مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    لم يقنعني تبرير مراسل العربية أسباب إرتدائه الكدمول    نشطاء قحت والعملاء شذاذ الافاق باعوا دماء وارواح واعراض اهل السودان مقابل الدرهم والدولار    ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب مانشستر سيتي بركلات الترجيح    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    وزير الخارجية السوداني الجديد حسين عوض.. السفير الذي لم تقبله لندن!    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    سيكافا بطولة المستضعفين؟؟؟    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    شاهد بالفيديو.. بعد فترة من الغياب.. الراقصة آية أفرو تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بوصلة رقص مثيرة على أنغام (بت قطعة من سكر)    مصر.. فرض شروط جديدة على الفنادق السياحية    شاهد بالصورة والفيديو.. ببنطلون ممزق وفاضح أظهر مفاتنها.. حسناء سودانية تستعرض جمالها وتقدم فواصل من الرقص المثير على أنغام أغنية الفنانة إيمان الشريف    ماذا كشفت صور حطام صواريخ في الهجوم الإيراني على إسرائيل؟    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    مقتل 33899 فلسطينيا في الهجوم الإسرائيلي منذ أكتوبر    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    ترتيبات لعقد مؤتمر تأهيل وإعادة إعمار الصناعات السودانية    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    محمد بن زايد وولي عهد السعودية يبحثان هاتفياً التطورات في المنطقة    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة تنضم لقوات الدعم السريع وتتوسط الجنود بالمناقل وتوجه رسالة لقائدها "قجة" والجمهور يسخر: (شكلها البورة قامت بيك)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء فاضحة.. الفنانة عشة الجبل تظهر في مقطع وهي تغني داخل غرفتها: (ما بتجي مني شينة)    رباعية نارية .. باريس سان جيرمان يقصي برشلونة    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    حمدوك يشكر الرئيس الفرنسي على دعمه المتواصل لتطلعات الشعب السوداني    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    محمد وداعة يكتب: حرب الجنجويد .. ضد الدولة السودانية (2)    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعتقال قيادات حزب المؤتمر السوداني من منظور حقوقي
نشر في حريات يوم 25 - 11 - 2016

نفذت الأجهزة الأمنية حملة إعتقالات واسعة بداية شهر نوفمبر الجاري ضد قيادات حزب المؤتمر السوداني شملت الأساتذة: رئيسي الحزب الحالي عمر الدقير والسابق إبراهيم الشيخ، نائب الرئيس خالد عمر، السكرتير العام مستور أحمد، رئيس المجلس المركزي عبدالقيوم عوض السيد، السكرتير السياسي أبوبكر يوسف ونائب السكرتير الاعلامي عبدالله شمس الكون، وكذلك عدد من أعضاء الحزب وقياداته الوسيطة. تمت هذه الإعتقالات دون أن توجه للمعتقلين أي تهم محددة. وتأتي هذه الإعتقالات في إطار حملة النظام القمعية المستمرة ل 27 عاما والتي شملت الإنتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان وأعمال القتل الجماعي والتعذيب والإغتصاب والإختفاء القسري وكذلك مختلف جرائم الحرب والإبادة وإنتهاكات القانون الدولي الإنساني في مناطق الحرب. إذا لاجديد في هذه الحملة سوى جماعيتها ونطاقها الواسع وإستهدافها قيادات حزب بعينه. إتساع نطاق هذه الإعتقالات وجماعيتها اعادا الى الأذهان حملات الإعتقال الجماعي والتعذيب في بيوت الأشباح التي طالت جميع القيادات السياسية في الأسابيع الأولي بعد إنقلاب الإسلاموين في يونيو 1989م. حسب مقال للكاتبة والصحفية إحسان عبدالعزيز: "المؤتمر السودانى.. نحن معك"، صحيفة سودانفويسز الإلكترونية، 23 نوفمبر 2016م، وصل عدد المعتقلين من قيادة وعضوية حزب المؤتمر السوداني (27) معتقلاً فى فترة وجيزة (من 4/نوفمبر وحتى 21/نوفمبر/2016) باستثاء المعتقل "عاصم عمر حسن" والذى تم إعتقاله فى 2/مايو/2016م وما زال رهن الاعتقال. وقد سبقت ذلك إعتقالات العاملين فى مركز "تراكس" فى 22/مايو/2016م وعددهم (6) من بينهم 2 من النساء تم إطلاق سراحهما بالضمان العادى بينما ما زال ثلاثة من مسؤلى المركز فى سجون النظام. ينضاف ذلك الى العديد من حالات الاعتقال الجماعية والفردية السابقة واللاحقة للناشطين وكذلك الذين يمارسون حقوقهم المشروعة في التعبير والتظاهر. هذه الحملة التعسفية الباطشة تعيد الى الذهن ذكرى حملة باطشة أخرى وهي "حملة الدفتردار الإنتقامية". وإذا كانت الحملة الباشوية قد جاءت كعقاب للسودانين على تجاسرهم وحريقهم إبن الباشا، فإن حزب المؤتمر السوداني يعاقب أيضا على جسارته ونشاطه المقاوم وطليعيته النضالية. وفي الحالتين، تظل الخديوية الإنكشارية المستبدة والمحتلة لحياة السودانين بمنطق القوة العارية والغلبة واحدة. بالرغم من هذه المقارنة الإفتتاحية بين إنكشاريتين، فإن هذا المقال لم يقصد به تقديم تحليل سياسي لأسباب ونتائج حملة السلطة الإنتقامية ضد حزب المؤتمر السوداني وسياقها العام. وإنما غرض المقال هو النظر للحملة من منظور حقوقي يركز على إبراز مدى تعسفية ولا قانونية هذه الإعتقالات التي تمت دون توجيه أي تهمة محددة لأي من الأشخاص المعتقلين، ومخالفتها بالتالي للدستور السوداني وللقانون الدولي لحقوق الإنسان معا.
في رأي الكثيرين، النظر للإنتهاكات والمارسات التعسفية التي تنتهجها المجموعة الحاكمة من زواية قانونية هو مضيعة للوقت. وذلك لأن الأجهزة التسلطية الحاكمة لا تعترف عمليا بسيادة حكم القانون وتعتبر نفسها فوق القانون ولا تخضع لأي نوع من المسآلة القانونية او حتى السياسية. ومع إتفاقي مع التبريرات، فأنني اختلف مع الفرضية الأساسية (عدم جدوى التحليل القانوني). فإذا كنا أمام حالة سلطة "مارقة"، فيجب الا يشكل ذلك سببا لأن نسقط الإسئلة القانونية والدستورية التي يثيرها سلوك هذا الحيوان السياسي المتوحش من إعتباراتنا، وأن نهمل البحث في مدى لا قانونية وتعسفية أفعاله. وفي رأيي، أن هذا هو بالضبط ما تريد الدولة المارقة ان توصلنا له كمواطنين. وهو إسقاط سيادة حكم القانون والدستور ومباديء حقوق الإنسان العالمية من الإعتبار. بحجة سيادة قانون الغاب وحكم القوة الغاشمة على أرض الواقع. ومفهوم السلطة او الدولة المارقة يعني الدولة الخارجة على القانون، والتي يتميز سلوك وتصرفات أجهزتها ومسؤليها بأنه لا يختلف كثيرا عن تلك الصادرة عن أي شخص او أشخاص مجرمين او خارجين عن القانون وفارين من العدالة. وهي دولة لا تخضع لحكم القانون (الوطني او الدولي) وتتحكم بها سلطة ديكتاتورية تمسك منفردة بكل السلطات، ومن ثم تنعدم سيادة حكم القانون وفصل السلطات وإستقلال القضاء، وتصادر فيها بالتالي حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وتعتمد السلطة في مثل هذه الدول في وجودها وهيمنتها على تطوير إستراتيجيات القمع والإرهاب والبطش والإستبعاد ضد الجماعات والأفراد والتى تنفذها أجهزة أمنية ومليشيات متعددة يكون ولاءها للحاكم وتمارس، بشكل منهجي، أعمال القتل الجماعي والتعذيب ومختلف إنتهاكات حقوق الإنسان. وترتكب هذه الجرائم في ظل حصانة وحالة إفلات تام من العقاب: غياب أي نظم او آليات للمحاسبة أو الرقابة. يضاف لذلك، إن معرفة الأساس القانوني لحق قيادات حزب المؤتمر السوداني ورفاقهم في الحرية من الإعتقال وفي ذات الوقت الطبيعة التعسفية واللاقانونية لإعتقالهم تشكل الخطوة الأولى الضرورية سواء للمطالبة القانونية أمام كافة الجهات المختصة وطنيا ودوليا بإطلاق سراحهم وكذلك لحملات المناصرة على المستويات الوطنية والدولية.
ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م في المادة 9 منه على أنه "لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً". كذلك نصت المادة 9(1) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966م على انه: "لكل فرد حق في الحرية وفى الأمان على شخصه. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه". كذلك تنص المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على تمتع جميع الأفراد بالحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي. وهو أول حق أساسي يحميه الإعلان العالمي بعد الحق في الحياة مما يدل على أهميته الكبيرة. المادة 6 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب 1981م تنص أيضا على: "لكل فرد الحق فى الحرية والأمن الشخصى ولا يجوز حرمان أي شخص من حريته إلا للدوافع وفى حالات يحددها القانون سلفا، ولا يجوز بصورة خاصة القبض على أي شخص او إحتجازه تعسفيا." كذلك يعتبر الحق في الحرية من الإعتقال التعسفي قاعدة من قواعد العرف الدولي Customary International Law ومعنى ذلك انها ملزمة لجميع الدول غض النظر عن إنضمامها للإتفاقات والمواثيق الدولية ذات الصلة من عدمه. ويتمثل أحد العناصر الجوهرية لسلب الحرية في عدم قدرة المحتجزين على الدفاع عن أنفسهم وحمايتها، لأن حياتهم اليومية تتوقف إلى حد كبير على القرارات التي يتخذها الأشخاص المسؤلين عن المعتقل. وقد قضت محكمة العدل الدولية في قضية إحتجاز الرهائن من الدبلوماسين الأمريكيين والعاملين بالسفارة الأمريكية في طهران أن "حرمان البشر من حريتهم وإخضاعهم لقيود مادية في ظروف تتسم بالشدة دون وجه حق، يشكل في حد ذاته أمراً يتعارض بوضوح مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك مع المبادئ الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" (United States Diplomatic and Consular Staff in Tehran, Judgment, ICJ Reports 1980, p. 42). واوضحت العديد من الآليات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان نطاق ومضمون هذا الحق. ويشمل ذلك لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ولجنة مناهضة التعذيب، واللجنة المعنية بحالات الإختفاء القسري، واللجنة المعنية بحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم. وفي عام 1991، أنشأت لجنة حقوق الإنسان الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي لكي يحقق في حالات الاحتجاز المفروض بشكل تعسفي ومخالف للمعايير الدولية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والصكوك الدولية ذات الصلة التي قبلتها الدول المعنية (E/CN.4/RES/1991/42). والفريق العامل هو الآلية الوحيدة المنشأة بموجب الميثاق (أي آلية غير منشأة بموجب معاهدة)، وتنص ولايته صراحة على النظر في شكاوى الأفراد. وتقوم إجراءاته على حق الأفراد في تقديم الإلتماسات في أي مكان في العالم. ويشمل ذلك بالطبع القضية التي بين أيدينا.
يعتبرالإعتقال أو الإحتجاز تعسفياً، وفقا للأعراف والقوانين الدولية ومعايير حقوق الإنسان العالمية، إذا لم يكن له أي أساس قانوني يخول أجهزة الحكومة سلطة القبض او الحبس. وأبرز الأمثلة على ذلك الإعتقال أو الحبس الإداري، والذي يعني قيام الأجهزة الأمنية للدول بإعتقال وحبس الأفراد دون أن تقوم بفتح بلاغات جنائية في مواجهتهم وتقديمهم لمحاكمة قضائية بتهم جنائية، كما هو الحال في القضية التي نحن بصددها. ومن شأن مثل هذا الاحتجاز أن يشكل في العادة حبساً تعسفياً لإنكاره سلطة نظام العدالة الجنائية. وذلك لأن الإستثناء الوحيد الذي يصبح فيه الحبس قانونيا هو الحبس قضاءا لعقوبة أوقعتها محكمة جنائية مختصة وفق إجراءات محاكمة عادلة (وفق المعايير الدولية للمحاكمة العادلة). او الحبس إنتظارا للمحاكمة أيضا تحت الإشراف القضائي. ويعتبر بشكل عام كل ما دون ذلك إعتقالا او إحتجازا مخالفا للقانون. وبالرغم من أن أي إعتقال غير قانوني هو بالضرورة إعتقال تعسفي، فإن الإعتقال التعسفي يعتبر مفهوما أوسع من مفهوم الإعتقال غير القانوني. قد يكون الإعتقال أو الإحتجاز مسموحاً به بموجب القوانين المحلية ويكون تعسفياً على الرغم من ذلك. حسب لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة فإن مفهوم "التعسف" في هذا السياق يتم عادة تفسيره بشكل أوسع ليشمل عناصر مخالفة الأعراف والظلم وعدم قابلية التنبؤ وعدم اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، علاوة على عناصر عدم المعقولية وانعدام الضرورة والتناسب (لجنة حقوق الإنسان، التعليق العام رقم 35 ، المادة 9 (حق الفرد في الحرية وفى الأمان على شخصه) 16 ديسمبر 2014م، الفقرة 12). ويعتبر الاعتقال أو الاحتجاز تعسفيا بوجه خاص، اذا تم بغرض معاقبة شخص على ممارسة الحقوق الإنسانية المشروعة مثل ممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير اوحرية التجمع او التظاهر وغيرها من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية التي تكفلها الأعراف والمواثيق الدولية.
حملة الإعتقالات تأتي أيضا بالمخالفة للدستور السوداني بما ان الإعتقال يستمر دون توجيه تهم محددة. وفي ذلك تتجلى أبرز صفات السلطة "المارقة" وهو إنتهاكها وعدم إحترامها ليس فقط لقواعد القانون الدولي وإنما أيضا لدستورها وقوانينها الداخلية. تنص المادة 27(3) من وثيقة الحقوق المضمنة في الباب الثاني من دستور السودان الإنتقالي 2005م على: " تعتبر كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءً لا يتجزأ من هذه الوثيقة." وفقا لهذا النص، فإن كل نصوص معاهدات ومواثيق حقوق الإنسان التي ورد ذكر بعضها والخاصة بكفالة الحق في الحرية من الإعتقال التعسفي واللاقانوني تعتبر جزء لايتجزأ من هذا الدستور. كذلك نصت المادة 29 من الدستور على: "لكل شخص الحق في الحرية والأمان، ولا يجوز إخضاع أحد للقبض أو الحبس، ولا يجوز حرمانه من حريته أو تقييدها إلا لأسباب ووفقاً لإجراءات يحددها القانون." كذلك نصت المادة 34(2) من الدستور على: "يُخطر أي شخص عند القبض عليه بأسباب القبض ويُبلغ دون تأخير بالتهمة الموجهة ضده." وتعبير "وفقا للإجراءات التي يحددها القانون" الوارد في المادة 29 المقصود به تنظيم ممارسة الحق وليس مصادرته وإلا اعتبر القانون باطلا لتعارضه مع الدستور. وفي ذلك تنص المادة 27(4) من الدستور صراحة على: "تنظم التشريعات الحقوق والحريات المضمنة فى هذه الوثيقة ولا تصادرها أو تنتقص منها." أيضا نصت المادة 48 من الدستور على أن: "….لا يجوز الإنتقاص من الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذه الوثيقة, وتصون المحكمة الدستورية والمحاكم المختصة الأُخرى هذه الوثيقة وتحميها وتطبقها، وتراقب مفوضية حقوق الإنسان تطبيقها في الدولة وفقاً للمادة 142 من هذا الدستور."
قانون الأمن الوطني لسنة 2010م يتعارض مع كل النصوص التي تكفل الحق في الحرية وتحظر الإعتقال التعسفي في الدستور ويصادرها تماما. حيث تعطي المادة 50 من القانون أفراد جهاز الأمن سلطة إعتقال أي شخص على أسس غامضة لمدة شهر قابلة للتجديد لمدة أربعة أشهر ونصف دون أي رقابة قضائية. ويقيد قانون الأمن حقوق المعتقل في أن تزوره أسرته و رؤية محاميه او طبيب، وهي ضمانات الحماية الأساسية لمنع سؤ المعاملة حسب المعايير الدولية. ومن خلال مصادرة هذه الضمانات مع عدم وجود أي نظام للمراقبة على معتقلات الأمن "السرية" يكون المعتقل قد تم عزله تماما عن العالم الخارجي incommunicado detention. وهذا النوع من العزل التام يعتبر مخالفا للقوانين والأعراف الدولية. إن إعتقال الأشخاص دون تهم محددة ولهذه المدة الطويلة يعتبر دون شك إعتقالا تعسفيا وغير قانوني بالرغم من انه يتم بموجب نصوص قانون الأمن الوطني. هذا القانون يتعارض صراحة وبشكل كلي مع الدستور ومع المعايير الدولية لحقوق الإنسان لذلك فإن وجوده لايغير من الطبيعة التعسفية واللاقانونية للإعتقال.
حملة الإعتقال الجماعي تطرح مجددا قضية السلطات المطلقة للأجهزة الأمنية وممارساتها المنهجية في الإعتقال لمدد طويلة والتعذيب وسؤ المعاملة في نظام بيوت الأشباح السرية بعيدا عن أي نوع من الرقابة او المحاسبة. بعد 27 عاما من وجودها في الحكم، لا تزال المجموعة الحاكمة ترى أن وجودها وإستمرارها في السلطة يتوقف كلية على قدرتها غير المقيدة على القتل والتنكيل والإستبعاد والإعتقال. حسب نصوص أتفاقية السلام الشاملة والدستور، كان يجب خضوع جهاز الأمن لعملية إصلاح جذري ليتحول الى جهاز إستخباري تنحصر مهمته في جمع المعلومات وتحليلها وتقديم المشورة للجهات المختصة، دون أي صلاحيات تنفيذية. إلا أن قانون الأمن الوطني جاء عكس ذلك يحمل سلطات وصلاحيات واسعة لأفراد جهاز الأمن في القبض والإعتقال لمدد طويلة مع إعطاءهم حصانات تحميهم من المسآلة عن أي فعل يقع أثناء أداءهم أعمالهم وممارستهم هذه الصلاحيات الواسعة. حيث لايجوز تحريك أي إجراءات قضائية في مواجهة أفراد الأمن إلا بموافقة مدير الجهاز وإصداره أمر برفع الحصانة (المادة 52 من قانون الأمن). ولزيادة الطين بلة وبدل أن تتطور الأمور نحو الإصلاح في إطار عملية تحول ديمقراطي شامل، جاءت التعديلات الأخيرة للمادة 151 من قانون الأمن (في يناير 2015م) لتعطي الأمن صلاحيات أوسع للتعامل مع ما يعتبره تهديدا سياسيا. وفقا للتعديلات الجديدة تحول جهاز الأمن الى قوة عسكرية يحق لها إنشاء جيشها الخاص وأن تلحق بها مليشيات الدعم السريع. ويحق لهذه القوة (السوبر) وفقا للتعديلات الأخيرة أن تضع لوائحها ونظمها الخاصة بها وأن تمارس صلاحية واسعة على أفرادها. إذا أضفنا لذلك نصيب الأمن والدفاع من الناتج المحلي GDP والذي استمر يشكل أكثر من 70% (مقارنة ب 2% او أقل لفرنسا والمانيا وكندا واغلب دول الناتو) نصل الى أن التعديلات قلبت المعادلة من جهاز داخل دولة الى دولة داخل الجهاز. وهو ما عبر عنه الأستاذ حيدر إبراهيم في أحد كتبه بمصطلح "الأمنوقراطية." هذه الدولة الأمنوقراطية المارقة لا يرى في الأفق أي أمل في إصلاحها دون تغيير جذري يطال المؤسسات والقوانين بما يفتح الطريق لعملية تحول ديمقراطي كامل تعيد تأسيس دولة سيادة حكم القانون وإستقلال القضاء والفصل بين السلطات وكفالة حقوق الإنسان وحرياته.
بالرغم من هذه التعديلات الدستورية، تظل الصلاحيات والحصانات الممنوحة لجهاز الأمن والتي يمارس بموجبها سلطة غير مقيدة في القبض والإعتقال وسؤ المعاملة غير دستورية وباطلة لتعارضها مع وثيقة الحقوق المضمنة في الدستور ومع كافة العهود والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وفي القضية التي أمامنا، وبما أنه لم توجه أي تهمة محددة للمعتقلين، فإن إعتقالهم يكون قد تم دون سند من القانون. حيث لا توجد عادة قوانين تتسق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان تسمح بإعتقال شخص غير متهم بتهمة محددة. أما اذا كانت هناك قوانين سارية تعطي للسلطات الحق في أن تعتقل أي شخص دون أن تكون هناك تهمة محددة موجهة اليه (كما هو حال قانون الأمن الوطني 2010م)، فإن مثل هذه القوانين تعتبر متعارضة مع الأعراف والقوانين الدولية، ولا يغير وجودها بالتالي من الأمر شيئا. لهذه الأسباب، فإن إعتقال قيادات حزب المؤتمر السوداني وغيرهم من المعتقلين السياسين يعتبر إعتقالا تعسفيا من وجهة نظر الدستور والقانون الدولي ويتوجب لذلك إطلاق سراحهم فورا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.