زين العابدين صالح عبد الرحمن ذكرت في عدد من المقالات إن العمل السياسي المنظم، و القائم علي توعية الجماهير، و هو أفضل أداة لإحداث أختراقات في الآذان الصماء، و بناء الإستراتيجية علي توافق سياسي، و التبصر في كيفية إدارة المعركة السياسية و فقا تكتيكات محكمة، لابد أن تحدث تغييرا في الساحة السياسية، و الحوار الوطني الذي أجراه النظام، واحدة من أهم إيجابياته، فتح ملف جهاز الأمن و المخابرات، و جر القوي السياسية للحوار حوله من خلال أفق وطني، و قد كشف هذا الحوار الذي طالب بتقليص صلاحيات الجهاز، إلي وجود عقليتين في البلاد، عقلية ديمقراطية تريد إعادة النظر في كل القوانيين و النصوص الدستورية التي تحد من حرية المواطنين و الصحافة و الإعلام، و تمنع القوي السياسية من ممارسة حقوقها التي كفلها الدستور. و عقلية شمولية، تؤمن بنظام الحزب الوحد و استغلال موارد الدولة من أجل حفنة صغيرة من منسوبيها. و من المفاهيم الخاطئة، و التي بدأت تخرج في الخطاب السياسي من العقلية الشمولية، إن هناك قوي سياسية تريد أن تحجم جهاز الأمن و المخابرات، و هذا حديث غير صحيح، و لكنه في ذات الوقت يكشف حالة عدم التوازن التي إنتابت هؤلاء، بل الفهم الصحيح أن جهاز الأمن و المخابرات في ظل النظام الشمولي، قد أعطي اختصاصات ليست من اختصاصات الجهاز، في الاعتقال، و مصادرة الصحف، و منع القوي السياسية من ممارسة حقوقها الدستورية في إقامة نشاطاتها، و هذه الاختصاصات لا تمنح لأجهزة الأمن إلا في في الدول الشمولية و الديكتاتورية و البوليسية، و هي دول غير مستقرة، أما في الدول التي قبلت التبادل السلمي عبر صناديق الاقتراع، و جعل مؤسسات الدولة بعيدا عن ممارسة العمل السياسي، و الانحياز لحزب دون الآخرين، إن أجهزة الأمن و المخابرات فيها متطورة جدا، و تهتم بتدريب و تأهيل منتسبيها، من خلال دورات مستمرة لحماية الدولة، و كشف تجار المخدرات و عملاء الدول الأجنبية. فعندما يطالب الناس بحقوقهم الدستورية يجب أن لا يزعج ذلك منتسبي الجهاز، و لكنه حتما سوف يزعج العقليات الشمولية في البلاد، و القيادات التي تعمل من أجل مصالحها الذاتية. كما هناك أعتقاد سائد، إن هذه المطالبة الدستورية موجهة ضد أشخاص بعينهم، و هذا فهم غير سليم، إنما موجهة من أجل إيجاد نظام سياسي ينتمي إليه الجميع، و يدافعون عنه، لأنه بني علي التوافق الوطني. ولكن تظل هناك عقليات تريد أن يستمر الحكم بأدوات القمع و الإرهاب و التخويف، و هذه مشكلة لأنها تتبني علي كيفية المحافظة علي المصالح الذاتية، فالحوار مطلوب لكي يخرج كل النفس الساخن، و في نفس الوقت يقرب بين المتحاورين. و إن التظاهرات التي أقامتها قيادات الأمن في احتفالاتهم بمنح الجهاز و مديره العام نجمة الإنجاز من قبل رئيس الجمهورية. جعلوا من منابر الأحتفال منابر سياسية يتحدثون فيها بلغة السياسية، و ليست اللغة المهنية، و قد تناقضت أقوالهم، و هذه إشكالية كبيرة تعيق عملية الإستقرار الأمني في البلاد. حيث قال الفريق أول محمد عطا المولي في كلمته في احتفال مجمع جهاز الأمن ببحري. بمنح الجهاز و مديره العام وسام نجمة الإنجاز العسكري من قبل رئيس الجمهورية، قال: ( إن جهاز الأمن لم و لن يفرط في عمله الأساسي، بل توسع و سيتوسع في "إمتلاك القوة " و أوضح إن الظروف التي عاشتها البلاد، جعلت منسوبي الجهاز يرتدون " الكاكي") أولا من قال يجب علي جهاز الأمن أن يجرد من قوته، هذا قول غير صحيح، و فيه تحريف لمسار الحوار حول أختصاصات الجهاز، الفهم العام يجب أن يكون جهاز الأمن و المخابرات قوة مؤهلة مهنيا، و تمنح ميزانية تمكنها من أداء مهامها الدستورية، و تأهيل عناصره داخليا و خارجيا، بعيدا عن أية نشاط مرتبط بالشأن السياسي، أو يتدخل للحد من الحريات الممنوحة دستوريا للمواطنين. ثانيا، أما أن يلبس جهاز الأمن الكاكي، هذا ظرف فرضته ظروف الدولة الشمولية، و عدم الاستقرار السياسي الذي تسبب فيه الحزب الحاكم الذي يدين له الجهاز بالولاء، و إن تخوف بعض القيادات من التغيير غير موضوعية، لأن التغيير سوف يقيم دولة القانون، و لا يمنح أية مؤسسة أو جهة أن تتجاوز أو تخرق القانون. و أضاف الفريق أول محمد عطا في كلمته قائلا ( هذه مهمتنا و عهدنا مع قيادتنا، و شعبنا و لن نخذله، و البلاد ما تزال تريد من منسوبي جهاز الأمن الكثير و هم جاهزون للعمل، و بذل الدماء و الجهد و الوقت و العرق. همتنا ما بردت و هذا الوطن في حدقات العيون) كنت أعتقد إن الفريق أول يقدم الشعب و الوطن علي قيادته، و لكن الثقافة التي نشأ عليها أبت إلا أن تكشف حقيقة الولاء. عندما يستقيم العود، و يأخذ القانون وضعه الطبيعي في البلاد، و تبتعد كل مؤسسات الدولة عن السياسة، و تتفشي العدالة في المجتمع، فالكل سوف يقفون صفا واحدا دفاعا عن الوطن، و في محن الدولة كل المواطنين سوف يقدمون ما لديهم من معلومات لكشف الجهات التي تريد ضررا بالبلاد، و بالذين يتاجرون بالمخدرات ، و الذين يرتبطون باجهزة مخابرات أجنبية، فليس هناك منة من أحد، و ليست هناك مزايدة بالوطنية من قبل أية جهة علي الأخرى. و في مشهد أخر أيضا مرتبط بتطورات عملية الحوار حول دور جهاز الأمن في البلاد، كشف الكاتب محمد وداعة في عموده " ما وراء الخبر" بجريدة الجريدة، عن اجتماع تم، و ضم قيادات من جهاز الأمن و المخابرات بناشري الصحف و المدراء العاملين و قال الكل حضور و لم يتخلف أحد. إذا قيادات الأمن ما تزال تبحث عن فرص للحوار، لكي تقدم رؤيتها حول القضية المطروحة حول جهاز الأمن، و بدأت بالصحافة لأنها قد تضررت كثيرا من قرارات المصادرة، و إن كان الحوار مع الناشرين و المدراء لا يبشر بخير فيه رسائل فيه من التلويح بالعصي، أما إذا كان مع رؤساء التحرير يختلف الوضع و البعد السياسي للقاء. و كتب وداعة قائلا ( إن قيادات الأمن تحدثوا عن خطاب قومي يجمع و لا يفرق، و إنه لا خلاف علي الحريات، و دور الصحافة و تأثيرها الكبير علي المجتمع ، و إن إجراءات الجهاز في إطار القانون لن تتوقف) أولا الدعوة لخطاب قومي واحد، يعد من مفردات الدولة الشمولية، الخطاب القومي يؤسس علي أرضية التوافق الوطني و الاتفاق علي نصوص الدستور الدائم. هذا الدستور يمثل توافقا قوميا الكل يجب أن يلتزم بنصوص هذا الدستور. و الرؤية القومية لا تحددها جهة بعينها مهما كانت، و تريد أن تفرضها علي الآخرين. القضية الأخرى، إذا تناولت الصحافة قضية الفساد و بدأت تكشف عن الفساد و المساهمين فيه، و أوقفها جهاز الأمن بالمصادرة. هنا من الذي يكون قد أخل بالقضية الوطنية، الصحافة أم الجهاز. فالحرية هي أنجع وسيلة لمحاربة العنف و الحروب في البلاد، لأنها تعتمد علي الحوار، و أية شخص أو جهة تضررت من النشر عليها مباشرة الذهاب إلي القضاء. إن فتح ملف جهاز الأمن و المخابرات في الحوار بين القوي السياسية، هو وسيلة ناجعة، و إن الحوار رغم إنه يبين إن هناك عقليتين. الأول عقلية ساعية من أجل تحولات جوهرية في بنية الدولة، تعتقد أن الجهاز قد تم تكليفه في الفترة السابقة " سنين الإنقاذ" بمهام ليست من صميم عمله المهني، و هذا التكليف أخل بالبناء السياسي في البلاد، و لم يولد غير النزاعات و الحروب، و لكي يتم تجاوز هذه العتبة يجب أن يعاد النظر في القوانين و في الدستور، لكي يصل الجميع لتوافق وطني مطلوب، إذا كانت الأغلبية تناضل من أجل الوطن و لكن معروف في ظل النظم الشمولية و الديكتاتورية تخلق مجموعات المصالح الخاصة، و هؤلاء أكثر الناس دفاعا عن الشمولية لأنها تحقق مصالحهم الخاصة و ليست الوطنية. فالحوار قيمة معرفية و أخلاقية مطلوبة في المجتمع، فالكل يريد بناء الوطن لكي يصعد في سلم الحضارة، و لكن أصحاب الأجندة الخاصة وحدهم الذين يقفون أمام التغيير و يحاولون سد نوافذ الهواء النقي بأيديهم. و نسأل الله حسن البصيرة. [email protected]