رباح الصادق المهدى ورد في (الانتباهة) بالأربعاء 22 أكتوبر2014م خبر يصيح بخط عريض: (إبطال تعيين "سارة نقد الله" أمينا عاما لحزب الأمة) ومتنه يشرح إبطال (مجلس شؤون الأحزاب السياسية) لقرار تعيين سارة (مبقياً على الأمين العام السابق للحزب د. إبراهيم الأمين). ونود اليوم تداول مغزى تلك (الكركبة) ومآلاتها، السياسية والقانونية والتنظيمية. لنبدأ أولاً بالملف السياسي، ونذكّر بأن حزب الأمة القومي ربما الحزب الوحيد في الساحة الآن الذي لم يعترف بشرعية الحكم (الإنقاذي) طيلة نيره، وظل تعامله معه دائماً باعتباره أمراً واقعاً، ولم يشارك في أي مستوى من مستويات الحكم لا التنفيذية ولا التشريعية وفي الأخيرة اشترك في الفترة الانتقالية معارضون أمثال الأستاذ فاروق أبو عيسى والحزب الشيوعي السوداني. فالحزب يعامل الحكم من باب (سد الذرائع) و(درء الفتن). ويذكّره دائماً بأن الخلافات السياسية لا ينبغي أن تتلبس لبوساً أخرى. مثلا أعلن المكتب السياسي للحزب في 7 يونيو 2014م إبان اعتقال رئيسه في الفترة (17 مايو- 15 يونيو 2014م) رفضه التعامل القانوني مع المسألة باعتبارها محض كيد سياسي. إذ أُديرت في وسائل الإعلام وداخل البرلمان أولاً ثم اتشحت بالقانون. ورئيس الحزب حينما استلم البلاغ ضده مساء يوم 14 مايو، كانت الصحف خرجت كلها بخبر البلاغ صباح ذلك اليوم، وحينما ذهب للتحقيق معه في النيابة يوم 15 مايو كان البرلمان قد أصدر منذ يوم 14 حكمه عليه بالخيانة العظمى، وكانت الصحف تحمل تلك الأنباء (السعيدة). وفي أثناء اعتقال رئيس حزب الأمة كذلك تم تسليم الحزب طعن الدكتور إبراهيم الأمين وآخرين من قبل مجلس شئون الأحزاب، وسلم الحزب رده. والآن حينما خرجت (الانتباهة) بالخبر لم يُرفع حاجبٌ بالدهشة، فقد كان متوقعاً أن يحكم المجلس بما حكم برغم جلاء موقف الحزب ولجج أصحاب الطعن الذين ارتضوا أن يكونوا أداة (تطويع لحزب فالت)، في حين لم يستلم الحزب رسمياً أية إفادة من مجلس شئون الأحزاب. وعبّر على لسان رئيسه بالإنابة اللواء فضل الله برمة أن الخبر (مكايدات سياسية) ولو صح يؤكد أن المجلس (مجرد أداة في خطة استهداف النظام لحزبنا، بسبب الدور الوطني الذي يقوم به). المهنية والعدلية تقتضي لو أن المجلس اتخذ قراراً أن يعلمه للحزب أولاً، لا أن يدير معركته السياسية المكشوفة عبر الإعلام. ويُتوقع يوم صدور المقال (بالأحد) أن يكون القرار ذاع وعم القرى والحضر. وأن ينظر حزب الأمة له باستخفاف ويقول للمؤتمر الوطني (جرّب غيرها، وأي مجلس انتداب تضعه لكسري وما استطاعها مجلس الحاكم العام البريطاني يوم كانت إمبراطوريته لا تغيب عنها الشمس؟ فحين جد الجد أريته ما لم يكن له يحتسب!) وللمغالط أن يطالع ليس أدبياتنا النابهة مثل كتاب د. فيصل عبد الرحمن علي طه الضخم، أو كتاب الطبيب الجراح مستر موسى عبد الله حامد الفخم، ولكن ليطالعن ما قاله (جمال محمد أحمد) رحمه الله، و(بروفسر حسن محمد إبراهيم)، و(بروفسر أحمد إبراهيم دياب)، والقائمة تطول.. وليكررن مع الحاردلو مخاطباً خليفة المهدي وقد نجا من محاولة اغتيال رديئة الحبك: أكان ما جور زمان وناساً فهمها قليل شرك أم قيردون كيفن بقبض الفيل؟ بوضوح، سوف يرفض حزب الأمة القرار لأنه كيد سياسي مفضوح، هذا ما بينه بيان رئيس حزب الأمة بولاية النيل الأبيض الذي أثلج صدوراً كثيرة، قال: (لقد ظلت الإنقاذ منذ إنقلابها على الشرعية في كيد مستمر على حزبنا وما زادته إلا قوة، وجل ما فعلته أنها أستخدمت بقايا الغربال للكيد، وما نالت إلا البغاث)، و(إننا في مؤسسة الرئاسة في بحر أبيض لا نعترف بما جاء في صحيفة الغفلة ونؤكد وقفتنا الصلبة مع اختيار مركزية الحزب القوية الأمينة قولا وفعلا الأستاذة سارا نقدالله)..(مقدمين الغالي والنفيس ليمضي اتفاق باريس في طريق الخلاص الوطني). وهذا هو مربط الفرس الذي بداية أصاب (بوبي) بالجنون! ألا وهو إعلان باريس، فلا تزحزح، ولا تنحنح، وليجد الجد. أما قانونياً، وقد رفض كثيرون التعامل مع الموضوع إلا عبر بوابته الحقيقية (السياسية)، لكن مثلما جاء في بيان اللواء برمة الذي أشار للوسائل القانونية، فإن أهل تلك الوسائل سوف يستمرون في دربهم المنافح عن موقف الحزب في المحاكم، ديدن الأرضة التي تجرب الحجر. وهو درب الناصحين بالكدح الديمقراطي المثابر، كتابات الأستاذ عبد العزيز حسين الصاوي، وتجارب البروفسر فاروق محمد إبراهيم، ودروب هيئة محامي دارفور، ولجنة التضامن السودانية، كلها أمثلة على الكدح الذي يتعقب كل منفذ للعدالة والحرية والديمقراطية بلا كلل ولا ملل، يبحث عن ضالته الديمقراطية ولو في فم البقرة! وهؤلاء سوف يجدون أن اختصاصات المجلس وفقا لقانون الأحزاب السياسية لسنة 2007م المادة (10-2-أ) تتعلق بإصداره قرارات بشأن الشكاوى التي يتلقاها، و(المادة 10-2-ب) تتعلق بطلبه من الحزب المعني الالتزام، وفي حالة عدم التزامه يحيل المجلس الأمر للمحكمة (المادة 10-3). أي لا يستطيع المجلس الزام الحزب بالإبقاء على الدكتور إبراهيم الأمين (قسراً) وفقما يوحي الخبر، بل غاية مبلغه رفع الأمر للتقاضي بمراحله المختلفة. وسيطالب الحزب بمحاكمة عادلة علنية ليفضح خطل القرار، وهذا ما نحتاج لمساحة أخرى لتفصيله، وزمان لتحقيقه مع السلحفائية المعهودة، إلا لو فُصِّلت له محكمة إيجازية لتفصيل الحكم على المقاس المطلوب. وهذا ليس على (الإنقاذ) ببعيد. أما الملف التنظيمي فالبعض يرفع صوته مطالباً بقرارات حاسمة، داعين هيئة الضبط ورقابة الأداء والمكتب السياسي لذلك. وأقول لهؤلاء الأحباب، هذا هو المقصود: أن نشغل أنفسنا بمنازلة من ارتضى لنفسه أن يكون أداة لتدجين الإرادة الحرة للشعب السوداني ولهذا الكيان الأبي، فلم يكن بهؤلاء عدل أن يقولوا كما قلتم في (صحيفة الشرعية) التي سلمتموها للمجلس عام 2002م، أنكم ترحبون باعتراف النظام حينها (بالأحزاب الممثلة في الجمعية التأسيسية)، ولكن هناك أحزاب معارضة أخرى (ومواجهة هؤلاء بالبطش والعنف والمصادرات لن تجدي بل تزيد من فجوة عدم الثقة بين الأطراف السودانية المختلفة في وقت البلاد تحتاج فيه لوحدة الصف وتجاوز المرارات) رافضين مبدأ (الألفة) على النشاط الحزبي، كما ليس فيهم نبل أن يقولوا للشمولي إذا أراد أن يضربنا ببعضنا الآخر: هذه خلافات نحلها بمعرفتنا، مثلما فعل الراحل محمد يوسف أبو حريرة يوم أرادوا أن ينصبوا محكمة يجعلوها منصة لتلاسن رموز الديمقراطية، فصب على نيران فتنتهم مياه الوطنية! وما عليكم بهم! إنهم مثل حائط الخيمة الذي وقف أمام أمير أمراء الشرق عثمان دقنة حينما أُمر أن يتجه شرقاً، فقدَّ الحائط الواقف في طريقه ولم يلتزم الخروج من باب الخيمة الغربي. لقد قررتم الاتجاه نحو إعلان باريس، وهذا حاجزٌ استغل ليحيدكم، وماذا أنتم بقرارات الحسم كاسبون؟ ضجة بعد أخرى وصرف الأنظار عن استحقاقات التحرر، واستحقاقات السير في مسيرة درك بلاد مذبوحة! سوف تحاسبهم المؤتمرات، وتتحشرج في حلقهم الأغنيات، لقد رضوا أن يكونوا داخل (الققرة) حينما وقف الشعب السوداني كله يقول لغردون نسألك الرحيلا.. هيعلوا نحو الفيل ولا تشغلوا أنفسكم بطعن الظلال! قال القدال ما أروعه: عيني في الفيل ما ضله.. كلنا ندريه ما نضله! وليبق ما بينا نشر في يوم الأحد 26 أكتوبر 2014م.