والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    بايدن يعين"ليز جراندي" مبعوثة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    دبابيس ودالشريف    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر المصري الأبنودي في عيد ميلاده ال76: السيسي أنقذ مصر بمذبحة مماليك غير دموية
نشر في حريات يوم 12 - 04 - 2014

يظل الشاعر الكبير الخال عبدالرحمن الأبنودى شاهداً على فترة طويلة من تاريخ مصر منذ ثورة يوليو 1952 حتى يومنا هذا، ولكنه كان شاهداً فاعلاً مشاركاً وموثقاً بنصه الشعرى جملة من أهم المنعطفات التاريخية والوطنية التى مرت بها مصر من قيام ثورة يوليو إلى تأميم القناة إلى بناء السد العالى.
وثق الأبنودى شعريا لأحد بناة السد، وهو حراجى القط، إلى النكسة، إلى حرب الاستنزاف، كما عايش حرب الاستنزاف بشكل يومى، وقدمها فى وجوه على الشط، وكثيرا ما بشر بقدوم فجر مصرى جديد، بعد فترات حالكة مرت بها مصر.
وحين قامت ثورة 25 يناير كان الصوت الأبرز فى غياب النخبة المثقفة، ووثق شعريا لمجريات الثورة وانعطافاتها وما مرت به، وبشر باجتياز مصر ما تواجهه من أزمات أحدثتها ردة ثورية واستهداف من الإسلام السياسى، وفوق هذا يعتبر الأبنودى الضمير الشعبى الذى وثق للتراث الملحمى، من خلال السيرة الهلالية. الخال.. أو عبدالرُّحمان، كما تناديه يامنة (عمته الأقرب إلى قلبه) يتحدث إلى المصرى اليوم عبر السطور التالية فى عيد ميلاده السادس والسبعين:
■ نبدأ بتكريمك بمؤسسة الأهرام.. كيف تم ذلك؟
- كما تعلم أننى لست من كتاب الأهرام، لكنها تلكيكة بمناسبة عيد ميلادى وصدور ديوانى الجديد (المربعات) الذى كتب مقدمته الأستاذ هيكل، وقد حضر هذه الاحتفالية أحبابى لأشم رائحة الناس من حولى مرة أخرى، فأنا هنا أقابل الناس فرادى، والاحتفالية ستكون مناسبة تجميعية لهم، وكل من أفتقدهم، وتعودت أن يكونوا حولى فى مناسبات، مثل معرض الكتاب والأمسيات الشعرية، حتى فى زحام الشوارع، وأصبح أصدقائى وأطبائى وزوجتى وبناتى قلقين علىّ جداً لنزولى القاهرة، مما يشكل لى إجهاداً، لكننى قلت لهم إننى سأعود فى نفس اليوم.
■ وأنت ابن الجنوب والأكثر دراية بميراثه الأعرافى.. ما رأيك فيما حدث مؤخرا بين الأسوانيين والنوبيين فى أسوان؟
- لا تندهش! فهذا دائما شأن العرب، إذا جاء محتل خارجى زى المغول أو التتار تجد الأمة قد توحدت بكافة عناصرها وقبائلها وفصائلها فى ثوان، وتنسى جميع تناقضاتها وخلافاتها فى مواجهة العدو، ونحن فى حياتنا قد رأينا صوراً لهذا، ففى حرب 1973 وغيرها تجد تلاحم الأمة فى هذه اللحظات الفارقة يدا واحدة حتى الذين كانوا ضدنا نجدهم أصبحوا معنا فى خندق واحد، وأخذوا مواقف رائعة كأن يقطعوا البترول عن الدول الداعمة لهذا العدو الخارجى دائما ما كان يحدث هذا، وعندما يرحل العدو الخارجى ننتبه إلى تناقضاتنا مرة أخرى، ونضخم فيها، ونجعل منها حروباً طاحنة بيننا دون مبرر. والواقعة التى حدثت فى أسوان الآن التى لم نسمع فى يوم من الأيام عنها، أو نسمع حتى عن أى شجار بين شخصين- حدثت فى هذه المنطقة المعروفة بأن أناسها طيبون جداً ومسالمون جداً، غير أنه بمجرد ظهور الإخوان المسلمين فى الصورة، بدأ العبث داخل هذه الكتلة الطينية البشرية من الأسوانيين الجنوبيين وبين النوبيين الذين يسكنون الجنوب، ورأينا فى أسوان كيف أحرقوا أقسام الشرطة، وكيف قتلوا بشرا، واغتالوا رجال شرطة فى أسوان الطيبة التى تشبه نيلها الجميل!! والآن افتعلوا هذه المعركة بين الناس، والناس تقول بنى هلال، ولكنهم ليسوا من بنى هلال، بل هم هلايلة، والهلايلة ليست قبيلة بالمعنى المعروف، ولكنها تجمعات كونت بدنا، دب الخلاف بينهم وبين النوبيين، وهم أرق من الرقة ذاتها، ولا نعتقد أن هناك تناقضا بين قبيلتين، كما تدعى الصحافة عن جهل، لأن هؤلاء ليسوا قبائل، لا النوبيون ولا الهلايلة، إنما القبائل مثلا، كالأشراف أو الهوارة أو الحمدات، هذه هى قبائل الصعيد التى يوجد بينها وبين بعضها التناقضات القديمة جداً جداً، والثأرات الأصيلة كالثأر الذى تلتف حوله العائلة، أما ما حدث فى أسوان، فهو مسألة مفتعلة، افتعلها الإخوان على الجدران بكتابة عبارات مسيئة بنفس الخط لكل من القبيلتين، والذى هاجم الهلايلة هو الذى هاجم النوبيين، لكى يحدث ما حدث، ويسقط الناس بهذه الدموية والكثرة، مما يدل على فراغ فى القلوب وفراغ فى الفكر.
ونحن فى الحقيقة مسؤولون عنه، فنحن منذ قمنا بالثورة من 3 سنوات لم نلتفت للبشر، وخضنا معاركنا فى وسط المدينة بين المثقفين وبعضهم البعض والعملاء وغير العملاء والشرفاء وغير الشرفاء، وهكذا، ولا تتجاوز خلافاتنا وجهدنا الكبير ميدان التحرير وما حوله، بينما الواقع المترامى الأطراف لم ننظر مثلاً لما يحدث على حدود ليبيا مثلاً نظرة حقيقية، كما تركنا سيناء للجيش والشرطة، وكأنها ليست قضيتنا. والآن يتقدم البعض للترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وهو لا يعرف مخارج القاهرة وما هو خارج القاهرة بمتر واحد ليس له علم به، ونحن على هذا فى واقع الأمر منفصلون عن شعوبنا انفصالا تاما، وكأننا شعبان، وأعنى بكلمة نحن النخب السياسية والمثقفة وكل من «يبغبغ» بالكلام، ويمتهن الأدب الصحافة والفن، كلنا منفصلون تماما حتى عن قرانا الصغيرة التى جئنا منها، مما خلف فراغا رهيبا شكل مساحة كبيرة للعبث الإخوانى، وكان من نتائج هذا الوقيعة الإخوانية بين أسوانيين والنوبيين.
■ فى سياق ما يمكن وصفه بمراجعة حصاد ثورة 25 يناير.. كثير من الناس فى الشارع صار لديهم ما يشبه القناعة بأن حصاد الثورة كان مريراً، وأنها أطاحت بوضع سيئ وأدت لما هو أسوأ، وأنها أبرزت أروع ما فى المصريين وأسوأ ما فيهم أيضاً، وأن الأسوأ كان الأكثر، كيف تقيم حصاد ثورة 25 يناير؟
- أختلف مع هؤلاء تماماً، حيث أرى حصاد هذه الثورة عظيما، وأن هذه الثورة فتحت أبواباً لم تستغل بعد، ولكنها أبواب تطل على مستقبل أراه بعينى على الرغم من حالة التشاؤم التى تسود المجتمع.
وأذكر حين وقعت نكسة 1967 كنا أشد حزناً مما نحن عليه الآن، وأنا قلت: «أبدا بلدنا للنهار بتحب موال النهار»، وكنت أؤمن بهذا، وكنت أراه، ولم يكن هذا تفاؤلا ساذجا، بل كان مبنيا على جزئيات فى الواقع، وشواهد تؤكد عليه، وتفسر ما كان لدى من تفاؤل وأمل، وتفسر قناعتى بهذا، وأنا الآن أرى أن ثورة 25 يناير وتصحيحها بثورة 30 يونيو قد فتحت أمامنا أبوابا إذا استغللناها- بل سوف نستغلها- سنجد أمامنا أبوابا لمستقبل عظيم الشأن، ولن نسمح لأحد بأن يردنا إلى ما كنا فيه من نظام قديم أو نظام أقدم ولا حتى فى القادمين للحكم لن يستطيعوا أن يثنونا عن أن نبنى بلداً نحبه، ونؤمن به، وسوف نبنيه، ولا يمكن أن تكون المسافة هكذا بين الحلم والحقيقة فى الواقع، لا يمكن، فالمسافة رهيبة جداً بين المثقفين وجوع الفقراء وسوء حالهم وما يتردون فيه من واقع اجتماعى شديد القسوة على نحو لا يمكن تصوره، ويعيشون فيه الآن على القتات، ولا يجدون ما يطعمون به أبناءهم، وأنا أرى أن هذا لن يستمر، وأنا سوف ننتهى من كل من يحاول إعاقة الثورة، سواء من الثورة المضادة الممثلة فى الإخوان وبعض النخب ذات الصلات المريبة بالخارج، ولكن كتل الشعب المصرى العظيم لم تسمح بالعودة مرة أخرى وإن غداً لناظره قريب.
■ أنت وصفت الميدان فى قصيدتك الشهيرة، لكن الميدان لم يعد ميداناً واحداً بعد الثورة، بل صار أكثر من ميدان، وصار به أكثر من فصيل، وكانت أحداث الميدان متلاحقة، وتكشفت الوجوه والنوايا سريعاً، وأفرزت الكثير من الفصائل، وكذلك الشعر، كيف ترى ذلك؟
-إذا لم يحدث هذا، فسوف نكون شعباً مغيباً، فلكل شخص مطامح مختلفة عن مطامحك وعن مطمح رجل أعمال وعن مطامح أولئك الذين يريدون أن يرتدوا بالأمة قرونا إلى الوراء بادعاء السلفية وادعاء التدين أو التستر بالدين والاختباء خلفه إذن، فنحن لسنا فصيلاً واحداً، وكان لا بد أن تظهر كل هذه الفرق والفئات ولكننى أرى أنه فى المستقبل القريب سوف يعرف كل شريف من هو رفيقه فى الطريق والسلاح، وكيف يتكون البدن الأقوى ومنطق الحياة يقول إن الشر لا ينتصر فى النهاية، ونحن نعرف أن الخير هو الذى ينتصر أخيراً، ولكن علينا أن نتحمل وحتى فى قصيدة الميدان وقبل أن يسقط حسنى مبارك قلت «وحاسبوا قوى من الديابة اللى فى وسطيكم وإلا تلاقوا الخيانة منكم فيكم»، ثم فيما بعد كتبت قصيدة طويلة جدا أقول فيها: «لسه الميدان ما سقطش» ومازلت أرى أنه لم يسقط بعد، وقلت فى هذا «وإنت اللى واقف معايا فى حركة التغيير، بكرة هتقتلنى بإيديك فى ميدان التحرير»، وأنا لا أفرح بسذاجة، ولا أحزن بسذاجة، أبدو شاعراً محباً بصورة رومانسية، لكننى لست رومانسياً على الإطلاق، ولكننى وبإخلاصى لهذا الشعب فإننى أنظر إلى أحواله، وأقيم مواطن الضعف والقوى ومواقع الخطر وغير ذلك، وأنبه، وأصرخ لدرجة أننى أحيانا اتهم بأن شعرى مباشر، وفى كثير من الأحيان أكتب شعرا مباشرا، فأحيانا تكون الأمة فى حاجة لصرخة.. وهذه القصائد من القلب، لكن بلغة هى أقرب للناس فى الشارع، ولا أبحث عن إعجاب النخبة، بقدر ما أبحث عن أن أؤدى دورى بشرف فى صفوف الأمه، وعلى هذا فإننى أرى أن ما حدث بين بعض الفصائل فى الميدان ليس فرقة، وإنما تكشفت الوجوه عن طبيعة أصحابها، فأصبح العميل عميلاً واضحاً والخائن خائناً بوضوح وهكذا.
■ وهل ترى هذا فرزاً ثورياً لصالح الثورة؟
-بالطبع، ولا شك أنه يفرز، ويجعل الشرفاء كالمغناطيس يتجمعون، ويتلاحمون، وينجذبون لبعضهم البعض فى مواجهة الظواهر النفعية الزائلة والعناصر التى تريد العودة بالثورة للوراء، وهى ظواهر زائلة، ولن يبقى إلا أبناء مصر الذين سوف يصنعون لها مستقبلا جميلا، لأنه لن نسمح بعد كل هولاء الشهداء وكل هذه الملحمة الرهيبة بأن نعود مجدداً لنجلس تحت «حيطان الزمن».
■ كانت قصيدتك هى (الصوت الشعرى) الأكثر حضوراً فى الثورة والأكثر رصداً لمجرياتها، وكأنها صارت الضمير الشعرى للثورة والصوت الموثق شعرياً لها بقاموس الشارع صانع هذه الثورة.. كيف كان ذلك؟
- الشعوب كالبحر المائج تهدأ أحيانا، وتغضب أحيانا، وتحطم أحيانا، وتصلح للنزهة والسباحة أحياناً، وإذا أردت حقيقة أن تفهم شعبا، فقسه على طباع البحور، أولا الشعب المصرى بعد 25 يناير، وماتلاها كان حسن النية جدا، ولم يكن يعتقد أن أمريكا والغرب يحفران له هذه الحفرة التى لا خروج منها، ولكن بحسه الأصيل وعبقريته الممتدة فى التاريخ ونقاء سريرته وحفاظه على نفسه، كما أن هذا الشعب لا قتله رومان ولا فرس ولا مماليك ولا إنجليز، كل هذه الجحافل من الأعداء التى جاءت تمر بالخيول على جسده ولم يفنَ!، وأى شعب غيره ما كان ليحتمل كل ما حدث له على طول تاريخه، فنحن حين نقول إنه شعب أصيل أو عبقرى أو له تاريخ أو من الصعب إفناؤه على هذا كله صدقنى هو يستحق هذا عن جدارة، وربما كان من أكبر الشعوب التى تستحق هذا، وهذا الشعب حين أحس بغموض فى داخله بأن 25 يناير ليست «على مقاسه» وأن ثمة شيئا خطأ وغير مريح وغير مفهوم له، لكن بعمق إحساسه التاريخى قرر أن يترك دور الطاولة أو الدومينو فى المقهى لكى يقوم، ويقول لا بأعلى صوت، هذا لن يحدث، ولن أفرط فى هذه الثورة التى شاركت فيها بضمير طيب وسط المتآمرين وأصحاب الغايات من إخوان ومنظمات ثورية لها صلات بالغرب.
بل الغرب نفسه، وعلى رأسه أمريكا وإسرائيل وجميع هؤلاء استراحوا، وظنوا أنهم حققوا ما يريدون، وإذا بالناس الطيبين الغلابة من أبناء مصر يقومون ليقلبوا المائدة على هؤلاء جميعا، فكانت الثورة الثانية فى 30 يونيو لتصحيح مسار ثورة 25 يناير.
ولذا فإن كل من عادى 30 يونيو هم المتآمرون المشاركون فى المؤامرة الخفية التى كانت تستهدف المنطقة العربية كلها والتى أنقذ الشعب المصرى الأمة العربية منها، وطردوا الإخوان والعملاء، وطردوا أمريكا من المنطقة ككل، وألهم الله هؤلاء المخلصين المصريين بهذا الرجل الملهم المشير عبدالفتاح السيسى، ليقف معهم وخلفه الجيش المصرى «يعدل الكفة» ويقيم مذبحة المماليك، دون دماء.
وما كان لمحمد على باشا مثلا أن يصنع مصر الحديثة والمماليك يعوقونه فى كل شارع وحارة ومكان، ودبر لهم مذبحة القلعة، وما كان للسيسى أوالجيش أن يتخلص من كل العملاء والإخوان إلا بمذبحة حديثة لا تحتاج إلى دماء، بل منحهم كل الفرص وطرح لهم الكثير من العروض لاستقرار الأوضاع حين كان الشارع محتقنا، وقال لهم تعالوا نعمل انتخابات مبكرة أو استفتاء وهم يرفضون بغلظة إلى أن وضعهم السيسى فى خانة إلياك، وأغلق عليهم القلعة، وأنقذ مصر، وهاج العالم من حولنا.
وحتى الآن نحن نعانى من عداء العالم الخارجى بسبب إغلاق السيسى باب القلعة الحديث على المماليك المعاصرين، وقد ظهرت كل «الدمامل والتقيحات وأماكن الأمراض» التى تحيط بمصر، وحاولت أن تعوق هذه الثورة.
■ النخبة لم تراجع خطابها، ولم تعقد مصالحة مع الشارع بخطاب جديد أكثر حيوية وتفاعلا، بينما كان خطاب الأبنودى الشعرى أكثر تواصلاً مع الناس، كيف ترى ذلك؟
- العلاقة بالناس تبدأ بألا تفتعل الأشياء، وأنا لا أستطيع أن أعبر المانش، ولكن عبره السباحون المصريون العظماء، كما أننى لا أستطيع أن أكتب فى السياسة، مثل الأستاذ هيكل مثلاً، ولا أستطيع أن أصنع كرسيا كالنجار المحترف.
فأنا قادم من منجم فقراء، منذ رحلت من قريتى البعيدة فى جنوب الصعيد، وأنا قادم بهؤلاء الناس حاملاً على أكتافى همومهم وقضيتهم، ولا أستطيع أن أتخلى عنهم، وأنا لى ناس، وحين أنزل إليهم ينظرون فى عيونى وهم واضحون وأقوياء فى الإدانة، مثلما فى المحبة والتقدير.
ومنذ نطقنا أنا وأمل دنقل أول قصيدتين فى يوم واحد، وكانت عن الوطن عن حرب 1956 وحتى الآن أنا أكتب عن الوطن، وحين أحب أن أكتب قصيدة عاطفية أكتبها أغنية يغنيها مغن، ولكن شعرى هو مسيرتى الحقيقية، وهو الذى يترجم علاقتى بهذا الوطن.
■ ولذلك اتهمك البعض بأن نصك الثورى تحديداً نص مباشر!
- لا أخشى أن يقال نص مباشر أو غير مباشر، لأن الوطن بداخلى، وأراه، ويرانى، ثم إن التنقلات المهمة فى حياتى من القرية إلى القاهرة، ثم السد العالى، ثم المعتقل، ثم حرب الاستنزاف، كل هذا جعل مصر موضوعى الأهم شعرا، ولا أخشى- حين تتضح أمامى الرؤية فى حالة الصفاء التى يمنحها لى الشعر، ولا أستطيع أن أخفيها، ولا أخشى أن أكون واضحا- وأنا مثلا الآن أؤيد السيسى- وهذا حقه علينا، بعد مذبحة القلعة الجديدة- ولكن لا أدرى- إذا قدر له أن يحكمنا، ويجلس على كرسى مصر.
وإذا التفت حوله الحشائش الضارة من حوله والموجود بعضها حوله الآن، وإذا استمر الكذابون الذين يمتدحون، ويتملقون كل من يجلس على هذا الكرسى- حينها سيكون لى نص وكلام آخر.
■ تعنى قد تعود لتنتقده هو وصناع الطغاة الذين قد يحيطون به!
- بلا شك وبقدر ما يعطيه قلبى بقدر ما ينقلب القلب عليه، وعبدالناصر نفسه سجننى، لأننى هاجمته بما أستحق عليه السجن، وليس لأنى صرت رجلا (عجوزا) كما أن أحدا لن يستطيع اعتقالى حاليا مهما بلغت قسوته وجبروته.
■ «مفيش كبير» على أى طاغية!
- أقول لك لا يستطيع أحد أن يسجننى الآن، لأن الشعب المصرى والعربى سيخرج من أجلى.
■ فى سياق رصدنا لحصاد الثورة.. ألا ترى أن تطاولا واستهدافا واستخفافا أفريقيا وعربيا قد لحق بمصر؟
- أنا معك فى هذا، وكثيرون من هؤلاء استهدفوا مصر، بما فى ذلك قطر التى لم يكن لها وجود فى عهد عبدالناصر وبلغ تطاولها واستهدافها وتحريضها على مصر ذروته.
ولكن مثل قطر لا تعدو كونها من الأدوات الاستعمارية، وأمريكا والاتحاد الأوروبى ضدنا بطرق ليست مباشرة وإنما ملتوية من خلال عملاء لهم فى المنطقة العربية، وذلك الحصار المحكم والرهيب من حولنا، سواء من جهة ليبيا أو سيناء، حيث حماس والقاعدة أو من ناحية السودان وموقفها المتذبذب والصادم لنا، حيث المنافذ التى جاء منها السلاح الذى استخدم بعضا منه فى القتل فى أسوان، وهو سلاح من إخوان السودان، كما أن عناصر من الإخوان هربوا من ناحية السودان إلى جانب الحصار الداخلى من العملاء والخونة. ومصر لم يحدث أن كان بها هذا الكم من الجواسيس، لأن الجاسوس الآن هو جاسوس فكرى أى يروج لخطاب فكرى وسياسى خارجى داخل مصر، ولم يعد عميلا بالمعنى التقليدى، ونحن فى الحقيقة نعيش فترة ثرية بالصراع، وأنا أرى أن الصراع، لم يبدأ بعد لأن الناس لم يستيقظوا بعد، ولم ينتبهوا بعد للأخطار الداهمة التى تحيط بهم والشعب المصرى قام فى 30 يونيو بإحساس غامض بأن ثمة خطرا يحيط بالبلد، وأنهم لم يدركوا بعد حجم الأخطار التى تكبلنا، وتحاصرنا.
■ كيف ترى التشرذم الذى لحق بصفوف الشباب الذين شاركوا فى الثورة؟
- هذه قضية خطيرة جداً، فالشباب بالفعل تشرذم، ما بين شباب ذهب للإخوان المسلمين يكترى بالمال ليخوض حرباً ضد الشرطة والجيش، وهم ليسوا إخوانا ولكنهم أقرب للمرتزقة، ويظهرون فى كل المظاهرات الخاصة بالإخوان، وهناك أجر للتظاهر وأجر للاشتباك مع الشرطة واعترافات الشباب الصغير تجد فيها كل ذلك.
إلى جانب بيت المقدس وعناصر القاعدة وكل هؤلاء الخونة الذين يريدون أن يستولوا على الشجرة الكبرى، وعلى باب البستان ومفتاحه وباب الأمة العربية كلها.
وفى زمن عبدالناصر كل هذا الشباب تدفق إلى داخل أطر ثقافية وعلمية، مثل منظمات الشباب الاشتراكى، ولقد آن الأوان لكى نصنع أطرا تثقيفية للشباب ثقافيا وسياسيا وعلميا واجتماعيا، ولعلنى أذكر أننا كنا نذهب لمنظمات الشباب لنلقى عليهم محاضرات فى كل التخصصات، ونقدم أمسيّات شعرية. ومعظم الكبار الفاعلين الآن فى الحركة السياسية فى مصر هم من خريجى منظمات الشباب، ولذلك يتعين علينا الآن أن نبحث عن أطر ومسؤولين يخافون على مصر وشبابها ليتبنوا هذا الجانب، فنحن نربأ بشبابنا أن يذهب للمخدرات أو يكون مأجورا للإخوان المسلمين لمهاجمة الشرطة، أو نتركهم للسلبية الشديدة، ذلك لأن معظم الشباب لا يعمل، وأنهم تخرجوا من الجامعات، ولا يجدون فرص عمل لائقة.
وها نحن نرى اعتصامات الحاصلين على رسائل جامعية وهم عاطلون عن العمل.. فى أى بلد وزمن يحدث هذا؟ إذن لقد آن الأوان فعلا لإعادة صياغة كل هذه الأخطاء المريرة، ولولا قوة مصر ما وقفت على أقدامها وشبابها يمزق هذا التمزيق أمام عيونها.
■ وهل ترى أن مصر قادرة على تجاوز هذا الاستنزاف من الداخل والخارج؟
- لقدحدث ما هو أخطر من هذا وكانت مصر قادرة على تجاوزه وعبوره لتعود سيرتها الأولى، نعم ستعبره، ومن سيحول دون عبور مصر له، فسوف نسقطه (أنا بقولك أهه).
■ أليس من اللافت أن يؤدى رأيك فى السادات واعتراضك على نهجه السياسى لأن تكتب قصيدة مدح فى قاتله، بل تصر عليها، ويعاد نشرها ضمن أعمالك الشعرية الكاملة الصادرة عن هيئة الكتاب، هذا رغم إعجاب السادات بك شاعراً؟
- أنا رجل طلب ودى جميع حكام مصر حتى عبدالناصر، بعد أغنية عدى النار كان يتصل بالإذاعة يقولهم الأغنية فين؟ وأوصى بى حين سمع قصيدتى فى رثاء عبدالمنعم رياض، وهو فى طريق عودته من الجنازة إلى بيته، وكنت أقرا القصيدة فى الإذاعة، أما السادات كان يحبنى، وكان فى ذهنه أن يصنع منى وزيرا لولا خروجى إلى التجمع لكى (أقطع فرض أى صلة أو تواصل محتمل بيننا، يعنى أقطع عليه خط الرجعة) وهذا حدث قبل (كامب ديفيد) التى تنبأت بها فى أشعارى، وأنا أحد المعارضين لها بشدة، وكان رأيى أن مصر(عملت يو تيرن، وعادت للخلف) بطريقة تراجيدية، فنحن قبل أكتوبر 1973 كنا أسياد العالم وفرطنا فى كل ذلك، ولذلك عندما اغتيل السادات لم يكن يهمنى من اغتاله، لكن الذى أهمنى أن مصر انتقمت لفكرة كامب ديفيد وللحاكم الذى تصرف فى مصر دون أن يضع أى اعتبار لشعبه ووضع يده فى يد العدو إلى آخره، أما حسنى مبارك، فكان فى كل لحظة أمرض فيها يتصل بى هو وزكريا عزمى، وحين كنت فى باريس لتلقى العلاج اتصل بى، وأصر على أن أعالج على نفقة الدولة، وقلت له إننى دفعت نفقات العلاج بالفعل، وشكرته، وتعرضت للنصب من قبل وزير الصحة حاتم الجبلى الذى أخذ فلوسى من خلال نصباية مع ملحقنا الطبى، ولما طلبت من فاروق حسنى يتدخل لاستعادة هذه الفلوس قالوا له إن الفلوس دخلت ميزانية وزارة الصحة، ولن نستطيع استعادتها (وأنا أقول هذا للنشر) لقد كان مبارك دائم السؤال عنى حتى وأنا موجود فى مصر، لكن مصر هى مصر، وشعبنا هو شعبنا، ولا صلة لعلاقتنا الشخصية إذا أنا انحرفت، أو ارتكبت خطأ فى حق مصر، وأنا حين أخطئ مثلا يهاجمنى إخوانى من المثقفين، وأتحمل، واعترف إذا ما كنت قد ارتكبت خطأ فعلا، وأنا لم أكتب أغنية لأحد من حكام مصر سوى لعبد الناصر.
■ تعنى قصيدة «تناتيش» التى كتبتها فى عبدالناصر بعد وفاته بأربعين عاما، والتى لم تكن مجرد مدح لعبدالناصر، وإنما كانت أشبه بقصيدة فرزية وأشبه بالمقاربة والمقارنة والمراجعة الشعرية لسياسات رؤساء آخرين بعد عبدالناصر؟
- نعم حتى إن الأستاذ هيكل قال لى: «أنا استنيت.. وقمت الصبح بدرى لأرى ما كتبت.. وأنا اشكرك إنك كتبت وأخدت حقك، وأعطيت الراجل حقه» وأنا اعتبرت شهادة الأستاذ مباركة لها. ولقد جاءت هذه القصيدة بعدما تقلب أمامنا الحكام، وعاينا مفسادهم وانحرافاتهم، فعرفنا قيمة هذا الرجل، وغفرت له الأخطاء الصغيرة التى لم يرتكبها، لم يرتكبها بنفسه، مثل اعتقالى، فليس هو من اعتقلنى، ولكن الأجهزة التى كانت تتربص بالنخبة، وتعاديهم، لكن عبدالناصر هو الذى حرر الأمة، وطرد الإنجليز، وبنى السد العالى، وعمل الإصلاح الزراعى، وحارب الصهيونية. وانظر لساعة الحائط هناك على الجدار أمامك تجد صورة عبدالناصر عليها.
■ أذكر أنه فى عهد عبدالناصر ظهرت فى التليفزيون فى أحد البرامج التى كان حاضرا فيها وزير الداخلية آنذاك شعراوى جمعة، وقلت إن الدولة وضعت مخبرا بين كل كاتب وقلمه فاتهمك خصومك بأنك مخبر، فما كنت لتجرؤ وتقول هذا الكلام ولا تخاف من القمع، كيف كان ذلك؟
- هذا حدث بالفعل وقالوا على مخبرا، لكن لماذا ظهرت فى التليفزيون مع وزير الداخلية؟، ذلك أنه بعد ما سمع عبدالناصر قصيدتى فى عبدالمنعم رياض قال لهم اهتموا بهذا الرجل ولم يقولوا له إننى لم أخرج بعد من السجن منذ شهرين ولما استضافنى التليفزيون لذا كانت إيدى تقيلة وانتهزت الفرصة، وقلت ما قلت، لقد واجهت فى حياتى أشياء ومفارقات وعذابات لا يعلم عنها المثقفون شيئا لأننى لست مهموما بلعب دور الزعيم أنا كنت أخرج من نيابة أمن الدولة العليا، وأذهب للحديث فى الإذاعة واسأل عبدالمجيد محمود، لم أدعى بطولة ولم أتاجر بأى موقف أتعرض له، وكنت أتحمل كل ما يقوله الشعراء المحبطون ومحاولة النيل منى منذ منتصف الستينيات وكنت أقول دائما إن هناك دائما شىء اسمه الغد وهو دائما يأتى، وعلينا أن نرى الفرق من الحق وبين الباطل.
■ من ملامح ما بعد ثورة 25 يناير أن شهدت الانتخابات الرئاسية صعودا لنجم حمدين صباحى، حتى إنه كان التالى بعد شفيق ومرسى، ثم بعد الثورة التصحيحية فى 30 يونيو شهدنا صعودا لنجم السيسى فى مقابل تراجع لنجم صباحى الناصرى كيف تفسر هذا التراوح؟
- كان عندنا مثل صعيدى يقول يطلع من ساقية يقع فى طاحون وهى لها بئر أيضا ولقد كنا فى هذه الانتخابات محاصرين، كنا من هنا برموز من النظام السابق ومن هنا بالإخوان المسلمين، وكان صباحى يمثل طوق النجاة للشعب كله ولولا الألاعيب كان فاز واحد منا، وهو رجل وطنى نظيف وأفكاره لا تختلف كثيرا عن أفكارى سواء علق لافتة الناصرية أم لا، أما بعد 30 يونيو وإلى الآن فإن المعركة اختلفت اختلافا جوهريا فنحن أمام حصار استعمارى من الخارج والداخل يكاد يودى بمصر، وإذا كنت أصلح أنا لحكم مصرالآن لكان حمدين صالحا لحكمها أيضا له. حمدين نظيف ولكنه رومانسى مثلى وهذه ليست الناصرية لكنها مصر فى الحرب العالمية الثالثة ويلزمها هذا الرجل الشجاع الذى وضع رقبته على يده ويستحقها بجدارة، ولا يجب أن نخذله وأنا أتعجب لمن يحاول أن يجرح هذا الإجماع على السيسى ولا أريد لشباب حمدين صباحى الملتفين حوله وجميعهم أبناؤنا جميعا أن يتورطوا فى النيل من السيسى لأنه لم يعب فى أحد، ونحن لا نعرفه ولكننا اخترناه لما قدمه وهو قدم ما لم يقدمه أحد بشجاعة ورصانة وأرى أن هذه الفترة تحتاج لهذا الرجل وخلفه علماء مصر وفلاسفتها ورجال أعمالها الشرفاء وجيشها.
وأنا أحد الذين هاجموا المجلس العسكرى إبان تلاعبه السياسى فى 25 يناير وماسبيرو ومحمد محمود إلى آخره، وقلت: «الشر فى طرف الميدان يسكر.. والفجر يطلع تحجبه العسكر» وأنا أحد الذين قالوا «العسكر» لأنه حينما يسىء الجيش علاقته بالشعب يصبح عسكرا، ولكن حينما يأخذ موقفه مع الشعب ويقف إلى جانبه مثلما كان طوال تاريخه حتى الآن من محمد على باشا إلى الآن ولم يخن الشعب وكان طوال تاريخه حاميا للوطن الشعب واذا كان بعض أعضاء المجلس فى فترة البدايات بعد 25 يناير قد أساءوا للشعب فإنهم يكونون قد أساءوا للجيش، وعلينا أن نتخذ هذه نظارة ننظر بها للجيش والذى هو الآن السيسى الذى حمى مصر من براثن الإخوان، وأظن أننا سنتخلص من هذه الطغمة لسنوات ولتذكر أن مرسى نفسه قال إننا جئنا لنجلس على الكرسى 500 عاما وكان من الممكن أن يحدث هذا ولكن ليس مع مصر أو فى مصر.
■ لم يخل ديوانك الأحدث «المربعات» من نقد سياسى أيضا، لماذا؟
- الشعرعندى نكدى، وهو ابن الفترات النكد وقد ألهمنى السادات مثلا بما لم يلهمنى به رئيس آخر وهو صاحب فضل على فى هذا الجانب ولكن أصحاب الفضل الأكبر هم الإخوان المسلمون، وهل تتخيل مثلا أن شاعرا ينشر كل يوم لمدة 365 يوم فى جريدة التحرير وكان إبراهيم عيسى قد طلب منى أن أكتب وكان يعتقد أننى سوف أكتب نثرا لأستمر ولم يتوقع أننى سأكتب شعرا بشكل يومى لكن الإخوان كانوا مصدر إلهام يومى لى لأنهم فى كل يوم كانوا يحاولون صياغة مصر على هواهم وكل يدبرون الفخاخ للشعب المصرى فأنت يوميا كشاعر تريد أن تبلغ الناس بما يحدث من حولك وحولهم، ما حدث من الإخوان كان على درجة من الغرور والضحالة والأحذية التى وضعوها على رقابنا وهم أول ناس يتركون غبارا فى مطارحهم رغم أنهم لم يمكثوا سوى عام واحد وعادة ما يفسد الزعيم بعد بقاء فى السلطة عشرين عاما مثلا من أدائه الجيد لكن هؤلاء أفسدوا الدنيا حتى من قبل مجيئهم للسلطة من الميدان إلى تزوير الانتخابات إلى أن اقتلعهم السيسى وهناك مربع من هذه المربعات أقول فيه لمرسى قبل أن 30 يونيو: «حضن عليها بجناحك..واحلم لها بأعز صباح ونام إيديك حاضنة سلاحك.. للفتح ياعبد الفتاح».
زى النهارده يوم ميلاده .. الخال.. عبد الروُحمان
فى الحادى عشر من أبريل عام 1938 شهدت دوار المأذون محمود الأبنودى بقرية أبنود الصغيرة بمحافظة قنا مولد طفل أسمر نحيل، لم يكن محمود أو فاطمة يعلمون أن هذا ال«عبد الرحمن» سيكون أشهر شعراء العامية فى العالم العربى. فاطمة قنديل أو «فاطنة» كما يناجيها فى شعره كانت سجلاً لكل أشعار القرية وطقوسها، وكذلك كانت الجدة «ست أبوها»، واعتبر الأبنودى نفسه محظوظاً لأنه عاش مع هاتين المرأتين، أما الأب الذى كان مأذوناً وشاعراً، فلم يتحمل فى ذلك الوقت ما يكتبه ابنه فمزق ديوانه الأول «حبة كلام».
وبعد سنوات، انتقل «عبدالرحمن» إلى مدينة قنا وتحديداً شارع بنى على، وهنا بدأ يستمع إلى أغانى السيرة وتأثر بها. وبعد فترة أرسل عبدالرحمن الأبنودى مجموعة من قصائده بالبريد إلى صلاح جاهين، فلم يكتف الأخير بتخصيص عموده فى «الأهرام» للشاب الجنوبى، بل أرسل قصيدتين له إلى الإذاعة ليبدأ تلحينهما وهما «بالسلامة يا حبيبى» لنجاح سلام، و«تحت الشجر يا وهيبة» لمحمد رشدى.
وفى مطلع الستينيات هبط القاهرة مع رفيقيه أمل دنقل ويحيى الطاهر عبدالله وكان السمر الثلاثة لديهم قناعة بضرورة «غزو المدينة القاهرة» التى كانت أشبة ب «النداهة»، تدعو كل صاحب كلمة وقت الثورة.
وفى القاهرة التحق بأحد التنظيمات الشيوعية، فألقى القبض عليه (1966)، وفى السجن اكتشف أن «الشيوعية ليست طريقا لتحقيق الذات أو تقديم خير إلى الفقراء»، وجاءت النكسة ليرى كل الأحلام تنهار فكتب لعبدالحليم حافظ «المسيح» و«عدا النهار» ثم ذهب إلى الجبهة وهناك كتب يومياتها فى ديوانه «وجوه على الشط وفى تلك المرحلة وفر له إعجاب الرئيس عبدالناصر بأعماله، خاصة القصيدة التى كتبها فى رثاء عبدالمنعم رياض وأغنية عدا النهار وغيرها حماية من بطش «زوار الفجر» وبعد انقلاب السادات بدأ التضييق الأمنى على الأبنودى الذى رفض «أمن الدولة» سفره إلى تونس ليستكمل مشروعه فى جمع الهلالية واتصل به أحد الضباط يفاوضه على السفر مقابل «كتابة تقارير عن زملائه»، فرفض.
وكانت أكثر ذكرى تزعجه من تلك الفترة «شائعات الرفاق الثوريين» حوله وخرج الأبنودى من مصر واختار لندن منفى اختياريا لثلاث سنوات، أنهاها عبدالحليم مستخدما «سلطته» فى السماح له بالدخول إلى مصر. واعتقد السادات أن الأبنودى سيكون صوته، فأعلن رغبته فى تعيينه «وزيرا للثقافة الشعبية» لكن اتفاقية «كامب ديفيد» ألهمت الشاعر قصيدته الشهيرة «المشروع والممنوع» وهى أقسى نقد وجه إلى نظام السادات وبسبب هذا الديوان جرى التحقيق مع الأبنودى أمام المدعى العام الاشتراكى بموجب قانون سمى «حماية القيم من العيب».
وحين كان الأبنودى فى أبنود فى سياق جهده لجمع السيرة الهلالية جاءته مكالمة من الإذاعة، من أحمد سعيد وعبدالحليم حافظ ووجدى الحكيم وعاد الأبنودى وأثناء الرحلة التى تزيد عن اثنتى عشرة ساعة كتب تلك الأغنيات التى صارت أغنيات الحرب فيما بعد.
ومن أشهر أعمال الخال الأبنودى الأرض، والعيال والزحمة، وجوابات حراجى القط، والفصول، وأحمد سماعين، وبعد التحية والسلام، ووجوه على الشط، وصمت الجرس، والمشروع والممنوع، والمد والجزر، والأحزان العادية، والسيرة الهلالية، والموت على الأسفلت، وسيرة بنى هلال بأجزائها الخمس، والاستعمار العربى.
ومن الأغانى الأخرى التى كتبها لعبدالحليم أحلف بسماها وبترابها، وابنك يقول لك يا بطل، وأنا كل ما أقول التوبة، وأحضان الحبايب، ومما كتبه لمحمد رشدى تحت الشجر يا وهيبة، وعدوية، ووسع للنور، وعرباوى ولفايزة أحمد يمّا يا هوايا يمّا، ومال على مال ولنجاة الصغيرة عيون القلب، وقصص الحب الجميلة ولشادية آه يا اسمرانى اللون، وقالى الوداع، وأغانى فيلم شىء من الخوف الذى كتب حواره أيضا وكتب لصباح ساعات ساعات ولوردة الجزائرية طبعًا أحباب، وقبل النهاردة ولماجدة الرومى جايى من بيروت، وبهواكى يا مصر لمحمد منير قلبى مايشبهنيش وشوكولاتة، كل الحاجات بتفكرنى، من حبك مش برىء، برة الشبابيك، الليلة ديا، يونس، عزيزة، قلبى مايشبهنيش، يا حمام، يا رمانكما كتب حوار فيلم الطوق والإسورة وأغانى فيلم البرىء.وبمنذ ثورة 25 يناير والخال يواصل عطاءه شعرا شاهدا وموثقا لها بنصه ومبشرا وفاضحا الزيف والانتهازية.
واليوم نحتفل بعيد الميلاد السادس والسبعين لشاعرنا الخال عبدالرحمن الأبنودى، الذى ولد «زى النهارده» فى 11 إبريل 1938 والذى يعد شعره أيضا توثيقاً لقاموسنا اللغوى الجنوبى الغنى، وأرخ لعذابات الجنوب عبر يوميات شعرية لأحد المواطنين المطحونين فى «جوابات حراجى القط» وكتب الكثير من النصوص عن القضية الفلسطينية وعن ناجى العلى فى «الموت على الأسفلت» وكتب قصيدته الإشكالية «الدايرة المقطوعة» التى تطالب النخبة بالنزول إلى رجل الشارع، غير عمله التوثيقى العملاق «السيرة الهلالية» الذى جاب فى سبيل توثيقه صوتيا وكتابيا كل ربوع مصر، وكان الأبنودى أول شاعر عامية يحصل على جائزة الدولة التقديرية عام 2000 كما حصل مؤخرا على جائزة الشاعر الفلسطينى محمود درويش كما حصل على جائزة النيل وكانت قصائده المتتابعة منذ اندلاع ثورة 25 يناير ومن بعدها 30 يونيو توثيقا وتأريخا وشاهدا ونصا لصيقا بالثورة ومحذرا صانعيها من اختطافها من قبل الانتهازيين من سارقى النار المقدسة ومبشرا بغد أروع لمصر رغم كيد الكارهين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.