ماهى العبادة الدكتور محمد شحرور قال تعالى: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ* إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ* اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين} وهي سورة الفاتحة التي نرددها كل يوم ويحفظها الصغير والكبير، فإذا توقفنا فيها عند {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فكيف نعبد الله ونستعين به؟ فهم السادة الفقهاء العبادة على أنها إقامة الصلاة وصوم رمضان والحج، لكن الله تعالى فصل بين العبادة والشعائر، فهذه ليست تلك، لذا قال {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة 5)، وقال لموسى {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (طه 14)، والعبادة سبقت الصلاة في كل الآيات أعلاه، ونفهم أن "اعبدني" تكون بطاعة أوامري، فما هي هذه الأوامر؟ يأتينا الجواب في الآيات {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ* اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} (الفاتحة 5- 6)، {إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} (آل عمران 51)، {وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} (يس 61) فالعبادة تكون في اتباع الصراط المستقيم، وهو ما ورد في الآيات {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام 151- 152 – 153) أي الوصايا التي بدأت بنوح وتراكمت مع الرسل، ويتفق عليها كل أهل الأرض، ولا يوجد فيها صلاة أو صيام، بل أخلاق وعمل صالح، ومن هنا نفهم آيتي (البينة 5) و (طه 14) فالصلاة أمر مختلف عن العبادة وإلا لما قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج 77) ومن يؤلف مجلدات في فقه العبادات عليه أن يؤلفها في بر الوالدين، والقسط في اليتيم، والوفاء بالعهد، وعدم الاقتراب من الفواحش، وعدم قتل النفس، وعدم الغش بالمواصفات، فهذه هي العبادات التي تحتاج لفقه وفق التنزيل الحكيم، ومن خلالها يمكننا الحكم على الناس إن كانوا يعبدون ربهم أم لا، والشيطان يتموضع في أماكنها لا في المساجد {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} (الأعراف 16) أما الصلاة والصيام والحج فلا مكان للشيطان فيهم، أي أن الله تعالى يعبد في الأسواق وأماكن العمل لا في المساجد. والعبادة عمل وظيفي بحت، بينما الصلاة حالة وجدانية بحتة، تأتيها من نفسك، لا خوفاً ولا طمعاً، وبها تتمثل الاستعانة التي نطلبها في الفاتحة {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} (البقرة 45)، فنحن نعبد الله بالصراط المستقيم ونستعين به بالصبر والصلاة.