لم يتوقع أحد من المتفائلين أو المتشائمين أن تكون نهاية المشهد الدراماتيكي لمسرحية حضرة الإمام بهذه الطريقة الهزلية والساذجة، مما يدل على عدم الفطنّة السياسية للجانبين، المناديين بإعتقاله لكي يؤدب ويعودلرشده،أوالذين أرادوا أن يجعلوا منه بطلاً قومياً، يخوض غمار حرب لا وجود لها في الواقع إلا في مخيلتهم المريضة. وقبل استدال الستار يتضح لنا أن أصحاب فكرة وإعداد سيناريو هذهالمسرحية السيئة، وكذلك المخرجينوالشخوص التي على خشبة المسرح جميعهميتشابهون في كل شئ، في الانحطاط السياسي والثقافي والأخلاقي، وفي الفكر الضحلالفطير، وضيق الأفق وقصر النظر، ويتبعهم في ذلك حملة أقلام المباخر، والإعلام المشوه،وصحفيي الشهادات المضروبة،ومحللي الغفلة في أجهزة الأمن والمخابرات، وخبراء السجم والرماد ومن لف لفهم، بزعامة الفاقد التربوي (حميدتي)، لم يدرك هؤلاء أن فطنة وذكاء الشعب السوداني كانت أكبر منهم جميعاً،وفوتت عليهم الفرصة التي كانوا يحلمون بها، لتكون البطولة المطلقة لحضرة الإمام،لكن مساعيهم للأسف الشديد باءت بالفشل الذريع، كالفشل الذي ظل يلازمهم طوال سنوات حكمهم البائسة. حقاً إنها سخرية الإقدار، أن يمسك هؤلاء بزمام الأمور في بلادنا التي أصبحت صعيداً زلقاً. بإعتذارك الأخير يا حضرة الإمام، بعد خروجك من المعتقل، سقطتَ سقوطاً مدوياً كزعيم سياسي في لجّة سحيقة لا يمكن الخروج منها أبداً.لأن العارفين ببواطن الأمو، كانوا يعلمون مسبقاً بأمر الإعتقال قبل ثلاثة أيام، وما تصريح الفريق صديق إسماعيل إلا دليلاً واضحاً على ذلك، ولكن ربما لأمر في نفس يعقوب، أو لأنككنت من المطلعين على هذا السيناريو السيء، ووجدت أن النص يشبهك تماماً ويتماشى مع شخصيتك حمالة الأوجه، مع إضافة بعد التعديلات عليه، والبهارات الدرامية، حتى تزيد من سخونة الإثارة وتحلو روعة المشهد. من الذي أجبرك يا حضرة الإمام، على الدخول في المحظور، على قول الحرام في الشهر الحرام، ثم العدول والإعتذار، مهما كانت مسوقاته أو الظروف المحيطة به، كما ورد في بيان الاعتذار هي سقطة إخلاقية كبرى، تبرهن بأن حزب الأمة وكيان الإنصار لم تعد له قيادة راشدة وواعية ومدركة لحجم جمهوره العريض تقوده إلى الطريق الصواب وهي للآسف ضلت الطريق سنيناً طويلة في ظل قيادتكم. ثبت بالدليل القاطع الذي لا يقبل الشك أن الصادق المهدي كزعامة دينية وتاريخية، وهو في أواخر عمره، لم يقوى على تحمل كلفة النضال الباهظة الأثمان، لذلك بدأ كزعيم كرتوني بإمتياز، فاق حتى قيادات أحزاب الفكة والتوالي والمؤلفة قلوبهم، حاملي السونكي والمستجيرين برمضاء المؤتمر الوطني،بعد أن تم شراء ذممهم بثمن بخس دراهم معدودة. أنتهى عصر القطيع إلى غير رجعة،ولم يعد ينفع الناس في حزب الأمة وكيان الأنصار، ولا في حزب الاتحادي الديقراطي وطائفة الختمية، ميوعة الطرح والمواقف المتضاربة، ولذلك بفطنة ووعي الجماهير لهذه الكيانات تمت تعرية القيادة تماماً من أي مواقف سالبة لا تشبه الشعب السوداني، وأتضح وقوف هذه القيادة مع كهنة المعبد في إذلال شعبنا الآبي من أجل عيون سادتهم وأولياء نعمتهم. لم تكن يا حضرة الإمام بحاجة لهذه المسرجية السمجة، لكي تخرج للناس وتتحدث لهم بأن تجربتك في السجن أحدثت أستفتاءً شعبياً ووحدت الشعب السوداني بما في ذلك المعارضة المسلحة والمدنية. هذا القول محل نظر، لكن دعونّا ننظر للجانب الآخر من الصورة، صحيح الكل تضامن معك من منطلق الحرية لنا ولسوانا، ولكن الصحيح أيضاً الكل دون إستثناء من المعارضين الحقيقين من رأها مسرحية إمتثلت فيها للمنتج والمخرج في حيكاتها، حتى كهنة المعبد الذين كنت تدبج لهم حلو الكلام وتصريحات المجاملة أحياناً، وتجد لهم المخارج المناسبة لحوار الوثبة إياه، كل هذا لم يشفع لك في خيمة العزاء التي نصبوها لك، بعلمهم أو بدونه تلك مشكلتهم، وسياستهم الرعناء، وهي التي أوصلت البلد إلى الخراب والدمار، بطول البلاد وعرضها الفضل ، وحرب تقتطع الأوصال وموت مجاني ومجازر متنقلة، وإعتقالات بالجملة والمفرق، وسيادة منتهكة، وأطراف مقتطعة. وللاسف الشديد الجميع يواجه هذا بدفن الرؤوس في الرمال، و حتى جيشنا الهارد مالنا ودمنا أصبح مليشيا مؤدلجة. يا للمفارغة خسرت يا حضرة الإمام، بإعتذارك كثيراً، وربح الفاقد التربوي (حميدتي)، حين قال "أقبضواالصادقيقبوضوه فكو الصادق يفكوه" هل هناك مهازل وخسرانمبين أكثر من هذا ياحضرة الإمام!، إذن أنت إمتثلت لسياسة الأمر الواقع، وقبلت مقايضة حريتك بخروجك، من الحبس المفروض عليك بالإعتذار، الذي سوف يكون وبالاً عليك طوال حياتك وسجل يا تاريخ ، الرجال يا حضرة الأمام مواقف، بموقفك هذا أنت تقول للجماهير حزبك وبقية الشعب السوداني الفضل بلطوا البحر. ولذلك أدعو جميع جماهير حزب الأمة وكيان الأنصار والقيادات الوطنية الشرفاء السعي إلى عقد مؤتمر إستثنائي تتجاوز فيه الزعامة الكرتونية، والقيادات المؤلفة قلوبهم داخل الحزب، والمحسوبة على المؤتمر الوطني، بإنتخاب قيادةجديدة وطنية ونزيهة ذات خبرة وكفاءة، تتدرك متطلبات المرحلة وحساسيتها، وتستجيب لمطالب شعبنا في إسقاط النظام، بدل الجلوس والفرجة على الرصيف، ومشاهدة حزبهم ينحدر أسفل سافلين،ويساق بيد زعيمه التاريخي إلى المهالك، بسبب شخصنة القيادات والقداسة الزائفة التي جلبت الويلات لجمهور الحزب والكيان. بالتأكيد هناك الكثير من القيادات الشريفة داخل الحزب، صاحبة التاريخ الناصع البياض، والمشهود لها بالكفاءة،والمجاهرةبالعداء للديكتاتورية الحالية، على رأسهم الآمين العام السابق دكتور إبراهيم الأمين الذي يقع عليه العاتق الأكبر، في تفعيل المبادرةودعوة جماهير الحزب وقواعده، بالولايات في تنسيق الجهود لكنسالقيادات الهزيلة، وأن يصحب معه في دعوته قيادات الحزب التاريخية أمثال بروف مهدي أمين التوم، وبروف التجاني الطيب الخبير الإقتصادي، وبروف بشيرعمر الوزير السابق وغيرهم من القيادات الوطنية المتميزة لكي يتخلصوا من الأرث الثقيل لهذه الزعامة التي عطلت الحزب، وأدخلته في حجر ضباً خرب. وياله من موسم جميل، أن يرى الشعب السوداني الآبي تساقط القيادات والزعامات الكرتونية في قدوم فصل الخريف. ختاماً، يا حضرة الإمام جرت مياه كثيرة تحت الجسر، منذ إعتقالك وحتى خروجك، فتنحى جانباً لان الوقت ليس وقتك والزمان ليس زمانك، وإنتهى عصر الفراعنة وعبدة الكهنوت، وتقديس الشخصيات، فترجل عن صهوة جوادك، وأحفظ ما تبقى لك من رصيد. أتمنى ياحضرة الإمام أن تستجيب لنداء المحبين قبل المعارضين. وبالله التوفيق. *****