خطورة مواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة للأنظمة المستبدة تتمثل في تجاوز دورها الاجتماعي لتكون منبر لبث الوعي وكشف الفساد والمفسدين وتعبئة الجماهير للتمرد ضد النظام ، جعلت النظام يتحسس كراسيه التي تتأرجح بقوة ويصرف المليارات وينشئ إدارات في جهاز الأمن لمحاربة مواقع التواصل وحصرها في التسلية وتبادل النكات وتثبيط الهمم وزع الخوف في النفوس التواقة إلي التغيير بمصير دول الإقليم من حولنا التي تفتقد للأمن وتعم فيها الفوضى ، ونشر الإشاعات التي تسئ إلي الناشطين السياسيين ،وأيضا كذلك اكتسبت مواقع التواصل الاجتماعي أهمية كبيرة بالنسبة للمعارضة كأداء ناجعة أن تم استغلالها كما يجب من خلال طرح برامجها ورؤيتها لالتفاف الجماهير حولها لصناعة التغيير الذي تنشده . انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا هاشتاق #( أعيدوا الدعم إلي الأدوية ) وتفاعل معه المواطنين بصورة كبيرة وبعض الدول العربية وصار الأكثر تداولا واحدث حراك أسفيريا كبيرا، وكذلك أثار جدلا واسعا وسط الناشطين باعتبار أن الهاشتاق غير صحيح وان النظام في بداية عهده أوقف العلاج المجاني وتأهيل المستشفيات وألغى الدعم عن كل السلع وسن قانون السوق الحر ،وبعد الإجراءات الاقتصادية الأخيرة بتحرير سعر صرف العملات الأجنبية والنتيجة المباشرة لها ارتفاع أسعار كل ما يتم استيراده ، وبالتالي ارتفاع أسعار الدواء، وكما هو معروف فالدواء سلعة إستراتيجية ذات خصوصية وعدم توفرها مجانا أو بسعر في متناول الجميع جريمة ضد الإنسانية وضد الحق في الحياة ، و قبل تحرير سعر الصرف كانت مافيا الأدوية من الشركات الوهمية تستلم الدولار بسعر اقل من البنك المركزي بغرض استيراد الأدوية وتبيعه في السوق الموازي بسعر أعلى، تجسيدا لانعدام القيم وانهيار الأخلاق وسقوط أخر الأقنعة التي يتدثر بها المتاجرين بالدين . المشكلة ليس في الدواء وحسب ، بل في الصحة وحياة الإنسان التي أصبحت باب للثراء الفاحش والتلاعب من قبل العصبة الحاكمة ، والفساد والفشل والتخبط في إدارة الدولة ، واختلال معايير الصرف في الموازنة العامة ، والحروب التي أحالت الحياة إلي خراب في أطراف البلاد ، وتأثيرها المباشر علي الاقتصاد والأزمة الحالية التي يعيشها المواطن ، وتدهور وتوتر العلاقات الخارجية مع معظم الدول ،لذلك فان المطالبة بحلول جزئية لا تفيد ، وان الحقوق لا تهب بل تنتزع ، وعدم جدوى المطالبة بالحقوق من مغتصبيها ، والحكومات أما أن تقوم بواجباتها أو تسقط وان سقف المطالب يجب أن يكون إسقاط النظام بصورة واضحة لا غموض فيها . وبالرغم من أن الهاشتاق مضلل ويعكس جزء من الحقيقة ، وان الكتيبة الالكترونية للأمن دعمته واستغلته لرفع الحظر الاقتصادي وإظهار الحكومة وكأنها ضحية للمؤامرات الدول الغربية ، بدل من أن تكون مدانة بسبب تخليها عن مسئولياتها ، وعلي الرغم من ذلك كله يجب أن نشجع وندعم من يطالب برفع الدعم عن الدواء ، والسؤال المنطقي لماذا ندعم حل جزئي لرفع الدعم عن الأدوية ؟ إذا نظرنا إلي نصف الكوب الممتلئ نجد أن من تفاعل مع الهاشتاق قصده إدانة الحكومة علي تقصيرها وفشل سياسة رفع الدعم علي حسب اعتقاده ،وأعلن رفضه بصوت عالي ومسموع ، وهؤلاء أعداد هائلة مكوية بنار النظام ولكن كانت تغض الطرف عن ذلك باهتمامات ثانوية ، وألان تتصدر المشاهد الرافض لسياسات الحكومة ،وهذا يعني زيادة رقعة الرفض الشعبي الذي يصب في مصلحة التغيير ، فالثورة عمل مستمر وفعل تراكمي واستغلال الغضب والرفض وتطويره إلي عمل وفعل يؤدي إلي إسقاط النظام فرض عين علي الجميع من خلال التنوير والتوعية وتوضيح الحقائق ، وتشجيع ودعم الجماهير التي تقف علي الرصيف للانضمام إلي ركب الرافضين لسياسة النظام ، فالمظاهرة التي قادتها مهيرات السودان وكانت الدعوة لها من داخل قروبات تهتم بكل شي ماعدا السياسية يؤكد أن خط المقاومة في شكل تصاعدي وان مرحلة الغليان والانفجار قد دنت ، لذلك الأولوية يجب أن تكون لجعل جذوة النضال متقدة ، والمد الثوري متصل ومستمر ليتحول كل شخص إلي ثائر لانجاز الثورة ، فالحكومة اجتهدت لتبعد مجموعة كبيرة من الشعب من دائرة الفعل الايجابي عن طريق تزيف الحقائق وتغبيش الوعي وإشغالهم بأمور ثانوية لا تهدد حكمها ، ولكن ستكون نهائيتها من حيث لا تحتسب ، فهؤلاء هم من يصنعون الثورة كما قال الشاعر محمد الحسن حميد : وما طال المطر بيصب …. طبيعي انو البحر ماراق كما انو العكار من طين … كمان من طين بجي الرواق ما تم في مواقع التواصل الاجتماعي وبغض النظر عن مضمون المطالبة اتفاقنا أو اختلافنا معها ، فعل حميد ومجهود أعلامي مقدر وحراك ايجابي في مصلحة التغيير ، فالثورة ملامحها بدأت تتشكل وتظهر بصورة أكثر وضوحا ، وهذا الحراك الاسفيري سيثمر ويترجم إلي فعل وهتاف يزلزل الأرض تحت أقدام الظالمين ، لنطوي عهد الفساد والاستبداد ونفتح صفحة جديدة عنوانها حياة كريمة وعدل ومساواة وأمل بغد أفضل .