سيف الحق حسن يستخدم السودانيون مصطلح الواو الضكر في الدلالة على الجهل بالشئ، أو الغرور به. فتسمع أحيانا: والله فلان ده الواو الضكر ما بِعْرِفُو!! أو فلان ده عامل لينا فيها واو ضكر.!. وكلا المثلان ينطبقان على مفكرينا السودانيين. فنحن لدينا قضايا، سياسية وإجتماعية وإقتصادية، أساسية ملحة تحتاج منا إلى عقول مميزة وبذل جهد فكري مضاعف لحلحلتها. لكننا، للأسف، نجد أنفسنا بين نوعين يقوداننا دوما للفشل. فالواو الضكر الأول يدعي بأنه الوحيد المحق والأفضل من الجميع ليحكم، وبذلك فهو يبتز الآخرين فكريا بأن معه الحق الإلهي. وعند الفشل المتتالي يقوم بتركيب قناع جديد ينادي بالإصلاح والتغيير. فكلما يفشل يقول إن المنهج صحيح ولكن التطبيق كان خطأ ويدعم موقفه الجديد بالمقارنة غير المفيدة مثل قال فلان الفلان من السلف الصالح، ولأننا هكذا حل بنا ما حل. ويلجأ إلى نفس الحيلة للبروز الفج كنحن مستهدفين من إسرائيل والغرب لأننا نريد تطبيق الشريعة!. فهؤلاء المفكرون يضعون دوما عدو إفتراضي في قضية العقيدة والإيمان. فإن غاب العدو تعرى فكره الخاوي من أي منطق للإصلاح. فهو مثله كمثل الطبيب الذي لا يعرف المرض أساسا ويقوم بتقديم علاج للمريض بالشعوذة والدجل ليخرج منه الجن ويسميه الرقية الشرعية. ومن ناحية أخرى يستمرون في الخداع بأسطورة الشريعة الإسلامية لإستمرار الترويج لدعمهم في التمايز عن البقية. وأنا لا أدري ماذا يعنون بالشريعة الإسلامية التي يفترون عليها وأخرجوها من معناها الأصلي في الإتباع الفردي للشخص لنهج النبي صلوات الله وسلامه عليه. فإذا دقق أي أحد قليلا يجد إنهم يقصدون بها العقوبات –فقط- التي تمكنهم من السيطرة على الناس بإرهابهم، والتي أصبحت غير صالحة لأنها لم تتطور بنفس لغة العصر فى إقرار المساواة الإنسانية بمقاييس العصر الحالية. ولذلك نرى من هذا الواو الضكر ممارسات ظالمة وإنتهاكات صريحة لحقوق الإنسان بإسم الدين. وعلى العموم هذا النوع من المفكرين إنكشف على حقيقته ولكن لا يؤيده إلا فلول الأرزقية والمنتفعين وبعض المخدوعين الذين لا يتعلمون حتى بالتكرار الذي يعلم الشطار. أما النوع الآخر، يريد أن يقفز ليستعير نموذج الديمقراطية الغربي لتطبيقه مباشرة من غير تهيئة للوعاء الذي يحقق نجاح ذاك النموذج. ففي الأجواء التي لا يزال فيها مفهوم الإسلام دين ودولة، ودولة الشريعة والدولة الإسلامية هو المسيطر على عقليات حتى المعارضين، فمن المؤكد حدوث فساد سياسي نتيجة هذا التماهي في عدم الفصل المبين بين الدين والدولة. وهنا يأتي دور المفكرين لقيادة ثورة الوعي التي يجب أن تمتد ليس للمثقفين فحسب بل حتى للبسطاء ليعرفوا إنهم أحرار في معتقداتهم الدينية والفكرية، وحقوقهم الأساسية في الوطن مكفولة وأقلاها هي العدالة والمساواة، والدين لله والوطن للجميع. ولكننا للأسف نجد من المفكرين التراخي والجبن الفكري، وقبول الإبتزاز والإستفزاز من أي أفكار يقحم الدين فيها، إذ يخشى الكثير منهم مواجهة اتهامات التكفير والزندقة وبذلك تكون أفكارهم باهتة ورمادية دوما. فمهما فعلوا ليأتوا بالتطبيق المباشر لمواكبة تطور المجتمعات التي تقدمت لن يستطيعوا لأن مجتمعنا لم يتطور على نفس الخط. بل نحن متأخرون عنها إجتماعيا بقرون. فمشكلاتنا الحالية شبيهة بمشكلات زمان عهود الظلام، وسلوكنا معها يشبه سلوك مجتمعات القرون الوسطى. ففي ذلك الزمان كانت الإنتهاكات عرفا وتمر دون ملاحظة ولا حتى إنتقاد، ولا إعتراض وفوق كل ذلك يحميها الدين، ورجال الدين، والمؤسسات الدينية والمنتفعين بها والعاملين عليها والمؤلفة جيوبهم، وجمهور لم ينفك يخدع بإسم الدين فيكون عقله هو أول عقبة التغيير. خذ مثالا فقط، قضية د. مريم لتكتشف مدي تأخرنا وإن الكثير لا يفهم دين الله الصحيح ولكن يفهمه كما يريد الإسلاميون. وأتسائل أين نشاط المفكرين في الوقوف ضد الإسلاميين بالمرصاد دون مهادنة وحلولهم الفكرية لأزمات الوطن. وإن كان، فإن أي حل يقدم لن ينفع إلا بإعلانهم الصريح لضرورة الفصل بين الدين والدولة كشرط أساسي لنجاحها. فنحن متفقون جميعا على الديمقراطية، ولكن هل ستنفع الديمقراطية في ظل عدم توفر العدالة السياسية من الأساس. وأين المفكرين من القضايا الإنسانية من الحروب الدموية الدائرة التي إنهارت فيها الكرامة الإنسانية بقتل الأطفال وإغتصاب النساء وتشريد الأبرياء. أين نظرتهم الكبيرة لإكتشاف المعضلة الأساسية التي تمخضت منها كل هذه السلسلة من الإنتهاكات الإنسانية والفساد في شتى المناحي. أين هم من التوضيح للناس بأنه لافرق بين الأخوان والكيزان والسلفيين والمؤتمر الوطني والشعبي، والحركة الإسلامية والقاعدة وكل من لف لفهم، وبأنهم جميعا يمثلون الإسلاميين الذين يريدون دولة إسلامية تحل محل دولة المواطنة. بالتالي فهم يتلونون، فمرة تجارة بالدين ومرة تجارة بالوطنية، ولا يأبهون بأمر الوطن وإنما هو محطة لتنفيذ أجندتهم الكبيرة. أين هم من جون جاك روسو وبرتراند راسل ونيتشه وميشيل فوكو، على اختلاف توجهاتهم الذين ساهموا في تحرير عقول الكثير. فالذي جمع بينهم هو الإبداع الفكري وقدرتهم على لفت أنظار المثقفين على ما خفي عنهم. فبفضل هؤلاء اكتشف الناس كلمات بسيطة ولكن ذات مغازي كبيرة كالإنسان الطبيعي، وديكتاتورية الأغلبية، وحقوق الفرد الأساسية، وغيرها من الأفكار الأصيلة التي لم يسبقهم إليها أحد، ولم تشبه ما كان سائدا ومتداولا. وعلى ذلك، مهما بحث المفكرون في كتب السياسة والإقتصاد والإجتماع المعاصرة للتطبيق مباشر لن يجدوا ما يداوى حالتنا، لأنها متأخرة جدا عن العصر. فالمرض الذى لدينا يحتاج لمجهود فكري جبار. ومهما قدمت حلول تسمح بتميز الإسلاميين فيعني مسبق الفشل لأن الأرضية للديمقراطية لم تتهيأ وبالتالي لن نجني من وراءه إلا استعبادا جديدا. أيها المفكرون: نحن نخوض معركة (((تنوير))) خاصة بنا نريد فيها عمق إنسانى صريح خالي من التخدير الديني بالوعظ الرنان ورؤية سياسية وطنية واضحة تبيد فكرة الإسلاميين وتقضي بالفصل بين الدين والدولة.