع، وتجربة سوريا ماثلة للعيان. ولسنا في حاجة للتذكير بأن الحراك السلمي دائماً أقرب لإسقاط النظم الشمولية من العمل العسكري الذي تجيده، حيث أنه يدفع مزيداً من الجماهير للمشاركة فيه بعد كسر حاجز الخوف، في حين يقصي العمل المسلح غالبية الجماهير ويبقي فقط الطليعة الراغبة في ممارسة هذا العمل.
ح‌. عدم إقصاء أي قوى أو أفراد يرغبون في المشاركة في إسقاط النظام ويؤمنون بضرورة التحول الديمقراطي من أي موقع أتوا ولأي جهة إنتموا، فالسودان القادم هو سودان لجميع إبنائه، وإسقاط هذا النظام المسخ يستلزم جهد الجميع. هذا بالطبع لا يمنع إتخاذ التدابير اللازمة المانعة من الإختراق وضرب الحراك، وعمل موازنة بين الإنفتاح وتأمين النشاط الإحتجاجي.
يتضح مما هو مذكور أعلاه، أننا من بين كل السيناريوهات المحتملة، نرجح سيناريو إسقاط النظام ومن سيلتحق به ، عبر إنتفاضة شعبية لا محالة قادمة لأن نظام الرأسمالية الطفيلية ليس لديه المقدرة ولا الرغبة في معالجة الإنسداد السياسي ، ولا يمكنه حتى إن أراد منع الإنهيار الإقتصادي لأنه حدث بالفعل. كل ماهنالك أن المسألة مسألة وقت، سوف يحاول النظام خلاله عبر جميع السبل شراء عمر جديد وقد يشاركه البعض وهم الإستمرارية عبر واحد من السيناريوهات الأخرى، ولكنه إلى زوال نراه قريباً ويرونه بعيداً. فثقتنا في شعبنا العظيم لا تحدها حدود، ويقيننا بحتمية إنتصاره لا يهزه عنف سلطة ولا تآمر متقاعسين.
هيا لنضالكم يرحمكم الله.
المجد والخلود لشهداء إنتفاضة سبتمبر المجيدة
والخزي والعار والهزيمة لجلاديهم خدم الرأسمالية الطفيلية
د‌. أحمد عثمان عمر
13/10/2013م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.