في كل عام يحدث هذا يأتي المغنّون أفواجا، فرقا، أحزابا وجماعات، حكومات ومعارضة.. يتناهشون وينازعون بعضهم بعضا وكل يدّعي بأن له القدح المعلّى في صُنع الثورة المجيدة، والكل يتناسى بأن الثورات لا تأبه بمن صنعها، بل هي معنيّة في المقام الأوّل بما أنجزت وحقّقت..! بالأمس طالعتنا صحيفة حريات بهذا العنوان: (قوى الاجماع تدعو الجماهير للمشاركة في احتفالها بثورة أكتوبر المجيدة) وفي صورة الملصّق المرفق نقرأ: (كرنفال خطابي لرؤساء الأحزاب) (غناء) (شعر) (تراث) ومن البيان نقرأ: (سيخاطب الكرنفال رئيس الهيئة العامة الاستاذ فاروق ابوعيسي ورؤساء الاحزاب المكونة للاجماع وحزب الامة القومي وسيغني لاكتوبر الفنان انس وردي) وليس على المرء أن يكون ذا خيال باتع لكي يتصوّر ما سيكون عليه حال هذا الكرنفال/ الإحتفال، فما يسمى بقوى الاجماع الوطني تعج بالعديد من دهاقنة المهرجانات الخطابيّة، الغنائيّة والرقصات التراثيّة. فسيأتون متأنّقين بربطات العنق، العمائم والفساتين المزركشة.. سيأتي أصحاب البطون الخاوية والبطون المتخمة، ولكن الكل سيغيب في سكرة صوفيّة على فقاعات الكلمات الطنّانة التي ستمجّد الذكرى، على إيقاعات الدفوف والأشعار والأغاني وهي ترثي الشهداء.. والكل سيتحاشى إكراما لوحدة الشعب السوداني ذكر أسماء من تسبّبوا، أحزابا وأفرادا، في إجهاض الثورة المغدورة. ولا عجب، فحزب الأمة القومي سيحل ضيفا على الكرنفال.. فهو، ومن معه من أحزاب شماليّة، أجبرت حكومة هيئة الجبهات برئاسة عاطر الذكر/ سر الختم الخليفة على الإستقالة لتكوين حكومة حزبيّة تنكّرت لأهمّ إنجاز في تاريخ السودان الحديث: مؤتمر المائدة المستديرة، ومن ثمّ لكل شعارات أكتوبر. بلا خجلة، تدعو قوى الاجماع جماهير الشعب السوداني للكرنفال إحتفالا، هذا الشعب الجريح في كرامته، الوجيع من المسغبة والمهانة وإنشطار وطنه، الخائف من تفكّك ما تبقّى.. بدل أن تدعوه للخروج في وجه المستبد الظالم وتتقدّم الصفوف! لا عجب، ولقد قالها بالأمس د/ حيدر إبراهيم: (نظام أهوج ومعارضة سحسوحة)